* جدة - علي العُمري:
يفرح الإنسان عندما يضع صدقته في يد فقير محتاج وتضيق النفس ذرعاً حين تعلم أن شخصاً استغفلها واستغل ذلك وعند الانخداع بحيلة ما نتذكر ان الريال الذي أنفقناه على محترف التسول هو ريال منعناه عمن هو بأمس الحاجة إليه من اهل الفاقة والعفة الذين تحسبهم أغنياء من التعفف.
وحيث إنه لابد من التعاون معاً في عدم تشجيع المتسولين على الاستمرار في مثل تلك الممارسات التي يجدون فيها دخلاً مربحاً فلا يلجأون الى العمل والاكتساب ويصبحون عالة على المجتمع ومن اجل ذلك تكاتفت جهود وإمكانات الهيئات والجمعيات الخيرية بمدينة جدة مع مؤسسات العمل الحكومي لإعداد حملة وطنية تحت شعار «تحقق ثم تصدق» لمكافحة هذه الظاهرة غير أن هناك ظاهرة طفحت ولابد من إيقافها، وهي أطفال الشوارع او اطفال التسول استطاع اناس ليس لديهم رحمة او دفعتهم الحاجة إلى رميهم وبثهم في الشوارع في اسهل الطرق لاستعطاف واسترحام قلوب الناس واستجدائهم، ولقد طرحت وسائل الإعلام المشكلة بكل صورها ولكن مازلنا نرى هذه الظاهرة تنتشر بشكل لافت حتى اصبح هؤلاء الاطفال تحت توجيه من يدفعهم يتفننون في استدراج المارة بالمراكز التجارية والاسواق وامام المساجد وعند اشارات المرور وفي كل موقع يرتاده الناس مما استدعى تضافر الجهود لاجتثاث هذه الظاهرة وعلاج آثارها.
ولقد ركزت وزارة العمل والشئون الاجتماعية اهتماماتها وتولت امر الاطفال السعوديين ودراسة حالتهم ومساعدتهم على إنهاء مشكلتهم وحيث ان هناك جنسيات اخرى من الاطفال فقد توزعت المهمة بين عدة جهات مكافحة التسول والجوازات والشؤون الاجتماعية وتقوم الجوازات ومكافحة التسول بالقاء القبض على هؤلاء الاطفال ولكن تظل المشكلة في موقع أحتجازهم إلى أن يتم انهاء اجراءات ترحيلهم الى بلدانهم، وهذه الفترة قد تأخذ من ثلاثة ايام او اكثر فأين يودع هؤلاء الاطفال من سن الرضاعة الى سن الخامسة عشرة منهم البنون والبنات، فليس لدى الجوازات فروع او اماكن مخصصة وكذلك مكافحة التسول ولكن جاء تدخل الشئون الاجتماعية ممثلة في جمعية البر بجدة بالتعاون مع الجوازات والجهات المختصة لانهاء هذه المشكلة بعد ان عرضت على مجلس المنطقة الذي اولى المهمة للوحدة التنفيذية المنبثقة عدا اللجنة الاجتماعية التي يرأسها الاستاذ/ صالح بن علي التركي والتي طرحت مشروع مكافحة التسول وقد كون مجلس إدارة لهذا المشروع يرأسه الاستاذ/ صالح التركي. وتوالت اجتماعات هذا المجلس للخروج بحلول لمشكلة التسول بالمنطقة.
خطة المكافحة
وجاءت خطة مكافحة التسول للاستفادة القصوى بالمتاح من امكانات دون المطالبة بالمزيد الا في اقل الحدود والتعاون الكامل مع الجهات المؤثرة في قضية التسول كالقنصليات السعودية بالخارج والاجنبية بالداخل، وكذلك القطاعات الحكومية ذات العلاقة كالشرطة والجوازات وادارة الوافدين والمنظمات والهيئات الأهلية كهيئة الاغاثة الاسلامية والندوة العالمية للشباب وجمعية البر بجدة، ومن الركائز إيجاد مقر دائم وملائم لايواء المتسولين تشرف عليه جهة ذات دراية بعملية الايواء، وكذلك التركيز على الجهد الجماعي لحل المشكلة واطلاق حملة فعالة ومستمرة للتوعية الاجتماعية ومتابعة المشكلة بشكل مستمر وحل العوائق التي تصادف تطبيق البرنامج والتحديد الدقيق للمهام المختلفة وعلى من تقع مسئولية تنفيذ كل مهمة بحيث يمكن بسهولة كشف القصور او التعطيل الذي يخص كل جهة والتوجيه بالاصلاح فوزع العمل بطريقة واضحة وحددت المهام والمسئوليات، وذلك لتجنب الازدواجية في ادائها ضمان التنسيق مع الجهات ذات الاختصاص المباشر فأولاً جاءت الحملة الإعلامية التي اطلقتها «الدائرة الاقتصادية والاجتماعية» وهي حملة توعوية اعلامية عن قضية التسول، وتشمل اعلانات بالطرق على اللوحات «ميجا كوم» و «موي» في مدينة جدة بدأت في اواخر ديسمبر 2003م وكذلك اعلانات في بعض الصحف المحلية بمساحات مختلفة على مراحل كذلك إعلانات في الراديو وطباعة مطويات وستبكرات وبوسترات توزع على المواطنين والمقيمين وعلى المؤسسات الحكومية والمستشفيات والمساجد وغيرها.
وقد اقتصرت المرحلة الاولى للمشروع على مدينة جدة الا ان مقر الايواء تسلم اعداداً من المتسولين من محافظات مختلفة مثل الطائف والمدينة ومكة وجيزان والرياض وتأتي الاجراءات بعد ذلك حيث ترسل الشرطة المتسول الى ادارة الوافدين للتصوير وإصدار امر ايقاف ثم يرسل به لمقر الايواء ويأتي مندوب السفارة لأخذ بيانات الطفل لاصدار وثيقة سفر له ومن لديه اقامة يحتجز بالمقر ويستدعي ولي امره لدفع غرامة الف ريال مع تعهد بعدم العودة وفي حالة العودة تتخذ بحق ذي القرابة اجراءات الترحيل وفقاً لتعليمات ادارة الوافدين.
وقد قدم المشروع خلال شهر رمضان 1424هـ مئة الف ريال للجنة المنطقة المركزية لمكافحة التسول بمنطقة الحرم لاستخدام عدد من منسوبي نادي الصم في القبض على متسولي المنطقة المركزية بمكة المكرمة وارسالهم من قبل الشرطة الى مقر الايواء بجدة وقد خصص عنبر مستقل بالمقر للمتسولين البرماويين.
وقد تسلمت جمعية البر بجدة احد مباني العين العزيزية ليكون مقراً مؤقتاً للإيواء ينتهي استخدامه مع بداية موسم الحج وعندئذ يستبدل بالمقر الدائم الذي تجري تهيئته.
«الجزيرة» داخل مقر الإيواء وفي زيارة لمقر ايواء الاطفال المتسولين الذي تتولى جمعية البر ادارة التقينا المسئولين من الجمعية هناك والاطفال المتسولين حيث يقول ماجد الغامدي مدير المقر هناك «19» موظفاً وموظفة للقيام بالمهام، هنا وقد خصصت كامل المصروفات الشهرية لهذا المقر حيث تم تجهيزه وتأثيثه وتتولى الشرطة حراسة مقر الاقامة وتوفير اجراءات الامن اللازمة اما عن الاعاشة فيقول الغامدي تأتي من مستودع البر بالجمعية وكذلك الرعاية الطبية والادوية من قبل عيادات الجمعية ولجنتها الصحية ومستشفيات وزارة الصحة. وعن كسوتهم يقول نقوم بكسوتهم الكسوة الملائمة وقد جاء ذلك بناء على خبرة الجمعية في الدور الايوائية التي هي اهم انشطة بر جدة والدور البارز والتميز الذي ظهرت به الجمعية في هذا الشأن وعن طريقة عملهم يقول زارع حكمي نائب مدير المقر نقوم باستلام الاطفال وايداعهم المقر بعد جرد الموجودات بموجب كشوفات ومحاضر ليتم تسليمهم اثناء مغادرتهم وبعد ذلك تجرى لهم النظافة اللازمة واستبدال ملابسهم ونحن هنا نقوم باستقبال ما بين 30 الى 40 طفلا وطفلة يومياً وقد وضع لهم برنامج يومي فبعد ادائهم صلاة الفجر يقومون بقراءة القرآن الكريم، ومن ثم تناول وجبة الافطار ثم الاستحمام والنظافة ثم تأتي فترة مفتوحة الى صلاة الظهر وتناول وجبة الغذاء وفترة الراحة الى صلاة العصر ثم قراءة القرآن وفترة مفتوحة الى صلاة المغرب ثم تناول وجبة العشاء وبعدها يتم استعدادهم للنوم وقد جهزت لهم الصالات المكيفة والمفروشة التي بها اجهزت تلفزيون.. ويضيف الحكمي اننا نتلقى الاطفال بجمعية الاعمار من سن المواليد الى سن 8 للبنات، وقد اعدت لهم المضاجع المناسبة والمنعزلة وهيأت لهم وسائل الراحة من النظافة والاعاشة والعلاج وغيرها وقد جند لقسم البنات موظفات يقومون على انهاء متطلباتهم الى ان تتم انهاء اجراءاتهم مع الجهات المختصة.
ترحيل الاطفال
وتتولى إدارة الوافدين التنسيق مع القنصليات المعنية بترتيب اجراءات وثائق تسفير الاطفال وبعد ترحيلهم تتولى هيئة الاغاثة الاسلامية والندوة العالمية للشباب الإسلامي استقبال الاطفال بمقارهم بالبلدان المعنية. ولقد ابرم مشروع مكافحة التسول الممثل في مجلس ادارته خمس اتفاقيات مع قناصل خمس دول هي «اليمن، تشاد، باكستان، افغانستان، نيجيريا» للتنسيق والتعاون في انهاء ترتيبات واجراءات تسفير رعايا بلادهم من الاطفال المتسولين وتتلخص هذه الاتفاقيات في التكفل بإيواء الاطفال من قبل الجمعيات الخيرية بالمملكة مؤقتاً وعند وصولهم الى بلدانهم ريثما يتم تسليمهم الى ذويهم وتتولى القنصليات الاجراءات المعنية بها وقد تولى الدكتور سليمان موصلي مهمة التنسيق مع قناصل الدول المعنية.
نتائج تطبيق البرنامج:
ومن نتائج تطبيق هذا البرنامج الآتي:
1- لم يرحل احد من الجنسية البرماوية اذ اطلق سراح «80» منهم وبقي «9» بالمقر.
2- لم يرحل احد من الجنسية النيجيرية إذ بقي منهم ستون وأطلق سراح واحد واربعين.
ولذلك، فقد قام مسئولو المشروع بزيارة مقر الجالية البرماوية بمكة المكرمة للوقوف على حجم المشكلة وكذلك الاجتماع بالقنصل النيجيري بمقر وزارة الخارجية للتعاون في انهاء اجراءات تسفير الاطفال النيجيريين وقد قام القنصل النيجيري بزيارة المقر ووعد بالتعاون وبالفعل بدأ ترحيل المجموعة الاولى من المتسولين النيجيريين.
مشاكل لابد من حلها
ومن خلال تطبيق البرنامج ظهرت بعض الاشكالات ومنها:
1- ضرورة زيادة مستوى ونوعية التعاون من بعض الجهات المشاركة حيث اعادة السلطات الافغانية نحو 12 طفلا مرة اخرى للمملكة.
- النظر بشكل جذري وقاطع في مشكلة الجالية البرماوية وايجاد حل لها، ضرورة فحص حالة الاطفال المكفولين بأقارب مقيمين والتأكد من انتظامهم بشكل رسمي في صفوف دراسية واتخاذ اجراءات ترحيل فورية اذا ما تكرر منهم فعل التسول. وقد جاءت هذه المشاكل كطرح اخير لآخر ما توصل اليه هذا المشروع، وهو دلالة على جدية العاملين عليه في متابعة ومكافحة التسول وانهاء جميع الاشكالات والجدير بالذكر انه قد وضع صندوق لجمع التبرعات سمي بصندوق الايواء قام بدعمه كل من الاستاذ/ صالح التركي والبنك الأهلي والاستاذ/ حسن عباس شربتلي والمهندس/ زهير فايز والاستاذ/ عبدالعزيز السليمان والاستاذ رامي خالد التركي والاستاذ/ خالد علي التركي والاستاذ/ قيس ابراهيم جليدان وشركة سدكو اخوان، خصص للمصروفات الطارئة هذا بالاضافة الى مبلغ مائتي الف ريال خصصتها جمعية البر بجدة سنوياً لصالح مقر الايواء.
حقائق وأرقام
- الدخل اليومي للاطفال المتسولين يتراوح بين 70 الى 100 ريال وهذا يعني ما بين 2100 و 3000 ريال شهرياً.
- معظم الاطفال الذين يمتهنون التسول ينخرطون في انحرافات اجرامية اخرى ويكونون عرضة لاستغلال الكبار.
- في عام 1423هـ تم القبض على «8520» متسولاً في مدينة جدة فقط معظمهم من محترفي التسول ممن يتجاوز مدخولهم الشهري اضعاف دخل المواطن المنتج.
صور للمتسولين
- يدعي انه ذو عاهة ليستدر عطف الناس فيقف امام المصلين بالمسجد ابكم او اعمى او اعرج او مصابا بمرض خطير.
- يحمل اطفالاً على ظهره ليوهم الناس انه صاحب اسرة.
- يحمل جهازا طبيا ليوهم الناس انه لا يستطيع الحركة بدونه.
- يحمل الاوراق المغلفة المختمة وهمياً.
- الوقوف امام الصيدليات وخاصة النساء وبحاجة الى شراء الدواء.
- اسرة كاملة من أب وأم وأبناء تقف في الشارع وبحجة انقطاعهم ورغبتهم في العودة الى بلدهم.
- سرد القصص التي تعصر القلوب.
- استئجار الاطفال والمعاقين بالاتفاق معهم واعطائهم نسبة مما يجمعون خلال اليوم.
|