Tuesday 6th January,200411422العددالثلاثاء 14 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
التفكير.. في ما استقر من مناهج التكفير
د. عبدالله بن ناصر الحمود*

عندما تبدو الأزمات المجتمعية وتكشف عن واقع إنساني معاش، فإن السؤال المباشر والأهم الذي يتم تداوله بين المؤسسات والأفراد - في المجتمع الذي تهاجمه الأزمة - يتمحور حول التعرف على مدى الصحة والسلامة في مركبات المجتمع وكياناته.. وتهدف هذه التساؤلات - عادة - الى مراجعة الواقع وتقويمه، باعتبار ذلك جزءاً مهما من عملية معقدة يخوضها المجتمع لادارة الأزمة. وغالبا ما تكشف تلك المراجعات عن مُشكل ما في مركب أو أكثر من مركبات المجتمع. ويمكن الاتفاق على ان مخرجات المجتمعات الانسانية كافة تعد نتاجا طبيعيا لعمليات فردية ومؤسسية تتكون مادتها الخام من ثلاثة عناصر رئيسة هي: الفكر، والسلوك، والمحرك الأساس لهما المتمثل في الإيديولوجية. وبذلك كثيراً ما تتم «أدلجة» الفكر والسلوك. كما يمكن الاتفاق - أيضا- على أن مدى قناعة المجتمعات الانسانية بالفكر المتاح أو بالسلوك المجتمعي، أو مراجعتهما، إنما يعتمد على أساس إيديولوجي في المقام الأول، يرتبط بمدى العلاقة بين الناس والإيديولوجية من ناحية، ومن ناحية ثانية بمدى تفهمهم لبعضهم البعض وثقتهم المتبادلة، عندما تتم مناقشة أصول بناء المجتمع «الفكر والممارسة»، وذلك لأن مظّنة اختلاف الناس «إيديولوجيا» حاضرة غائرة في ثقافة الناس، وعندما لا يقبل معظم الناس الاختلاف الإيديولوجي بين بعضهم البعض «ولأسباب موضوعية أحيانا» تصبح عملية المساس بأصول المجتمع في مجالي «الفكر والسلوك» عملية معقدة جداً، بل وخطيرة جداً، ومهددة لكثير من كيانات المجتمع المستقرة أن ينالها شيء من الفوضى والاضطراب. ولذلك، يتردد كثير من الناس في مناقشة فكر المجتمع وسلوكه، خشية أن يقع في المحظور «مجتمعياً» ويصبح ضحية لواحدة من مهلكتين: التصنيف الجائر، أو الإقصاء المجتمعي نتيجة غلبة التيار السائد. ومن المستقر - كذلك - أن هذا الواقع المجتمعي كثيراً ما يبدو واضحاً ومترسخاً في المجتمعات الانسانية التي يمكن وصفها بالمجتمعات المحافظة، أو المتدنية، بناء على الحساسية الكبرى للمساس بقضايا وموضوعات استقر عند الناس ارتباطها بأطر دينية عقدية. والمتأمل لواقع مجتمعنا السعودي خلال العقود القليلة الماضية، يلحظ أن تلك المحاذير حاضرة في ثقافة المجتمع، بشكل بقي معه عدد من مركبات فكرنا المجتمعي وسلوكياتنا العامة رهن الثبات غير اللازم بالضرورة. وقد يكون من غير الملائم اليوم، وقد ظهرت أزمات فكرية وسلوكية، أن نكتفي بالقضايا التفصيلية لمواجهة واقع تهاجمه الكليات المحلية والكليات الدولية. إن من أولى ميادين المراجعة والتقويم لواقع مجتمعنا الكبير، أن يتجه المجتمع الى تقويم وتجديد فهم عميق للكليات والجزئيات التي يجب أن يؤمن بها، بشكل يكون معه ذلك الفهم متاحا لكل الناس بحسب طبقاتهم ودرجاتهم. ومن أسس هذا التوجه. أن نُخضِع مناهجنا في التفكير لمراجعة حقيقية ولتقويم علمي مستنير، يتيح لنا أن نبحث - في كل مكان وزمان - عن الأفضل، وأن نطوّعه لصالحنا، دون قلق من بعضنا، ودون خوف من أن يصنَّف بعضنا بعضا، أو أن يضيق بعضنا ببعض، وأن نحاول - من خلال ذلك - أن نتيح لأنفسنا - وفق آليات متطورة - أن نكون الأصح والأسمى، فكراً وسلوكاً.

* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved