Thursday 15th January,200411431العددالخميس 23 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
برامج أوقات الفراغ.. الحاجة للتقويم
د. عبدالله بن ناصر الحمود*

تنشأ التكتلات المجتمعية - عادة - لتحقيق أهداف عامة ينشدها الإنسان وفق منظومته المجتمعية. ومن أجل تحقيق تلك الأهداف ينتظم الناس في تنفيذ مهمات ووظائف متعددة لخدمة الكيان المجتمعي في مجالاته المختلفة على المستويين النظري والتطبيقي. ومن هنا جاء اهتمام المجتمعات المعاصرة بوضع اللوائح والتنظيمات التي تكفل مشاركة أفراد المجتمع في الإشراف على أو تنفيذ تلك الوظائف. ومن الواضح أن المجتمعات تختلف فيما بينها من حيث الأسلوب والمساحة الزمنية المعتمدة لأداء الواجبات المجتمعية مع تقاربها في أصل المبدأ. ومهما تقاربت المجتمعات أو تباعدت - في هذا الإطار - فإن المجتمعات المعاصرة والمتطورة منها - بشكل خاص - أو تلك التي قطعت مراحل من أجل التطور، تواجه واقعا مهما أفرزته طبيعة المجتمع، يتمثل في منظومة زمنية نتج عنها وفرة في الزمن لدى عدد من أفراد المجتمع تم التعارف على وصفها بأوقات الفراغ. وتمثل تلك الأوقات أهمية خاصة للمجتمعات نتيجة العبء الكبير الذي تلقيه على مؤسساتها، نظراً لانتفاء التنظيم اللوائحي المفصل في استغلالها بشكل نمطي ومتشابه لدى مجموعات من الناس، كما هو الحال بالنسبة للمؤسسات الرسمية في المجتمع. والمتأمل في واقعنا المجتمعي السعودي يدرك - بوضوح - أن المشروعات المجتمعية لشغل أوقات الفراغ تعد مشروعات مهمة وذات كفاية جيدة في سد جزء معين من احتياجات المجتمع. لكن تلك المشروعات لا تزال تحتاج إلى مراجعة من وجهين: الأول، الفكرة العامة التي تقوم عليها نظرتنا لسد أوقات الفراغ، أو حتى لوقت الفراغ ذاته، باعتباره واقعا مجتمعياً مهما، وإفرازاً طبيعيا من إفرازات المجتمع المدني المتطور. فلا نزال ننظر لأوقات الفراغ بشيء من الريبة ولبرامج سد أوقات الفراغ بكثير من النظرة التجارية، وبقليل من الإفادة الحقيقية من هذه الأوقات بما يعود بالنفع العام غير المباشر على واقعنا المجتمعي. الثاني، فرض نمطية يعتقد بعضنا أنها تتسم بخصوصية تتسق وخصوصة المجتمع، بشكل أصبح بعضنا يعتقد معه أن لدينا خصوصية في كل شيء حتى في أوقات فراغنا، وفي كيفية سد تلك الأوقات. ومع قبول فكرة الخصوصية من حيث الأصل العام لها، إلا أنّ من بيننا من يذهب في الخصوصية ليجعلها خصوصية تفصلنا عن كل واقع بعيد عنا أو من حولنا، بل وكأن الخصوصية كلمة مرادفة ل«سعودية» أو ل«مجتمع سعودي» فالسعودي يجب أن يختلف - في قاموس هؤلاء - عن كل الناس. وحيث تشرب عدد من كيانات المجتمع وأفراده هذا التوجه الخصوصي!! فقد ذهب في شغل المجتمع أوقات فراغه مذهبا يعتقد معه ضرورة التشدد في «خصوصية المجتمع» وفق منظومة خاصة - ربما - لا يؤيدها كثير من الناس.
وقت الفراغ وقت له أعرافه وأنماطه وغاياته ووسائل شغله. وهي أعراف مستقرة عالمياً ومليئة بالتجارب الناجحة التي تضفي نجاحها على الكيان المجتمعي كله، بشكل يستمتع فيه أبناء المجتمع ببرامج عامة وشاملة تجعل من أوقات الفراغ لدى الناس فرصة مهمة جداً يلتقون فيها لتكوين مفاهيم عامة عن الناس والأشياء من حولهم. خصوصية مجتمعنا مهمة ولكن يجب أن يكون لها حدود معلومة بالضرورة، ليكون ما بعد حدودها تلك أمرا مشاعا نشترك فيه مع الآخرين في استثمار أوقات الفراغ، بطريقة نستحضر معها كل ما طوّعته المجتمعات الإنسانية من برامج لشغل أوقات الفراغ وليكون لنا منها «كل» ما لا يخالف أصلاً من أصول فكرنا المجتمعي الوسطي، بصرف النظر عما استقر لدينا من آراء وتصورات سابقة.
إنها الحاجة القائمة لإعادة النظر وتقويم مفاهيمنا لشغل مجتمعنا أوقات فراغه.

* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved