Saturday 17th January,200411433العددالسبت 25 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

«العولمة والتدويل» «العولمة والتدويل»
د.خليل إبراهيم السعادات

يتحدث الكثير من الناس منذ مدة عن العولمة والغالبية تردد ذلك ولا تعرف ماذا يعني هذا المصطلح بالتحديد والذي اجتهدت اللغة العربية في أن تجد ترجمة له. هناك خطاب إيديولوجي سائد وجديد حول الأمر أفرزته الليبرالية الجديدة بعد انهيار المعسكر الشرقي وفلسفته الاشتراكية عناصر هذا الخطاب تتحدث عن العولمة كقدر وكنهاية للتاريخ وكحتمية جديدة لا تفرق كثيراً عن الحتمية التاريخية التي ظلت تتحدث عنها الماركسية ولكن هذه المرة بلباس رأسمالي وبمنطق كوني جديد للرأسمالية
ذكرت دراسة قدمت للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وقدمت الدراسة موقفاً تحليلياً للتغييرات التي يشهدها العالم والاقتصاد العالمي بالذات، فالعالم اقتصادياً لا يمر بمرحلة عولمة من وجهة نظر الدراسة بل بعملية تدويل. وهناك فروق بين المصطلحين من ناحية الفهم والمعنى ومن ثم الموقف الذي يجب أن نحدده كعرب.
يعني المصطلح الأول زوال الفروق الوطنية وانحسار وتلاشي دور الدولة السيادي في حين يؤكد المصطلح الثاني أن الفروق الوطنية والإقليمية كانت وستبقى ذات أثر كبير وأن المؤسسات الوطنية والدولة الوطنية تبقى فاعلة فالدول المصنعة الكبرى ستكون أول من يقف ضد تيار العولمة إذا ما شعرت بأنها تهدد مصالحها ويخطئ من يظن أنه لا أثر لتلك الدول في تحديد مسار الاقتصاد العالمي. فمصطلح العولمة وفق اشتقاقه يعني ان الجغرافيا والتاريخ لا تعني شيئاً وان الدولة الوطنية لم تعد قادرة على صنع خيارات في السياسات الانمائية أو الفلسفات الاجتماعية وان السوق هو العقل المدبر وهو الحل حيث ان الأسواق عبر القوميات والجنسيات بدأت تضيق من الخيارات الأخرى وعلى الدول أن تتبنى نفس الأنظمة النقدية والمالية والاقتصادية والاجتماعية وان تنهج بنهج اقتصاد السوق الحر بغض النظر عن التمايزات الوطنية. وتقرر الدراسة ان هناك مدارس فكرية مختلفة حول الموقف من الدولة ودورها في الوقت الحاضر، فالمدرسة السائدة والمتناغمة مع خطاب العولمة تعتقد أن أزمة التنمية في العالم الثالث تتعلق بالتدخل الحاد والمفرط للدولة في اللعبة الحرة لقوى السوق، ووفق وجهة نظرها فإن الدولة إذا ما اتبعت سياسات نقدية ومالية منضبطة وأزاحت كل الحواجز لعمليات السوق الذي ينظم نفسه بنفسه ولا يحتاج إلى وصي أو رقيب. فإن التوازن الاقتصادي سيتحقق للبلد المعين بصورة آلية وسرعان ما يندمج اقتصاده في عولمة المال والتجارة.
أما المدرسة الفكرية الأخرى فهي تشكك في وجود سوق ينظم عملياته بنفسه وتؤكد على أهمية تدخل الدولة لتطوير وحماية الاقتصاد المحلي وضبط دورات الركود والنمو إلا انها قد تتفق مع المدرسة الأولى في ضرورة الحد من التدخل البيروقراطي المبالغ فيه للدولة وضرورة إعطاء مساحة واسعة للمبادرة الفردية ولغرض التحليل فقد أطلقت الدراسة على المدرسة الأولى نموذج «الدولة بالحد الأدنى» التي تكتفي بتوفير أرض الملعب لتحرك قوى السوق أما المدرسة الثانية فتتبنى نموذج «الدولة الإنمائية» التي تتدخل بصورة عقلانية ومدروسة للترويج للصناعات وأن يكون لها تحكم واع وصارم في تحديد سرعة وتوقيت وتتابع الاصلاحات الاقتصادية. وتعتقد الدراسة ان ما ينفع حالة البلدان العربية ويتطابق مع واقعها التاريخي هو نموذج الدولة الانمائية ولكن ذلك يتطلب تطويرات مؤسسية وإدارية هامة كشروط ابتدائية للنجاح في التطبيق.
في مثل هذا النموذج ليس هنالك من تعارض بين الدولة والسوق فهما ليسا بأمرين متضادين بل مكملان أحدهما للآخر، إلا ان المشكلة تبقى دائماً في تعريف حدود كل منهما وطبيعة العلاقة المشتركة المطلوبة بينهما فالأمر يتعلق دائماً بخصوصية البلد المعين ووضعه في المقطع التاريخي الذي يمر به من ناحية التطور الاقتصادي والاجتماعي
وعلى رب العالمين الاتكال.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved