Tuesday 6th January,200411422العددالثلاثاء 14 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الأزمنة الأزمنة
الوسطية.. بين تيارين..!
عبدالله بن عبدالعزيز بن إدريس

هذا الهيجان الذي حل ببلادنا الوادعة المستقرة؛ والآمنة المسالمة، قبل أحداث 11 سبتمبر المشؤومة.. ماذا يريد؟ ومن الذي يغذيه ويوقد ناره بحطب الخلاف والاختلاف؟ ومتى يهدأ هيجانه؟ وما هي السبل المثلى لاستئناسه واستخلاص ما فيه من خير.. ودرء ما فيه من شر..؟
لا شك أن من المحال البقاء على حال.. فسنة الحياة الحركة لا السكون.. وطبيعة الكون التغير والتبدل.. بما يسعد وما يشقي.. {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35] .
والمسلم مطالب بأن يسير طول حياته على منهج واضح يضيئه القرآن والسنة.. ويستهدي فيه بالعقل الذي لا يتنافى مع النقل الصحيح.
***
ولا يشك مسلم.. ولا منصف من غير المسلمين.. ممن فهم الإسلام فهما صحيحا أن الإسلام هو دين العدل والحق.. ودين الرحمة و المساواة.. ودين الحرية المسؤولة ودين التعامل والعلاقات الإنسانية الفاضلة مع جميع الناس ممن هم على دينك وممن هم على خلافه.
الإسلام هو الدين الوسط بين غلو النصارى، وإهمال اليهود والحكم على الأغلبية.. {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [البقرة: 143] .. والمقصود «بالوسطية» هنا.. كما قال البغوي في تفسيره «يعني أهل دين وسط بين الغلو، والتقصير، لأنهما مذمومان في الدين» وقال صلى الله عليه وسلم في حديث طويل: «.. ألا وإن هذه الأمة توفي سبعين أمة هي آخرها وأخيرها وأكرمها على الله تعالى» الجزء الأول/ص122.
***
ومن المؤلم حقاً أن الأمة في الوقت الراهن.. يتعاورها موقفان متضادان: غلو في الدين لدى الفئة المتشددة.. وجفاء له من الفئة المقصرة.. ولكن الأكثرية العظمى في هذه الأمة هي «الوسطية» بين الغلاة والجفاة.
هذه الوسطية التي تمثل النسبة الكبرى من الأمة تجد نفسها في الوقت الحاضر مدهوشة مما حصل.. ومستفزة مما يعتلج في أذهان الفئتين المتضادتين اللتين كان بامكانهما - لكسب التلاقي والتوافق الجمعي - أن تطلبا «التحكيم» فيما شجر بينهما.. بقيادة من يرونهم مثلهم الأعلى.. في هذا الاتجاه أو ذاك.. ولن يعدموا وجود الحكام المنصفين.. وأصحاب العلم الغزير والفكر المستنير داخل «وسطية» الأمة التي لا تميل إلى أحد الاتجاهين.. من اليمين أو اليسار.. ولن يكون التحكيم مقبولاً إلا بإقناع الطرفين بالمقارنة والمقابلة بين النصوص الشرعية من الكتاب والسنة.. وتحديد المفاهيم الصحيحة لها.. {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65] .
***
ولعل الحوار الوطني في دورتيه الأولى بالرياض؛ والثانية بمكة المكرمة.. قد حقق كثيراً من التقارب وقلص المسافة بين الرؤى المختلفة حسبما لمسنا من الجلسة التي عقدت يوم السبت بمجلس سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز.. والتي ألقى فيها عدد من المتحاورين كلمات طيبة، ومتفائلة، بصيانة العقيدة، والوحدة الوطنية.. وأن الجميع خرجوا من هذه الدورة الحوارية.. وهم راضون كل الرضا عما تم إنجازه في تقريب وجهات النظر.. وإزالة الجفوة التي حصلت بين عدد من العلماء والمثقفين خلال العشرين السنة الأخيرة التي احتد فيها الخطاب الديني المتشدد.
كما قابل هذا التوجه المتشدد.. توجه معاكس متطرف.. مما لفت نظر الإعلام في الغرب.. وخاصة في أمريكا.. إلى هذا الواقع المؤسف.. والذي أفرحهم وجعلهم يعتقدون أن ضغوطهم على المملكة العربية السعودية قد نجحت فيما يتصورونه «خطأ».. لزعزعة كيان الدولة.. وإضعاف مركزها.. وبالتالي تحقيق مآربهم الخبيثة في إضعاف قداسة العقيدة الإسلامية لدى الفئة المقصرة والممكن ترويضها للقبول باختراق بعض قيم الإسلام وواجباته. بدعوى الحرية والانفتاح، الذي يوصلنا - حسب زعمهم - إلى ما وصل إليه الغرب من تقدم مدني وعسكري. وتفوق تكنولوجي في كثير من مجالات الحياة.
وما من أحد يشك في أن واجب المسلمين هو اللحاق بالدول والشعوب المتقدمة في مضامير الحياة الصالحة كلها مع احتفاظهم بدينهم وقيمهم الإسلامية.
***
وعودة إلى الحوار الوطني الذي عرض نتائج دورته الثانية على سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز يوم السبت الفائت.. ولقيت هذه النتائج والمداخلات تجاوباً إيجابياً وكريما من لدن سموه. وطلب من الحاضرين ومن الشعب السعودي الالتزام بأربعة أمور «العقيدة، الوطن، الصبر، العمل».
فالمحافظة على العقيدة والوطن.. أمرهما معروف ومحسوم.. وأما «الصبر» فواجب «وقتي» حتى تنضج الرؤى وتتحدد معالم الإصلاح المنشود..! وأما «العمل» فهو ديدن الحياة.. وإذا لم نعمل أعمالاً صالحة لتحقيق السعادة في الدارين فلن تفلح حواراتنا.. اللهم إلا في امتصاص شحنات ما في النفوس «مؤقتا».. ثم تدور عجلة الزمان على نفسها.. وكأن شيئاً لم يكن.
فعلى الدولة والمجتمع أن يفعّلا حركة الإصلاح.. بروح الأخوة، والمحبة، وحسن النية. بين الحاكم والمحكوم.. وبذلك يقطع طريق المفسدين والمتربصين.
وقد كادت الأقوال والآراء الشاطة أن تنتهي.. لتحل مكانها الأفعال المجيدة التي تقوي الكيان.. وتوحد الصف.. ولنري أعداءنا الباغين.. من تلاحمنا وتآلفنا ووحدتنا ما يبعث يأس الكائدين.. ويرد كيدهم في نحورهم.. بإذن الله.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved