Sunday 25th January,200411441العددالأحد 3 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المؤامرة والعولمة (2/2) المؤامرة والعولمة (2/2)
الشيخ سلمان بن فهد العودة

تحدثت عن العولمة وتداعياتها في مقال سبق، واليوم أختم ببعض الحلول السريعة؛ لعلها أن تفتح باباً للحوار حول هذه المسألة الخطيرة:
أولاً: هو التضرع إلى الله سبحانه وتعالى فإنه لا ملجأ من الله إلى إليه كما قال الله عز وجل: {وّظّنٍَوا أّن لاَّ مّلًجّأّّ مٌنّ اللَّهٌ إلاَّ إلّيًهٌ} (التوبة: 118).
وقال الله عز وجل في غير موضع: {فّفٌرٍَوا إلّى اللَّهٌ} (الذاريات: 50).
ولذلك قال العلماء: كل شيء تخافه؛ فإنك تفر منه إلا الله سبحانه وتعالى؛ فإنك إذا خفته فررت إليه.


وكيف يفر المرء عنه بذنبه
إذا كان تطوى في يديه المراحل

فالذي يتوكل على الله سبحانه وتعالى يشعر بقوة هائلة، ويعتدل حتى في خوفه على هذا الدين، وخوفه على هذه الأمة، وخوفه على هذه الدعوة؛ لأنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الكفيل بحفظها.
إن كثيرين يداخلهم خوف شديد على الأمة، ومكتسباتها، ومستقبلها، ويصحون وينامون على صرخات المستغيثين، وعلى أنَّات الثكالى، وعلى دموع الباكين، وعلى صياح الأطفال، ويرددون دائماً وأبداً القصائد التاريخية، التي تجدد مآسي وأحزان المسلمين.


أحل الكفر بالإسلام ضيماً
يطول به على الدين النحيبُ
فحق ضائع وحمى مباح
وسيف قاطع ودم صبيبُ
وكم من مسلم أمسى سليباً
ومسلمة لها حرم سليبُ
وكم من مسجد جعلوه ديراً
على محرابه نصب الصليبُ
دم الخنزير فيه لهم خلوف
وتحريق المصاحف فيه طيبُ
فقل لذوي الكرامة حيث كانوا
:أجيبوا الله ويحكم أجيبوا
أما لله والإسلام حق
يدافع عنه شبان وشيبُ

وحين تسمع بعض الأشرطة الإسلامية؛ أشرطة الأناشيد تجد أنها تضرب على هذا الوتر. نعم !جميل أن يكون هناك تحريك لهمم الغيورين، وهمم العاملين، والراقدين، والكسالى، والنائمين من خلال الحديث عن ذلك، لكن لا يصلح أبداً أن يكون هذا الأمر إدماناً، تحول عندنا إلى نوع من التلذذ؛ بنكأ الجراح، والحديث عنها، دون أن يكون للإنسان قيام بأي عمل في هذا المجال.
لا يجوز أن نتجاهل الواقع، ومرارات الواقع، وآلام الواقع، ولا أن نبيع المخدرات للآخرين كما ذكرنا.
ولا يجوز أن نعرض الصورة القاتمة المظلمة التي تربى الناس فيها على القعود والكسل، وأنه ليس هناك مجال للإبداع.
إن ما يجري اليوم في العالم الإسلامي ليس هو نهاية التاريخ، والأيام دول، ولا شيء يدوم، وأعرف أن هناك من الغيورين، من هم يكتبون -الآن- قصائد الوداع لهذه الأمة، أو قصائد الرثاء لهذا الدين، في بلد أو في آخر، ويهيئون الحفل، ويقيمون المناسبة لهذا الحزن ولهذا البكاء ولهذه المآتم.
يجب علينا أن ندرك أنه لا خوف على هذا الدين، وإنما الخوف علينا نحن؛ أن نقصر في واجبنا، وفي أداء ما علينا، فالإسلام -كما ذكرت - قوي، والأمة باقية، والوعد الرباني قائم.
ثانياً: كثيرون ظنوا أن دخول الفلسفة اليونانية، والثقافة الأجنبية على العالم الإسلامي سوف تقضي على تميز هذا الدين وصفائه ونقائه، وعلى سلامة عقيدة أهله.
وإذا بنا نجد أنه حتى الآن، وبعد زمن طويل لازال الناس يبحثون عن الصواب، ويأخذون من الكتاب، ومن صحيح السنة، ومن أقوال أهل العلم؛ ما تصفو به عقائدهم، وتصح به مذاهبهم، وتصلح به عقولهم وقلوبهم.
كثيرون كانوا يظنون أن مجيء التتر قضاء مُبرم على العالم الإسلامي، أو أن مجيء الحملات الصليبية تدمير نهائي للمسلمين.
وإذا بالإسلام يتكيف مع هذه الظروف، ويستطيع أن يؤثر فيها، حتى إن التتر أنفسهم تحولوا إلى منتسبين - على الأقل- لهذا الدين كما كان يقول محمد إقبال.


بغت أمم التتار فأدركتها
من الإيمان عاقبة الأماني

نعم ! لقد حارب الإسلام الغزاة، وقاوم الاستعمار في العصور المتأخرة، حتى إنك تجد دولة مثل (جزر القمر) ليست من الدول المركزية في العالم الإسلامي؛ دخلها الاستعمار الفرنسي مئات السنين، وخرج الاستعمار منها، دون أن يكون فيها نصراني واحد.
وفي مقابل ذلك، دول بمئات الملايين تحول أهلها كلهم إلى مسلمين، دون أن يرفع فيها سلاح، أو يقام فيها جهاد.
فهذا دليل على قوة الإسلام، وعلى فاعليته، وعلى تأثيره، وعلى قدرة المسلمين على التكيف مع كل الظروف والمستجدات.
لا أريد أن أقول ما يقوله البعض: إن الإسلام ينتشر بقوته الذاتية.
بمعنى: أنه ليس علينا أن نبذل شيئاً، الدين نفسه ينتشر؛ هذا ليس جيداً؛ لأنه نوع من القعود والتعذير للنفس.
ولكنني أردد ما يقوله أحد القسس الإنجليز المشهورين إسحاق تيلر، وهو يقول: (إن الإسلام يمتد في إفريقيا, تسير معه الفضائل حيث سار، والكرم والعفاف والنجدة من آثاره، والشجاعة والإقدام من أنصاره، وإنني أُؤثر وأحب إسلاماً بلا خمر ولا سكر، على نصرانية يصحبها السُكر والعربدة حيث سارت).
فهذا كلام بعض الذين ليسوا محابين لهذا الدين؛ يدل على قوة هذا الإسلام، وأن الجهد اليسير الذي يبذله أهله يأتي بثمرات كثيرة.
فالإسلام دين الفطرة، ودين الحق، ودين المستقبل.
ثالثاً: إبراز الجوانب الطيبة في حياة الفرد والمجتمع؛ فالتفاؤل يولد من حلكة التشاؤم.
وقد قيل لرجل: ما أشد تفاؤلك.
قال: لشدة تشاؤمي.
يعني: أنه في غياب الخيارات الجيدة والكثيرة تطيب الحياة.
ولذلك يقولون: إن الإنسان حينما يصل إلى نهاية الضعف؛ هنا تبدأ قوته، لأنه لم يعد عنده شيء يخسره؛ وهذه أحد جوانب القوة.
على سبيل المثال: الشعب المسلم في فلسطين، أو في بلدان أخرى، لم يعد عند الإنسان ما يخسره؛ فأصبح لديه قوة كبيرة جداً بخلاف العدو، الذي لديه مكاسب كبيرة، يريد أن يحافظ عليها.
إن الكثير من الشباب الطيب، لا يفرقون بين الواقع وبين التاريخ.
فالتاريخ الذي نتحدث عنه:
- تاريخ العزة الإسلامية.
- وتاريخ أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك.
- وتاريخ البطولات.
- وتاريخ المشرق والمغرب والفتوح.
هذا التاريخ هو عبارة عن حادٍ يحدونا؛ إلى العمل، وإلى العطاء، وإلى الإنتاج، ويجدد ثقتنا بهذه الأمة، وبقدراتها، وإمكانياتها.
ولكنه شيء آخر مختلف عن الواقع الذي نعيشه.
الواقع المشهود شيء والتاريخ الذي نتغنى به ليحدونا إلى العمل والإنتاج شيء آخر.
يجب أن يكون عندنا أهداف عملية في متناولنا، يجب أن يكون عندك هدف علمي، هدف دعوي, هدف إصلاحي، في حيك, في مدرستك، في أسرتك، في جمعيتك، في بلدك الذي أنت قريب منه.
يكون الهدف في المتناول، وبإمكانك أن تنفذه، وتحاسب نفسك على مدى النجاح أو الفشل فيه.
لو افترضنا أن حريقاً شب في مكان معين، وأصبح الناس كلهم يصيحون ويصرخون.
فإن هذا الحريق لن ينطفئ، حتى لو كبروا الله سبحانه وتعالى، لا يلزم أن ينطفئ.
لأن ما ورد من الآثار: بأن التكبير يطفئ الحريق فيه نظر.
وإنما الذي يطفئ الحريق الماء.
فلو أن الجميع صاحوا، قد لا ينطفئ الحريق.
لكن لو أن كل واحد منا أخذ، لا أقول دلوا، بل كأساً من الماء؛ لكان من الممكن أن نطفئ الحريق كله، أو أن نقلل من خسائره.
رابعاً: الاندماج مع أفراد المجتمع، والتواصل مع الآخرين، أو -إن صح التعبير- تطبيع العلاقة مع المجتمع، مع كل الشرائح الموجودة من حولك بقدر الإمكان.
فهذا يكوِّن الإنسان أولاً تكويناً صحيحاً معتدلاً، يحفظه من الإفراط، ويحفظه من التفريط في فكره وفي سلوكه، ويمنحه الدور الذي يجب أن يؤديه.
من ذلك ألا يكون عند الإنسان صرامة وجدية مفرطة مع نفسه.
فإن الصرامة والجدية الزائدة عن الحد؛ قد تسبب للإنسان نوعاً من الإخلال والإملال.
ولو نظرت إلى مدرسة النبوة لوجدت فيها الجد والمزاح، والتبسم والضحك، واستماع ما كان الصحابة رضي الله عنهم يحدثون به الرسول صلى الله عليه وسلم في خبر الجاهلية؛ فيضحكون ويتبسم.
والإصغاء لقصة (أم زرع) على لسان عائشة -رضي الله عنها- كما في صحيح البخاري. و(يا أباعمير ما فعل النُغير) دعابته مع طفل.
و(تعالي أسابقك).
ومضاحكة النبي صلى الله عليه وسلم لصديقه الأعرابي؛ حينما أمسكه من خلفه، وقال: (من يشتري العبد).


والمتعة مع الأهل.
والمتعة مع الأصدقاء.
والمتعة مع الأصحاب.
والمتعة مع الصغار.

مما يُعدل مزاج الإنسان ويحفظ توازن شخصيته.
وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ساعة وساعة).
ولذلك كثير من الكبار، ومن المشاهير، والقائمين على أعمال ضخمة، أو تجار، أو غيرهم؛ تجد عنده وقتاً للراحة والمتعة والرفاهية، لا يقبل أن يداخله فيه أحد.
ولذلك اتفق العالم كله على تخصيص أيام للإجازة، ليس فيها عمل ولا دوام، حتى يسترخي الإنسان فيها ويرتاح بعض الشيء, حتى يترتب على ذلك اعتداله في تفكيره، واعتداله في نفسيته ونظرته.
خامساً: نهوض الإنسان بمسؤولياته، وعدم التراجع أو التردد، وباستجماع الإنسان لهمته؛ تذوب العقبات، وتزول الصعاب، ويكتشف الإنسان أن كثيراً من الأشياء التي كانت تعوقه، هي أشياء وهمية ضخّمها في نفسه الشيطان؛ ليزين له القعود.
وما قصة كعب بن مالك رضي الله عنه في تخلفه عن غزوة تبوك إلا نموذج لذلك.
سادساً: لا تخف من أعدائك، سواء كانوا منافسين لك في العمل، أو كانوا حاسدين لك على تفوقك في مجال من المجالات، أو كانوا مختلفين معك في المذهب، والمشرب، والطريقة، والفكر، والاعتقاد، لا تخف منهم.
إن أفضل موقف من عدوك؛ هو ما يسمونه بالموقف السيكولوجي، ويعنون بهذه الكلمة: عدم التأثر بما يشنه الأعداء عليك من هجوم؛ لأن هذا الهجوم أصلاً يستهدف إشاعة الرعب فيك، وهز موقفك وثنيك عن طريقك، أو التفاتك عنه، فإذا لم تهتز لم يحقق العدو مبتغاه، وسوف يشعر بالهزيمة.
سيطر على نفسك.
واستعذ بالله من شر الشيطان وشركه.
ومن شر كل ذي شر، ومن شر كل دابة هو آخذ بناصيتها, واستعن بالله العظيم. {إيَّاكّ نّعًبٍدٍ وّإيَّاكّ نّسًتّعٌينٍ} [الفاتحة: 5]. واستفد من أي ملاحظة حقيقية تسمعها من أعدائك وحاول أن تنمي شخصيتك، ومعلوماتك، ومهاراتك، وكفاءاتك على هذا الأساس. وقد قيل :


عداتي لهم فضل عليّ ومنةٌ
فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها
وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا

ولذلك يقول بعض العارفين: جزى الله الأعداء عنا كل خير فلولاهم ما نزلنا منازل القرب، ولا حللنا حظائر القدس.
شعورك بالتحدي سوف يستفز طاقاتك للإبداع فهيئ نفسك للميدان.
لا تحمل هماً، عش حياتك بسعادة، وضع رأسك على الوسادة!
وحاول أن تنسى ما وراء اللحظة التي تعيشها من أمر الحياة الدنيا؛ فالهم والغم لا يقدم ولا يؤخر.
عامل أعداءك بالحسنى كما أمر الله عز وجل، فقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره في آخر سورة الأنعام أن الله عز وجل أمر بمصانعة العدو الإنسي في ثلاثة مواضع من كتابه لا رابع لها:
الموضع الأول: في قوله سبحانه وتعالى: {خٍذٌ العّفًوّ وأًمٍرً بٌالًعٍرًفٌ وأّعًرٌضً عّنٌ الجّاهٌلٌينّ} (الأعراف:199) هذا فيما يتعلق بالعدو الإنسي.
{وإمَّا يّنزّغّنَّكّ مٌنّ الشَّيًطّانٌ نّزًغِ فّاسًتّعٌذً بٌاللَّهٌ إنَّهٍ سّمٌيعِ عّلٌيمِ} (الأعراف:200) هذا الشيطان الجني.
الموضع الثاني: في سورة المؤمنين وهو قوله تعالى: {ادًفّعً بٌالَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ السَّيٌَئّةّ} (المؤمنون: 96) هذا فيما يتعلق بالعدو الإنسي، عامله بالحسنى، ادفع سيئته بالحسنة: {نّحًنٍ أّعًلّمٍ بٌمّا يّصٌفٍونّ} (المؤمنون: 96).
*ر97ر* وأّعٍوذٍ بٌكّ رّبٌَ أّن يّحًضٍرٍونٌ} (المؤمنون: 97 - 98).
*ر34ر* ومّا يٍلّقَّاهّا إلاَّ الذٌينّ صّبّرٍوا ومّا يٍلّقَّاهّا إلاَّ ذٍو حّظَُ عّظٌيمُ} (فصلت: 34-35).
أما فيما يتعلق بالعدو الجني: {وإمَّا يّنزّغّنَّكّ مٌنّ الشَّيًطّانٌ نّزًغِ فّاسًتّعٌذً بٌاللَّهٌ إنَّهٍ هٍوّ السَّمٌيعٍ العّلٌيمٍ } (فصلت:36).
إذن بالنسبة لشياطين الجن استعذ بالله منهم، لكن شياطين الإنس تستعيذ بالله منهم ومع الاستعاذة هناك عمل تقوم به، وهو مُصانعتهم، التلطف معهم، مقابلة السيئة بالحسنة، الصبر عليهم، نسيان ما قالوا، لا تحرص على أن تسمع ما يقال.


فإن الذي يؤذيك منه سماعه
وإن الذي قالوا وراءك لم يقل

فاستخدم التسامح معهم قدر وسعك؛ فإنه لا محل في القلوب الكبيرة للأحقاد والضغائن، وتذكر وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس التي رواها أحمد والترمذي وغيرهما وصححها الترمذي: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَالَ: (يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ, وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ؛ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ؛ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ, رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ, وَجَفَّتِ الصُّحُفُ).
ويقول المثل الروسي: تصادق مع الذئاب على أن يكون فأسك مستعداً !!
سابعاً وأخيراً: عالج السلبيات والأخطاء بوضوح؛ سواء كانت هذه السلبيات هي في نفسك أو كانت في أسرتك أو كانت في مدرستك أو كانت في مجتمعك، أو في حكومتك وسلطتك.
وليكن علاجك لهذه السلبيات بحثاً عن أسبابها، وحرصاً على تقديم الحلول الصحيحة والناضجة.. أي ليكن نقداً علمياً بناءً هادفاً لا يستهدف التدمير والإسقاط، ولا الشماتة والتشفي، ولا الازدراء والاحتقار، وإنما يستهدف الإصلاح والبحث عما هو أفضل وأحسن. أما التعيير فإنه لا ينفع.
إن التعيير يحملنا على أن نجحد ونخفي حقيقة مشاعرنا وأحوالنا، وهذا نوع من الكبت لا يغير الحقيقة، بل لابد أنه يورث آثاراً سلبية.
على سبيل المثال: حينما تقول مثلاً لطفلك الصغير وقد أظهر رعباً وخوفاً من الفأر تقول له: يا جبان يا رعديد، يا حقير تبكي من هذه الأشياء!!.
هذا الأمر سيجعل الطفل في المرة الثانية يشعر بالخوف كما شعر أول مرة وأشد، لكنه لا يظهر لك ذلك، وبالتالي يتولد عنده إضافة إلى الخوف مشكلة جديدة وهي الكبت، لكن حين تحاول أن تبين له أن هذا الفأر ليس شيئاً مخيفاً أو أن هذا القط ليس شيئاً مخيفاً وأنه هو نفسه يخاف منا، وتحاول أن تحلل له الأشياء بطريقة صحيحة؛ فإنك تقدم له الحل الناجع والعلاج النافع.
إن إخفاء المرض لا يقدم ولا يؤخر، وحين يشعر المريض بمرضه؛ فإنه سوف يبحث ولابد عن العلاج، والتكتم على السلبيات في الفرد أو في الأسرة أو في المدرسة أو في المؤسسة أو الدولة يؤدي إلى استفحالها وتضخمها، كما إن عرضها في قالب النكاية والتشفي يهدم ولا يبني.
أخيراً: أختم بكلمة واحدة هي: احسب كم تقول بلسانك في اليوم والليلة من مرة: نعم صحيح، لكن أخاف.
أو! أخشى من كذا وكذا.
فإنك إذا حسبت ذلك سوف تدرك هل أنت معتدل في خوفك أم أن لديك زيادة في ذلك.
كم حرمنا الخوف المفرط من فرص، وكم ضيع علينا من مكاسب.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved