Monday 19th January,200411435العددالأثنين 27 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
القنوات الخليعة
عبدالله بن بخيت

الانتحار ظاهرة جديدة وهامشية في السعودية.
أثناء استعدادي لكتابة الجزء الثاني من مقال القنوات الخليعة، قرأت هذا التصريح. لم أكن في حاجة إلى أكثر منه لتتبين لي الطريقة التي نتناول بها القضايا الاجتماعية الخطيرة التي تلم بالمجتمع. هذه العبارة هي تصريح لأحد المتخصصين في العلوم الدينية في إحدى الجامعات السعودية. ذكرتني طريقته في تناول القضية وعرضه لها بما كان يقال قبل سنوات عن المخدرات. كان المسؤولون وموجهو الرأي يرددون أن المخدرات لا تعدو كونها ظاهرة محدودة وهامشية في مجتمعنا السعودي (ولله الحمد). حتى تبين لنا بعد ذلك أن الوضع غير ذلك تماما. أسلوب إخفاء الحقيقة والتهرب من مواجهتها هو الأسلوب الذي ننتهجه حتى يأتي اليوم الذي تصبح فيه القضية خارج السيطرة، الهروب من الواقع بسرد المثاليات وكيف يجب أن يكون عليه المجتمع الفاضل.
عندما نتحدث عن المرأة السعودية نقفز من الحديث عن المرأة في السعودية لنتحدث عن المرأة في الإسلام. وعندما نقرأ مقالاً ينتقد فيه كاتبه وضع المرأة في السعودية أو مصر نرد عليه بما يفترض أن تكون عليه المرأة في المجتمع الإسلامي الفاضل. في كل أمر نقفز من الحديث عن الواقع القائم إلى الحديث عن المثاليات.
لم تعد قضية القنوات الخليعة مجرد إرهاصات تطل برأسها بشكل خجول وإنما هي حقيقة قائمة وتتوسع بشكل يومي تقريبا. من الواضح أنها تريد أن تفرض نفسها كجزء من الواقع الإنساني كله كما حدث مع المخدرات. وهي لا تختلف عن بقية القضايا التي سبقتها ومازلنا نعاني منها، أي بإمكاننا معالجتها بالطرق العلمية وبواقعية، وبإمكاننا معالجتها كما جرت العادة بالهروب منها والتقليل من شأنها واللجوء إلى الحديث عن العموميات والمثاليات كما قرأنا في تصريح أستاذ الجامعة في أول سطر من هذا المقال.
وإذا كان جر القضية لتمييعها في العموميات طريقة سيئة هناك طريقة أسوأ نميل إليها كلما أمكننا وهي المنع. المطالبة بإصدار قانون يمنع استيراد الدشوش على سبيل المثال. شكلياً يعتبر هذا الإجراء سهلاً وفعالاً، لكنه في النهاية يؤدي إلى نزع المسؤولية من أصحاب الشأن كالآباء والأمهات والموجهين والتخلص منها باسم القانون ليتحكم فيها رجال الشوارع الخلفية. وقانون المنع هو أفضل طريقة للهروب من استحقاقات القضية لأنه سيخفف الضغط على قضية القنوات الخليعة وينقل جزءاً كبيراً من الجهد إلى قضية التهريب. فبدلاً من أن نواجه قضية سنواجه قضيتين. والأسوأ عندما تمنع الدشوش بشكل رسمي وتنتشر الدشوش مرة أخرى عبر التهريب (وهي ستنتشر مؤكدا) ستصبح قضيتك هي قضية التهريب وليست قضية القنوات الخليعة. ستنسى القنوات الخليعة، لأنك ستظن أن حسمك لقضية التهريب سيؤدي إلى حسم قضية القنوات الخليعة فبدلاً من معالجة قضية مصيرية نقلت جهدك إلى قضية أخرى بعيدة عنها تماما.
لا أستطيع أن أقدم حلولا لأي قضية كبرى بهذا الحجم، ولكني أحببت أن أشير إلى شيئين مهمين الأول أن قضية القنوات الخليعة أصبحت ماثلة أمامنا وجزءاً من يوميات كثير من الناس، والثاني أن الهروب من مواجهة القضية باللجوء إلى المثاليات أو المنع أو أيٍّ من الأساليب القديمة سيقودنا إلى مزالق خطيرة، قضية جديدة تحتاج إلى فكر جديد خلاّق ليتصدى لها.

فاكس: 4702164


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved