Tuesday 6th January,200411422العددالثلاثاء 14 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

وقفة مع الجَمَال وقفة مع الجَمَال
د. موسى بن عيسى العويس/ الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الرياض

المتنبي كغيره من الأدباء الذين استوقفهم الجمال، وشغل حيزاً من مطالع روائعهم خدع المرأة، أو خادعها في شعره، حين قال:


وفتّانة العينين، قتّالة الهوى
إذا نفحت شيخاً روائحها شبّا
لها بشر الدّرالذي قلّدت به
ولم أر بدراً مثلها قلّد الشهبا

من أجل ذلك حاولت المرأة في كل زمانٍ ومكان الانفلات من قيود دينية، واعراف اجتماعية، حتمت عليها تغطية الأجسام بغطاء كثيف، وإسدال النقاب على الوجوه، وتجنب اختلاط الجنسين، لذا شعرت المرأة أنها أمام تحدٍ كبير، فغشيت الأسواق العامة دون احتشام، وارتادت أماكن التجميل، وأسرفت باستجلاب مواد الزينة، وبالغت في استخدام المساحيق، فأمست في سباق محموم مع لداتها، يستهويهنّ التقليد، ويأخذ بمجامع قلوبهن، لافرق في ذلك بين شابة وشائبة.
لم تدرك المرأة أن «المتنبي» كغيره، تتلون عواطفه من قصيدة لأخرى، حسبما تملي عليه التجارب، فإذا هو يتأثر بالجمال المعنوي وينفعل به أكثر من الجمال الحسي، فلم يستمله من المرأة تبرجها و تزيّنها وانسياقها وراءالموضات، بل نال من تلك الفئات ساخراً، حينما قال:


ما أوجه الحضر المستحسنات به
كأوجه البدويات الرعابيب
حسن الحضارة مجلوبٌ بتطريةٍ
وفي البداوة حسنٌ غير مجلوب
أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها
مضغ الكلام، ولاصبغ الحواجيب
ولابرزن من الحمام ماثلة
أوراكهنّ صقيلاتِ العراقيب
ومن هوى كل من ليست مموهة
تركت لون مشيبي غير مخضوب

دولة الجمال وقتية تدول مع الشباب، واعتباراتها نسبية تتفاوت أمام المزاج، وتختلف أذواق الناس في تقديرها وتوصيفها، فما تحسبه جميلا أخّاذاً، يراه غيرك قبيحاً مستهجناً، ولعل هذا سر اختلاف نموذج الجمال باختلاف الأزمنة والأمكنة. أذواق متباينة بين الآسيوي، والأفريقي، والأمريكي لاتكاد تجتمع إلا على القليل من ملامح الجمال الذي لم يدرك الناس كنهه. بلا شك أن المرأة لها سلاح ماضٍ من جمالها المحسوس تفضل بها غيرها، وبخاصة متى امتلكت إلى ذلك، النفس الجميلة، والخلق الرفيع، والروح المرحة، لكنها مع ذلك فهي بحاجة إلى التدرب على حمل هذا السلاح، والحذق في توظيفه واستخدامه، حتى لا ينقلب عليها فجأة، فيدمي عواطفها وقلبها من حيث لا تشعر، ومن حيث لا تريد. استشعار الجمال المحسوس المجرد من جمال الخلق، والركون إلى أسبابه، كان من شأنه أن أمست المرأة ألعوبة في أيدي بعض الرجال يلهون بها فترة من الزمن، حتى إذا قضوا وطرهم منها طرحوها غير آسفين عليها، ولا بما سيؤول إليه مآلها هي ومن خلّفت وراءها.
معظم النساء للأسف لا يدركن أن اللطف، والدعة، والدعابة، والرقة، والحشمة، والإخلاص، والود، والثقة، وإنكار الذات صفات معنوية هي أولى تمثلاً، وأجل قدراً من الاهتمام بالجمال الظاهري، فليس كل جمال يثير مكامن نيران الحب ويذكيها، فمنه مايسر النواظر دون أن يسبي العواطف، ويستميل الخواطر، وترق له القلوب. إن تناسب الأعضاء، وحسن التقاسيم، وانطلاقة الأسارير، واعتدال القامة، ورشاقة القد، وبهاء الطلعة، ووضاءة الوجه، كلها صفات تتلاشى أمام جاذبية الأخلاق، والروح المرحة، والنفس المشرقة، على أنها متى التقت الصفتان واستكملت في إنسان ما، كان ذلك أجمل لها وأدعى للقبول.
قد يفوت على بعض الرجال ممن تعنيهم المظاهر، وبخاصة أبناء هذا الجيل المعاصر أن الجمال الذي تحس به المرأة ويستثير نوازعها الوجدانية،غير الجمال الذي يحس به الرجل ويستفز مشاعره الداخلية.
المرأة فيما يبدو تتأثر بالجمال المعنوي بالرجل أكثر من الجمال الجسماني المبهر عكس الرجل، ومن هنا كانت الصفات المعنوية أكثر حضوراًعندها، والشعراء الفرسان أدركوا ذلك، فحرصوا كل الحرص أن تتجسد فيهم وتتمثل بعض ما تتعشقه المرأة فيهم من صفات الرجولة الحقة، ودونكم «الخنساء»، حين تباهي بكرم «صخر» وأريحيته، وبطولته وإقدامه، وصبره وعفته. تقول فيه، وقد سيطرت عليها عوامل الأسى والحسرة، والإعجاب والإكبار:


وإن صخراً لتأتم الهداة به
كأنه علمٌ في رأسه نار
جلدٌ جميل المحيا كاملٌ ورعٌ
وللحروب غداة الروع مسعار
حمّال ألوية، هباط أودية
شهاد أندية، للجيش جرار
لم تره جارةٌ يمشي بساحتها
لريبة حين يخلي بيته الجار

المجتمع المعاصر رجالاً ونساءً بحاجة ماسة إلى مراجعة ماهو مظنة إعجاب من الصفات، حتى لاتختلط الأوراق أمام الجنسين، وهم يلتمسون الأسباب.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved