Thursday 8th January,200411424العددالخميس 16 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

تطوير أساليب التعليم والتعلم لا يقل أهمية عن تطوير المناهج تطوير أساليب التعليم والتعلم لا يقل أهمية عن تطوير المناهج
د. فوزية أبو خالد

بتشجيع من ابنتي بعد أن أمطرتني بوابل من سحر البيان وقوة الإقناع وقدرتها الجدلية التي لا تدحض في أهمية مشاطرة القطاعات الاجتماعية المختلفة اهتماماتها وأنشطتها وضرورة مؤازرة مثل هذه البادرة النادرة على حد تعبيرها والتي تتمثل في إيجاد علاقة جديدة بين المجتمع وبين المدرسة بتقديم محاضرات تربوية تهم جمهور الأمهات والاباء والتربويين ذهبت للمشاركة في حضور المحاضرة التي استضافتها مدارس المملكة مساء الاثنين الماضي 12/11/هـ الموافق 4/1/2004م.كنت أتوقع ألا يزيد جمهور الحضور عن عدد محدود من معلمات المدرسة نفسها وبعض الأمهات على ما تعودنا من حالة العزوف العام عن المشاركة في مثل هذه المناسبات الجادة «المتخصصة» ففوجئت وكما توقعت الزرقاء أن هناك عدداً جيداً من المهتمين والمهتمات بالعملية التربوية في الجانبين الرجالي والنساء الذي أقيم «بطبيعة الحال» كل منهما على حدة حيث تربط دائرة البث التلفزيوني المغلق بين طرفي المحاضرة والتحاور فيما بعد.
كانت المحاضرة بعنوان (مبادئ التعلم والحاجة إلى التعلم النشط) قام بتقديمها اثنان من أساتذة قسم التربية بالجامعة الأمريكية ببيروت، وكانت المحاضرة مرة أخرى على غير ما توقعت تخلو تماماً من تلك الأساليب النمطية في النظرة المتعالية لعملية التعليم التي تحصر عادة وظيفة المعلم في مهمة التلقين وتحاصر التلميذ بدور المتلقي السالب فعلى العكس من ذلك الموقف التقليدي المتكلس طرحت المحاضرة أساليب جديدة لعملية التعليم والتعلم من خلال التأسيس لمفهوم ديناميكي وديموقراطي إذا صح التعبير للعملية التعليمية وبما أن ذلك المفهوم قد تم إنتاجه في وعاء اجتماعي ومعرفي مختلف وهو وعاء الحضارة الغربية ومجمعاتها فقد جرى النقاش فيما بعد وانصبت معظم أسئلة الحضور والحاضرات على وسائل إدخال هذا المفهوم إلى نظام التربية والتعليم من خلال توطينه في البيئة العربية وتدريب الأطراف المباشرة في العملية التعليمية المعلم، الطالب، البيت على الأخذ به وأوجه تطبيقه وبعض صعوبات التبييء له. وقبل أن أعرض باختصار دقيق أهم محاور تلك المحاضرة وما يمكن أن يعمم منها أو على الأقل ما يمكن أن يطرح فكرة الأخذ به للمداولة ليس في مدارس المملكة وحدها بل في مدارسنا عموما أود أن أنوه بشيء من التشديد هنا على أن أطراف العملية التعليمية وإن انصبت كما جاء في المحاضرة وكما سيتضح من ذكر محاورها على المعلم، التلميذ فإن من الأدق أن نقول بأن محور العملية التعليمية هو المدرسة، التلميذ، البيت وذلك لمركزية العملية التعليمية عندنا على خلاف ما هي الحالة في النظام التربوي الغربي الذي قد يتيح للمعلم قدراً أكبر من الحرية في أن يكون طرفاً مستقلاً في العملية التعليمية بينما في النظام التربوي العربي عموماً وليس السعودي وحده فإن المعلمة / المعلم تابع للسياسة التعليمية في المدرسة التي يعمل بها كل منهما ومن ثم فإن تفعيل دوره / ها أو إعطاءهما دوراً جديداً في عملية التعليم لا يمكن أن يستقيم دون أن تقوم المدرسة نفسها بدعم مثل هذا التوجه وعند هذه النقطة أرى أنه ربما صار لدى القراء ما يكفي من الفضول لمتابعة أهم محاور المحاضرة وهي كالتالي:
* هناك حاجة في عالم متغير مليء بتحديات المعرفة والعولمة معا إلى التحول عن الأساليب السالبة للتعلم إلى ما يُعرف تربويا ومعرفياً Epistemologically بالتعلم النشط Active learning ومعنى التعلم النشط هو أن يكون الطالب محور العملية ويضطلع بجزء هام في عملية تعلمه وتعليمه بينما يكون دور المعلم لا دور الملقن أو السائس بل دور الميسر facilitator والمقصود بأن يكون المعلم ميسرا أي أن يقوم بتعليم الطلاب بإفساح المجال لهم للمشاركة والتحول من الدور السلبي إلى الدور الإيجابي فيكون لهم الحق في طرح الأسئلة وفي التفكير الإبداعي المستقل كما في التفكير الموضوعي العقلاني ويكون عليهم واجب المشاركة في البحث للحصول على المعلومة وتمحيصها وتعداد مصادرها.
ويمكن العمل على تحقيق التعلم النشط بالرجوع إلى عدد من مبادئه وهي:
- تنظيم المدرسة لإعطاء أولوية للجهد. وهذا يشمل أن يكون هناك معرفة ورضا بأن العمل التعليمي يتطلب جهداً منظماً كما أن هذا يتطلب إعداد معايير متعددة لقياس مردود الجهد المبذول لا تقتصر على مقياس الاختبارات وحدها.
- وضوح التوقعات بحيث لا يكون هناك غموض أو لبس أو تذبذب في تحديد المتوقع من العملية التعليمية ومن تعاون أطرافها للاستجابة لهذه التوقعات.
- التقييم المنصف بحيث يتأكد للطالب أن التقييم يتم على أساس الجهد المبذول وليس لأي اعتبارات أخرى وبناء على معايير يمكن اختبار قدرتها على المساواة بين الطلاب.
- تقدير المنجزات هو شرط أساسي من شروط بذل الجهد والتقييم المنصف وهو لا يلعب فقط دور المحفز بل يلعب دوراً في إعطاء الطالب دوراً غير هامشي في عملية تعلمه.
- منهج التفكير: ولتمكين الدارسين منه لابد من عدم الاكتفاء من عملية التعليم بإعطاء الطلاب المعلومات ومطالبتهم باسترجاعها على ورقة الاختبار فهدف اساسي من التعليم هو تعويد الطلاب على التفكير وجعلهم يمتلكون ملكاته الخلاقة وعليه فتعريف الطلاب بمجموعة من المعارف وتدريبهم على استخداماتها النشطة لا يتأتيان بدون التكامل بين عملية التفكير الموضوعي والتحصيل المعرفي لتطوير قدرات الصغار على التحليل والتفكيك والتركيب بخلق مواقف تحدِّ داخل عملية التعلم اليومي مثل مواقف «ماذا لو».
- الحديث المسؤول ويكون بتعليم المعلمين كيفية إجراء حوارات مع الطلاب، الإصغاء إليهم وليس مجرد سماع أصواتهم، تدريب الطلاب على الإصغاء بعضهم إلى بعض دون تسفيه أو مقاطعة والسماح لهم بإظهار الاختلاف وكذلك الخلاف مع تدريبهم على التوصل إلى حل حله بحلول سلمية عادلة.
- تطوير الطابع الاجتماعي للذكاء وعدم تضييق معناه في القدرة على الحفظ بل في الربط بين الأشياء وحل المشكلات سواء كانت ذات طبيعة معرفية أو اجتماعية.
- الإدارة الذاتية للتعليم وتكون بإعطاء الطلاب الفرصة والثقة ليشاركوا في مسؤولية الإدارة كإدارة فصولهم، تطوير مهاراتم في ايجاد استراتيجيات وتدريبهم على العمل بها، تتضمن هذه المهارات نشاطات مختلفة مثل صياغة الأسئلة، القدرة على النقد الإيجابي وتقبله.
- التعليم كنوع من التدريب بحيث لا تنفصل العملية التعليمية عن جوانبها التطبيقية، فيكون اسلوب التعلُّم المبني على العلاقة الأفقية بين الطلاب بعضهم البعض وبينهم وبين المعلم باعتباره ميسراً وليس على العلاقة العمودية أو الرأسية هو حجر الأساس لتدريب الطلاب على علاقات اجتماعية لا تقوم على التمايز أو عدم المساواة، كذلك يكون تدريب الطلاب على التفكير والتحصيل عن طريق بذل الجهد الذاتي والتعاوني حجر الأساس أيضا لمجتمع منتج في المستقبل.
أما عن سؤال كيف تتحقق هذه المبادئ التسع فان لذلك متطلبات نوجزها على التوالي:
- دمج النشاط الذهني مع النشاط البدني والحركي.
- معرفة خلفية المتعلم.
- إشراك الطلاب في العملية التعليمية نفسها وعدم استئثار المعلم بها.
- تقديم مادة جديدة لا تخلو من عنصر التحدي وهو لا يعني التصعيب أو التعجيز.
- تشجيع الطلاب على المشاركة والمناقشة.
- التعلُّم التعاوني وكذلك تشكيل فرق صفية متعددة.
يضاف إلى ذلك بعض المتطلبات الأساسية الأخرى في رأيي وان لم يذكرها المحاضران ومنها وجود الوقت الكافي لتطبيق هذا النوع من التعليم النشط، وجود عدد محدد من الطلاب مع كل معلم ليستطيع أن يلعب دور الميسر، وجود فضاء في الفصول، وجود معلمة/ معلم مدرب ومقتنع بمثل هذا الدور الديموقراطي ووجود مناخ اجتماعي مؤازر لمثل هذا النوع من التعليم متقبل لهذا النوع من القيم وإلا فان مصير مثل هذا الاستاذ /الاستاذة الاستخفاف والاتهام بعدم الحزم.
وبعد، ان السبب الرئيسي من تناولي لهذا الموضوع وببعض التفصيل هو المشاركة الإيجابية والمسؤولة في الجدل «الصحي» الدائر اليوم في مجتمعنا عن تطوير المناهج. وفي هذا أتعرض بالذكر لنقطتين:
النقطة الأولى، يهمني أن أؤكد فيها على أن مطلب إعادة النظر في مناهجنا وتطويرها لإكساب الأجيال الجديدة معرفة منتجة يجب ألا تربط بأي حال من الأحوال بهاجس دعوة الإدارة الأمريكية أو سواها أو الخوف أن يكون ذلك استجابة لضغوطات سياسية، بل ان هذا المطلب هو مطلب وطني مشروع طالما ألح فيه وعليه العديد من بنات وأبناء الوطن قبل أحداث سبتمبر وما تبعها وهو من قبل هذا ومن بعده لا يهدف ولا يجب أن يهدف ولا يجب أن يشكك في أنه يهدف لاسترضاء أمريكا أو سواها على حساب العقيدة أو حتى ما دون ذلك.
وفي هذا فتطوير المناهج إنما هو مطلب لتسليح أبنائنا وبناتنا بذلك الكم والكيف من التعليم الذي يؤهلهم ليكونوا في موقع مسؤول عقلاني ومنتج يستطيعون به أن يحموا شؤون دينهم ودنياهم.. فنحن كما ورد في إحدى أوراق العمل التي قدمت في مؤتمر الحوار الوطني الأسبوع الماضي وهي الورقة التي قام بتحليل مضمون بعض المقررات المدرسية فيها كل من أ. إبراهيم السكران وأ. عبدالعزيز القاسم إذ نقوم بالنقد ونطالب بتطوير المناهج فإنما نفعل ذلك لأن التعليم يجب أن يؤدي إلى بناء شخصية إسلامية متوازنة قادرة على التعامل مع التحديات ليس بشكل انسحابي أو قنوطي بل بصورة عقلانية فاعلة ومنتجة تستطيع أن تكسب للمجتمع الإسلامي مكانته في العالم. وحديث تطوير مناهج التعليم لا يقتصر على المقررات الدينية ولكنه يشمل ويجب أن يشمل أوجه القصور في جميع المقررات وتطويرها من الرياضيات إلى اللغة والتربية الوطنية.
النقطة الثانية التي تشغلني إضاءتها وهي في صلب هذا المقال هي نقطة تطوير كيف التعليم لا مضامينه وحسب. فلماذا عند الحديث عن تطوير المناهج يجري تجاهل وخصوصاً من قبل أولئك الذين يهاجمون التطوير مسألة تطوير الكيفية التي تعلمنا بها والتي مع الأسف لا يزال أبناؤنا يتعلمون بها رغم الفارق المعرفي والتقني الهائل بين جيلنا وجيلهم، فلا تزال العملية التعليمية تتم بنفس ذلك الأسلوب الرتيب الفوقي. منصة المعلم بعيدة ومتعالية، السبورة، عدم طرح الأسئلة والهلع الدوري من شبح الامتحان. وهنا يكون سؤال كيف نحول اسلوب التعليم العامودي الجامد إلى أساليب أفقية متموجة يشترك في تشجير أرضيتها جميع التلاميذ والتلميذات.هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved