Tuesday 20th January,200411436العددالثلاثاء 28 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
سيمبا.. متى يعود؟!
د. عبدالله بن ناصر الحمود*

لست أدري لماذا باتت تلاحقني صورة الأسد الشبل «سيمبا»، كلما عرجت بي الخواطر مقلبا صفحات تاريخنا وواقعنا، ومتفائلا بمستقبل أكثر إشراقاً لأمتنا الكبيرة ولمجتمعنا الطموح على وجه الخصوص.
«وسيمبا»، لمن لا يتذكره، هو الشبل الذي تاه في الغابة بعيداً عن عرين أسرته لتلتقطه جماعات حيوانية دنيئة في سلم الرقي الحيواني، وليرافق في هذه البيئة الجديدة كلاً من «تيمون» و«بومبا»، الخنزير، وتدور أحداث القصة- كما رواها الفيلم الكرتوني - ليتشرب سيمبا نمط الحياة الدنيئة، وليأكل مما لم يأكل منه أجداده وآباؤه، وليشرب عندما ينتهي الخنزير من شرابه، ويعيش «سيمبا» ردحا من الزمن، ليستفيق بعد أحداث دراماتيكية كثيرة، ويبدأ في الشعور من جديد أنه الأسد، وأن مكانته ليست هنا في الوضيع من المسكن، وفي الغريب من المأكل، وفي الآسن من المشرب. لست أدري لماذا لا تزال تراودني هذه الصورة كل صباح ومساء، حتى حاولت أن أقف على كثير من مركبات واقعنا العربي والإسلامي بشكل عام، وواقعنا السعودي بشكل خاص، لأخلص أن مكاننا بين الأمم ليس هو المكان الذي نشغله اليوم، أبدا، نحن أهل لخيرٍ من هذا، ورب البيت، لكننا ربما ضللنا الطريق.
كل محاسن الدنيا وبهجتها طوع لنا، نسخرها وفق ثوابتنا وقيمنا وأعرافنا، وكل قيم الحسن والجمال قيم لنا، وكل بوابات الانفتاح الفكري والمنهجي والسلوكي مشرعة أمامنا، وكل معاني التآخي والتسامح عميقة في فكرنا ومنهجنا، وكل أنماط قبول الآخرين من وحي ديننا ومن صنع تاريخنا، وكل شموخ هو لنا، باسقين دوما في ندية عزيزة بين الآخرين، نحن قبلة الناس من كل مكان، ونحن مقصد العالمين في كل زمان. لكن: أين نحن اليوم من هذا كله؟ ربما أتينا من أننا قد ضللنا - فعلا - هذا الطريق، وتاه منا من تاه في رحلة الحياة، ممن ترك عرين أسرته، لينشد الحرية والمجد مع الآخرين من حولنا، والآخرين البعيدين عنا، فهان عليهم شر هوان، وأشبعوه من رديء التكوين فكراً وسلوكاً. فأكل غير الذي كان أهله يأكلون، وشرب من غير عذب ماء أهله، وأسكنوه مساكن الهجران المبين.
والسؤال الذي لا يزال مطروقا اليوم: إلى متى ستظل بعض كياناتنا المجتمعية ويظل بعض أفرادنا في ضلال مبين؟ متى تعود تلك الكيانات إلى العرين المحمي، لتنعم بالأمن والأمان، ولتشارك مع أقرانها وأبناء عمومتها في رفعة وبناء الوطن؟
متى يستفيق الضالون ليدركوا من جديد أن ديننا الحنيف دين يسر وتسامح، وأننا أقدر مما يتصورون على التعايش مع كل الأعراف والأجناس والأديان، ربما أتينا من أن من بيننا من غالى كثيراً في عزلتنا عن العالم، أو من أراد لنا أن نكون كذلك.
وكما عاد «سيمبا» ليملك الغابة من جديد، فلو عادت تلك الكيانات إلى رشدها وسلمت نفسها، أو هي تراجعت عمليا عن باطلها، فسيكون لها أن تمتلك قلوب الناس وأن تنعم برخاء الوطن وحماه، وأن تشارك بعزة ورفعة في صنع مستقبل أكثر قدرة على منحنا مكانتنا التي يسعى المرجفون للنيل منها.

*عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved