Wednesday 14th January,200411430العددالاربعاء 22 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

البوارح البوارح
سحر المذكرات الشخصية
د. دلال بنت مخلد الحربي

فكرت في الكتابة مجدداً في هذا الموضوع - إذ طرقته سابقاً - عندما بعث إليّ أحد صحفي مجلة الشرق الصادرة بالمنطقة الشرقية أسئلة عن قيمة المذكرات الشخصية وحقيقتها خاصة ما يتصل بذم أشخاص مشهورين والتقليل من سطوة نجاحهم أو انبهار الناس بهم بسرد ما لا يتفق وهذه الرؤية، وكان محور اهتمام الصحفي الكريم هو: ماذا يفعل الأشخاص المذكورة اسماؤهم في المذكرات لفضح الحقيقة؟
وكتابة المذكرات تقليد غربي نشط في أوروبا مع حركة الأدب فيها ابتداء من عصر النهضة وتطوره في فترة التاريخ الحديث والمعاصر، وخلال هذه المدة التاريخية ظهر لجمهور الناس مجموعة كبيرة من مذكرات الشخصيات البارزة في مجالات مختلفة استحوذ فيها الجانب السياسي على النصيب الأكبر منها على سبيل المثال مذكرات نابليون بونابرت وشارل ديجول ولورانس وغيرهم مما لا يستوعب الحيز لذكرهم، وفيما يخص الفترة العثمانية كانت مذكرات السلطان عبدالحميد الثاني التي نشرت لأول مرة في عام 1337هـ في مجلة عطارد باستانبول وخظ يت باهتمام بالغ.
في البلاد العربية وفي الفترة المعاصرة كانت مصر وما تزال الرائدة في مجال نشر المذكرات ولعلي أشير هنا إلى ما نشر عن الملك فاروق من الأشخاص ذوي الصلة القوية به، ومذكرات محمد نجيب ومذكرات محمد حسنين هيكل، ناهيك عن مذكرات الفنانين التي كانت أشهرها مذكرات اعتماد خورشيد التي فضحت بها صلتها برئيس المخابرات المصرية آنذاك كما كشفت النقاب عن الممارسات اللا أخلاقية لبعض فناني الوسط الفني.
والواقع أن المذكرات سحر لا يقاوم ولذلك نجد معظم الناس يسارعون في اقتنائها وقراءتها إذ إنها تكشف ما ستر وتزيح ما يوارى وتكمل الصورة، ومن المؤكد أن قيمتها تزيد مع مرور الوقت خاصة إذا ما توفرت معلومات من مصادر أخرى تؤكد ما ورد فيها أو تفنده.
أما كيفية التحقق من صحة ما ورد فيها، فهذه مهمة الباحث عن الحقيقة فعليه مقارنة ما ورد فيها بمصادر أخرى منها الصحف والوثائق وسؤال الأشخاص المعاصرين والمساهمين بالأحداث إن وجدوا. وأشير في هذا الصدد إلى ما كتب عن مذكرات السلطان عبدالحميد الثاني بأن الوثائق التاريخية المستخرجة من الأرشيف العثماني اثبتت صحة ما قاله السلطان عبدالحميد.
ويلجأ عادة بعض الأشخاص الذين ترد اسماؤهم في المذكرات بما لا يتفق وحقيقة الأمر أو يتعارض مع صورتهم المعلنة إلى كتابة مذكراتهم للرد، أو استخدام وسائل الإعلام الأخرى للتوضيح، وعلى أي حال فعادة ما تكون الأوراق الرسمية هي الفيصل في هذه القضية.
اختم مقالي بالإشارة إلى ما كتبه محمد نجيب في مقدمة مذكراته وهو كلام لا يحتاج إلى تعليق، بل إلى الكثير من التأمل يقول: «إنني في الأيام التي يكون فيها الإنسان معلقاً بين الأرض والسماء.. في تلك الأيام التي يختفي فيها تأثير الجسد على البشر ويبقى نفوذ الروح.. ويبتعد فيها الإنسان عن المادة ويغطي نفسه بالشفافية.. وينسى الألم والدنيا والسلطة والمال والولد ولا يتذكر إلا الحق والتسامح والصدق والخير.. إن هذا الكتاب سيعيش أطول مما عشت.. وسيقول أكثر مما قلت.. وسيثير عني جدلاً بعد رحيلي أكثر من الجدل الذي أثرته وأنا على قيد الحياة..»


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved