Monday 19th January,200411435العددالأثنين 27 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

محاكمة صرخة مظلومة!! محاكمة صرخة مظلومة!!

أسرجت خيل الحبر والنقد مشروع بعد أن طالت كلماتي الخطأ المطبوع.. حينها أسرجت من القلم خيلا وانطلقت به مسرعا نحو صفحات العزيزة مع إيماني التام بمبدأ «أن الكلمة أسيرة في وثاق الرجل فإذا تكلم بها كان أسيرا لوثاقها:


القول لا تملكه إذا نمى
كالسهم لا يرجعه رام رمى

وهنا وأمام أعينكم أجعل من قلمي قنديلا.. أرمي به تعديلا ولأكتب بمداده في موضوع تحدث عنه «الكثيرون» من حولي..نعم «الكثيرون» تلك الكلمة المظلومة والتي سُجنت في سجن اللحن المطبعي وبين قوسين!! وهي تحمل شعار المقالة «أية ثقافة هذه» يوم الأحد التاسع عشر من شهر ذي القعدة لعام ألف وأربعمائة وأربعة وعشرين من الهجرة.
في غرفة رقم «11427» بعد أن كانت تسكن مع جمل من الكلمات سلمت هي الأخرى من هذه المحاكمة!! حيث كتبت العبارة في المقالة السابقة وبالخطأ «قرأت خطأ يقع فيه «الكثيرين» والصواب «الكثيرون» على اعتبار أنها فاعل للفعل يقع.. ولكن ما حيلتي وقد طبعت وشوهت معالمها على الصحيفة حتى أنها طبعت الحزن والانكسار على نفسي المعذبة!!
والحقيقة أن صرختي واستغاثتي تلك حول موضوع اللحن في لغتنا ليست صادرة من لجّة بحر أو حفرة في قاع الأرض إنها صرخة قادمة من صوت مبحوح ومخنوق!! شعرت حينها بأن صرختي هذه لا تكاد تبلغ الحلقوم تتصاعد حتى إذا وصلت إلى مخرج الفم ارتدت من جديد وتماوجت وخرجت من الأنف كأنفاس حارة!! وقد لا يتسمرئها القارئ أو المستمع.. حتى لتنطلق صرخة واستغاثة أخرى تطالب بحفظ لغتنا.. ثم تقفل دونها المنافذ فلا تجد من يهتز ويهش لها!! وهذا حال بعضنا حتى أنها لتدور وتندفع وتخرج بعنف إلى أن أجد صداها في العيون شرراً!! لا أدري.. هذا ما ألفيته بعد أن استقرأت ملامح الرضا والرفض لقضية اللحن في اللغة عند شريحة ممن احتووا صرختي تلك.. ولكن بعضهم لم يرتب عليها!!
فارتدت إليَّ هذه الصرخة مكونة من استنطاقات وانتفاضات قوية وصارخة بعضها يؤيد والأخر يناوئ صرختي حتى أضحت انتفاضة عارمة في دائرة بوحي الذاتي!! لعلها قوبلت بالتصفيق عند من يعي واقع الحال الذي نحن عليه مع اللغة.. ولعلها عند البعض الآخر هُمّشت وحوّر هدفها عند ثلة من الناس أخذت تستسلم لاستحالة فرض لغتنا على ألسنة العامة!! وترى أن تقويم أي خطأ من جاهلي اللغة عبر الصحف ليس من الأهمية بمكان هذه وجهة نظرتخصهم.. وأجدني أحترمها.. وإن خالفتها!!
** آه يا قلبي.. أرأيت كيف يكون صدى صهيل صرختك المعتقلة في سجون آرائهم وأفكارهم؟!
نعم صرختي اعتقلت في سجن «وجهات النظر» وهذه سنة الحياة مع أفكارنا.. وأقلامنا «اليوم في صفحاتنا.. يحاكمونك لأجل حرف يحاكمونك لأجل موقف..!! إنهم لا يمنحوننا فرصة للدفاع عن أنفسنا.. وعند حديثنا معهم تجدنا نرضخ لاستجوابهم العنيف.. ذلك أننا نتقبل النقد!! ولكن كيف؟ ها هم يحيلون من محور مقالاتنا قضاياهم الخاصة وآراءهم الشخصية ويجعلونها مرتكزات الهدف بالنسبة لهم.. حتى لو كانت باهتة.. قاصرة.. مفتقدة للدليل القاطع!! وعلى النقيض من ذلك تجدهم يجعلون قضايانا الجوهرية والتي تمس لغتنا معلقة!! حقيقة تجد نفسك تستسلم لقضاياهم من باب احترام وجهات النظر ولكنها.. آراء تغتال آمالنا وطموحاتنا الكتابية!! فهذا رجل يستغفل.. والآخر ينتقد لمجرد النقد في ظل فقدانه لأبسط أسس النقد البناء! والآخر يعتقل أحرفك وكلماتك استعدادا لمحاكمتها كل ذلك لاحتواء حتى الأخطاء الصغيرة والتي هي خارجة عن إرادة الكاتب وعن طوع اختياره طالما أنها كلمات مطبوعة طالتها الطابعة الإلكترونية!!
** نحن لا نرفض حيثيات هذه المحاكمة ولكن نرفض الطريقة التي تؤخذ بها أو لنقل الأسلوب الذي تدار به!! نريدها واضحة جليّة تقوم على براهين واستدلالات منطقية وعلمية لا منشأها العاطفة.. أو هي منزلق في استعراض ملكات مفقودة عند من ادعاها وهو يعيش داخل أسوار وفي دائرة «فاقد الشيء لا يعطيه».
** إن فيض الحب الذي في دواخلنا يجعلنا نرفض مقايضتهم بأحزانهم أو حتى بأخطائهم الفادحة والتي حملتها كلماتهم نحونا عبر آراء مغلوطة.. وظنون مشبوهة!! حتى قدرتك الفائقة في كشف لحظات جهلهم وقصورهم تجدهم يحاكمونك عليها. ويختلقون لها مبررات لا أصل لها!! فما أنت فاعل!! لا حول لك ولا قوة!! أناس آخرون ترى شرر الحقد والحسد يتطاير من عينيهم حتى أنه يقتل في نفسك - وفي النفس كل موهبة جديدة - بذرة الطموح ويقتل لحظات الفرح والسرور بولادة أبكار أفكار عبر هذه الصفحات ولكن تجد همهم أن يشحذوا نقاط انتصار لصالحهم وكأننا في مباراة أو نزال!! فتجده في محاولة جادة لأن يسلك بالكرة طريقا يخلو من الإعاقات حتى يصل الهدف وهو تلك القناعة والتي ما إن يصل إليها حتى يبسط خيمتها على جمجمة مهشمة بصواعق النقد الغير بناء!! هنا تُرى هل نستسلم ونرضى بالهزيمة؟ بالطبع لا..
وإرادتنا هنا لا تتذبذب ولكن الحل يكمن في قناعتنا الشخصية التامة بما نقوله مثبتا بالدلائل والبراهين!! وقد نحسم موقفنا هذا بأن نصدر عنهم عفوا استثنائيا.. حتى لتجد أحرفك تقنعك بأنك أصبحت أنت القضية!! وقضية موضوعك تلاشت وذهبت أدراج الرياح وفي زحمة هذه المصادمات!!
** إنها أشياء تتجول في ردهات النفس والروح وتلتقي عبر بؤرة العقل!! لا هي ظاهرة للعيان ولا هي في انتكاسة عكسية!! هي بين بين!! تتجاذبها وجهات النظر.. وعندها نُسلّم بكل ما يقال.. ولكل بما يقول!! على اعتبار أنها وجهات نظر ينبغي أن تحترم!!
** عموما حتى لا أطيل تمنيت أن ننشد الفصاحة عبر كتاباتنا تلك.. في عبارات يأخذ بعضها برقاب بعض وما أجمل ما وصفها سيد الفصحاء محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه حين قال:
«إن من البيان لسحرا» حتى الشعراء وصفوا ذلك الكلام الجميل بالسحر:


وحديثها السحر الحلال لو أنه
لمْ يجْنِ قتل المسلم المتحرّز
إن طال لم يمللْ وإن هي أوجزت
ودّ المحدّث أنها لم توجز
شركُ القلوب وفتنةُ ما مثلها
للمطمئن وعقله المستوفز

الفصاحة عند العرب غدت قيمة موروثة.. وعند بعضنا أضحت بالنقد موشومة!! إنها فضيلة يتداعى الناس إليها.. والعرب كانوا ينِّشئون أبناءهم عليها.. بل تفخر العرب بمن اشتهر بها أو عرف بتمكنه منها.. والشعراء يتغنون بها وبمن حازها.. ونحن هنا لا يستمرئها بعضنا!!
ولكن لا أقول إلا:


كفى بالمرء عيبا أن تراه
له وجه وليس له لسان
وما حُسْنُ الرجال لهم بزين
إذا لم يُسعدِ الحسن البيان

إن العرب كانت ترسل أبناءها إلى البادية منذ نعومة أظفارهم خشية عليهم من الوقوع في اللحن والعي فتجدهم يرضعون البيان علاوة على غذاء اللبان!!فالفصاحة في اللسان والكتابة أمران مطلوبان ويبدآن من اعتماد لغتنا العربية لغة الحديث والكتابة ما أمكن.. والترفع عن العامية واللهجات المحلية عسى أن تقوى.. ويقوى جانب الحس اللغوي عندنا متجنبين ما يشوب لغتنا من عيوب في النطق وأمراض في الكلام!! فالفصاحة بيان وذوق ومضمون.. ولعلي أختم ما تقرؤون.. واستشرف آمالاً طلعة تقضي - بمشيئة الله - بوقفة القلم الأيام القادمة عند محطات تقويم اللسان.. لحفظ لغة الفصاحة والبيان.. من الذل والهوان..!!
فاصلة
* لمن قرأ مقال «أية ثقافة هذه» على عجل أقول:


الفكرُ قبلَ القولِ يُؤْمَنُ زيفُهُ
شتّانَ بين روية وبديْهِ

سليمان بن ناصر عبدالله العقيلي
/معلم بمتوسطة صقلية/المذنب/ص.ب 25/الرمز البريدي 51931


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved