بإحساس عميق، ورؤية واقعية، وفكر ثاقب. وجه ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - مساء يوم الأربعاء الماضي.. خطاباً متلفزاً يتصف بالحكمة والعقل، والعزم والحزم.. تحدث فيه إلى المواطنين عقب اللقاء الثاني للحوار الوطني بمكة المكرمة. عن هاجس الأمة والوطن، وما يشغل تفكير القيادة الرشيدة، ويقلق أمن المواطن واستقرارهم، ويهدد وحدة الوطن. الذي اختصه الله بالبيت العتيق «الكعبة المشرفة» وجعله مهبطا للوحي، ومنبتاً للرسالات، وقبلة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها {وّلٌلَّهٌ عّلّى النَّاسٌ حٌجٍَ البّيًتٌ مّنٌ اسًتّطّاعّ إلّيًهٌ سّبٌيلاْ} فهذه المكانة التي خص الله المملكة العربية السعودية بها.. وشرف قادتها بخدمة الحرمين الشريفين، ورعاية الحجاج والمعتمرين، وكلفها بريادة المسلمين ورعاية مصالحهم، وتقديم العون والمساعدات لهم في كل مكان.. وهم يتجهون إلى قبلتهم في وطننا العزيز خمس مرات في اليوم والليلة.. ثم كرمنا بأن جعلنا أمة وسطا بقوله عز وجل{وكذلك جّعّلًنّاكٍمً أٍمَّةْ وّسّطْا لٌَتّكٍونٍوا شٍهّدّّاءّّ عّلّى النَّاسٌ وّيّكٍونّ الرَّسٍولٍ عّلّيًكٍمً شّهٌيدْا} وعلى ضوء ذلك.
ووفقاً لمنهج الاعتدال والوسطية في الإسلام: رسم ولي العهد طريق الوسطية والاستقامة لأصحاب اليمين. وأصحاب الشمال بقوله: «إن هذا الوطن لن يرضى أبداً أن يمس أحد كائنا من كان عقيدته الإسلامية باسم حرية الرأي، أو بأي اسم آخر» ثم أوضح صورة المجتمع الإسلامي السعودي النبيل بقوله: «إن مجتمعنا يستمد كل مقومات وجوده من الدستور الإلهي الخالد، القرآن الكريم والسنة المطهرة».
ثم أشار إلى توصيات اللقاء الثاني للحوار الوطني بمكة المكرمة، وأكد عزم الدولة على السير المتوازن في طريق الإصلاح، والتنمية الشاملة. وفقا لاحتياجات ومتطلبات العصر، ومعطيات الحاضر. لبناء المستقبل، ومواكبة التطورات الدولية. والإنجازات الحضارية التي لا يمكن الاستغناء عنها. ولا تتعارض مع ثوابتنا الإسلامية، ومبادئنا الوطنية، القائمة على الحق والعدل والمساواة فقال حفظه الله: «إن الدولة ماضية بعون الله في نهجها الإصلاحي المدروس المتدرج، ولن تسمح لأحد بأن يقف في وجه الإصلاح.. سواء بالدعوة إلى الجمود والركود.. أو الدعوة إلى القفز في الظلام والمغامرة الطائشة» ثم أعطى - حفظه الله - تفسيراً واضحاً لرؤيته حول ما يتردد في المنتديات. وفي المجالس العامة والخاصة بقوله: «إن الغلو مذموم سواء جاء من هذا الفريق أو ذاك، والتطرف مكروه سواء كان مع هذا الموقف أو ذاك» ونحن كأمة وسط ملتزمون بتلك الوسطية المتسامحة العادلة. التي نص عليها دستورنا الكريم، القرآن العظيم، وملتزمون بالدفاع عنها، وحمايتها من كل ما يشوه صورة الإسلام والمسلمين. أو يعرض الوطن والمواطنين للتمزق والشتات، والخراب والدمار.. سواء من أصحاب اليمين المتجمدين.. أوأصحاب الشمال المندفعين المستفزين، ومجتمعنا بحمد الله وشكره، متمسك بوسطية إسلامه، وملتزم بتشريعات وأنظمة قيادته، ولن تضيره فئة الشذوذ والانحراف.. إلى اليمين أو اليسار، ومن شذ شذ في النار، وعيون العدالة والحق.. ستطارده حتى يندحر ويختفي عن الأنظار.. إذ يقول - حفظه الله - «إننا لا نود التعرض لحرية الرأي المسؤلة الواعية.. ولكننا في الوقت نفسه لن نترك سلامة الوطن، ومستقبل أبنائه تحت رحمة المزايدين الذين يبدأون بالاستفزاز، وينتهون بالمطالب التعسفية» وقال: «إن أبناء هذا الوطن لا يحتاجون إلى من يعلمهم أمور الدين أو يزايد عليهم في أمور الدنيا. فمنهم بحمد الله أبناء الفطرة السليمة» وهذه الشهادة مفخرة لنا ولمجتمعنا العربي السعودي. الذي كما أشارت إحدى الصحف 80% منهم يمثلون الوسطية، ويلتزمون بها، ويدافعون عنها صفاً واحداً إلى جانب قيادتهم الحكيمة الرشيدة.. والنسبة الضئيلة المنحرفة. معزولة ومنبوذة ولا تمثل أكثر من20% منها 10% من أصحاب اليسار والمندفع نحو الاستغراب والتخريب المستفز، والـ10% الباقية من أصحاب اليمين المتطرف. الذي يركن إلى الخمول والجمود، ويستنكر كل جديد مفيد.. وقد كان لهم فسحة من العمل كل في الاتجاه الذي يعنيه ويعمل من أجله، إلا أنه ولله الحمد، تم إخماد جذوتها، وشل حركتها، ومحاصرتها في الكهوف المظلمة، ومطاردتها بعيون كثيرة لا تهدأ ولا تنام.. عيون الأمن الساهرة.. ومن خلفهم يسندهم ويحميهم.. مجتمع نبيل.. يتصف بالحكمة، والمحبة، والولاء، والإخاء، والإخلاص لله، ولكتابه، وسنة رسوله المصطفى محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم. تحت قيادة وريادة حكومة قوية. لا تأخذها في الله لومة لائم.
وإنني وعلى ضوء المقاصد الكريمة، التي استهدفها وحدد معالمها خطاب ولي العهد - حفظه الله - أدعو تلك الفئات القليلة إلى تفهم ما جاء في الخطاب التوجيهي الإرشادي الكريم والرجوع إلى منطق العقل والحكمة. والالتزام بمبادئ وثوابت وسلوكيات هذه الأمة المستمدة من الكتاب والسنة والعودة إلى الطريق المستقيم. مع الأمة والجماعة، ونتصافح مع بعضنا البعض. ونلتقي مع الفكر السليم على المنهج القويم.. لنسير بهذا الوطن، وهذه الأمة التي كما قلت خصها الله بالكعبة المشرفة. وشرفها بنزول القرآن على أرضها. وجعلها مهبط الوحي وكرمها بخاتم الرسل. وكلف قادتها وشعبها بحماية الحرمين الشريفين، وشرفهم بخدمة الحجاج والمعتمرين. وأوصاهم بريادة، ورعاية المسلمين، وتقديم العون والدعم لهم في كل مكان.
فهلموا أيها الأبناء والأخوة إلى قول الله سبحانه وتعالى {وّاعًتّصٌمٍوا بٌحّبًلٌ اللَّهٌ جّمٌيعْا وّلا تّفّرَّقٍوا} وقال تعالى: {ولا تنازعوا فتّفًشّلٍوا وّتّذًهّبّ رٌيحٍكٍمً} واتقوا الله في نفوسكم وأهليكم، وفي وطنكم وأمتكم، وفي ولاة الأمر فيكم، ولا تكرهوا أهليكم وذويكم وقادتكم إلى عمل ما يكرهون بحقكم.حفاظاً على الدين، والعقيدة، ووحدة الوطن الأغلى والأهم.والسلام على اتبع الهدى
|