Tuesday 20th January,200411436العددالثلاثاء 28 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إضاءة إضاءة
الحج والعتق
شاكر سليمان شكوري

من كل فج عميق، يهب المسلمون - مجدداً - إلى أطهر بقاع الأرض، من أجل أداء فريضة لا يصح إسلام المرء - القادر - إلا بأدائها، ويخرج عن الملة من تركها عامداً مع الاستطاعة. ) وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(آل عمران: من الآية97عمران: 97]. ويروى عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أنه قال: (لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة - أي سعة من المال - ولم يحج، ليضربوا عليه الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين). وللحج آداب أوجزتها الآية الكريمة {)الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ)(البقرة: من الآية197)} [البقرة: 197] . وعلى هذا فالحج - بالنفقة الحلال - مبادرة يتوجه العبد بها إلى ربه للتوبة النصوح، بالاقلاع عن الذنوب والندم على ما مضى منها، والعزم على عدم اقترافها، ورد المظالم، ولابد للحاج أن يتعلم مناسكه ويستفسر عما يشكل عليه، كما عليه أن يتعفف عن المسألة، وأن يتخير أهل الطاعة والتقوى لصحبته، وأن يتقرب إلى الله بما يرضيه - جل وعلا - من قول وفعل في تلك المواضع الشريفة والأزمنة المباركة. فإذا التزم العبد الأدب الرباني في أداء فريضته ناله ما بشر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أمته، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه بشر الأمة بقوله صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). وعنه أيضاً أنه قال: (.... والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). ويروي مسلم حديث عمرو بن العاص عن دخوله الإسلام حيث يقول ابن العاص: (لما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أبسط يدك فلأبايعك، قال: فبسط فقبضت يدي فقال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أشترط قال: تشترط ماذا؟ قلت: أن يُغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما قبله؟). هذه الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة عن الحج: فضله وثوابه تستوقفني دائما وبخاصة في موسم الحج من كل عام، وأنا أرى أولئك المغبوطين المحظوظين بالفرصة الإلهية الكريمة يعدون بالملايين، ينعمون بأنهار رحمته - جل وعلا - وغفرانه، ويغتسلون من كل ما تقدم من ذنوب وخطايا مهما كثرت وعظمت لقول الحق {)قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ )(الزمر: من الآية53)} [الزمر: 53] وقوله سبحانه: {)إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء)(النساء: من الآية48)} [النساء: 48] . ولا شك أن ديمومة الثواب رهن بنصوح التوبة، إذ يلزم العبد نفسه - بعد أداء الفريضة - بما عاهد الله عليه بعد أن غفر له فأزال من صحيفته كل السوابق، وجدد حياته في صفحة بيضاء. في كل عام.. ملايين الحجاج يقطعون آلاف الأميال، ويتحملون المشاق وربما الأهوال، وينفقون الكثير من الجهد والمال، ويرهنون أنفسهم بعقال الزمن.. يسألون خالقهم العفو والمغفرة فيعفو عن صادق النية، ويغفر لمن عقد على الطاعة العزم.. فما أجزل الثواب، وما أحرانا أن نرجو للجميع حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وتجارة لن تبور إن شاء الله.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved