Tuesday 27th January,200411443العددالثلاثاء 5 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا من أين أتينا
تخيل أنك تعود.. كيوم ولدتك أمك
د. عبدالله بن ناصر الحمود (*)

مع صدور هذا العدد من هذه الزاوية، أكون قد شرفُت كثيراً بصحبة قراءة الصحيفة الرائدة (الجزيرة)، خلال مجموعة ليست قليلة من المداخلات التي تلقيت تجاهها كثيراً من الإثراء والتوجيه والتسديد من أغلى ما تملك أي مطبوعة طموحة: القراء. ومع صدور هذا العدد تستريح هذه الزاوية قليلاً على أمل معاودة الصدور بعد موسم الحج إن شاء الله تعالى. وهنا، لابد من وقفة متأنية نستحضر فيها عظمة الموسم القادم على هذه الأمة. الحج عظيم في كل شيء، في شكله ومضمونه وغاياته، لكن ذروة سنام هذه العظمة أن المرء حقيق فيه وبعده أن يعود كما ولدته أمه، خالصا صافيا من كل شوائب الزمان والمكان التي ألقت بأعبائها على روحه وجسده. كل مواسم الحج السابقة كانت مواسم عظيمة رُفعت فيها منازل وخفضّت أخرى، وليس موسم هذا العام هو الأول الذي يمر على العالم والعالم الإسلامي بخاصة، بعد تحولات الحادي عشر من سبتمبر، لكنه العام الأول الذي يقترب بعد أحداث عظام هي في ثقافتنا وأعرافنا أكبر وأعظم مما سبق من هجوم على الأمن والاستقرار الدولي والمحلي: كيانات محلية متهورة، جانحة. ويأتي الحج.. وتأتي فرصة المراجعة الكبرى والتأمل في مصير المجتمع والأمة.. وتحين ساعة هي أغلى من كل ساعات العام لتتيح مجالا رحباً لأن يعود المغالون والمتطرفون كيوم ولدتهم أمهاتهم. إنها الدعوة التي نزلت من السماء لكل البشر من لدن إبراهيم عليه السلام.. وهي المحطة الأهم في محطات العام والعمر كله. والأمل معقود ألا تغرب شمس يوم عرفة إلا وكل مغالٍ ومتطرفٍ عرف نفسه أو ظنها، أو قيل عنه كذلك، أو لمح له أحد بها، يلهج بالدعاء على صعيد عرفة أن يغفر الله له زلته، وأن يعافيه من عواقبها، وأن يحمي بلده ووطنه من شرها، وأن يرده رداً جميلاً حميداً لحياض الأهل والوطن. ما أروع الوقوف على ذاك الصعيد الطاهر وسؤال الله تعالى العفو والمغفرة والقبول. كل ذنوبنا وأخطائنا وإن كانت مثل زبد البحر، حقيقة بأن يغفرها لنا الله، هكذا تعلمنا من شريعتنا السمحة، وهكذا علّمنا مشايخنا الأفاضل، إذا ما تحقق لنا، وعندنا ما يلزم لقبول توبتنا. وصعيد عرفة والبيت العتيق خير بقاع الأرض كلها. ما أروع أن يعود المرء كيوم ولدته أمه خالياً من الشوائب والآثام، عفيفاً نظيفاً، عاملاً فاعلاً بالخير، وفي الخير، ومن أجل الخير.
لنشهد الحج هذا العام بإذن الله تعالى، ولنكن رسل خير وهدى لكل من نراه في المشاعر المقدسة، ليكون مشهد الحج رائعاً كما هو الحج ذاته، وليكون منظر الحجيج شامخاً كما هي أركان ديننا العظيم. ولنتواصى جميعاً أن نكون رسل خير لأنفسنا ولمن حولنا في الحج. دعونا نتطلع جميعاً أن نعود بعد الحج وكل مجتمعنا السعودي العظيم كيوم ولدته أمه، وأمتنا الكبرى، كيوم ولدتها أمها. أليس هذا حقيق بمن أمرُه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون؟. دعونا نأمل، ونعمل، ونخلص العمل، وعلى الله قصد السبيل.

(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved