Tuesday 3rd February,200411450العددالثلاثاء 12 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أعيادنا؟! أعيادنا؟!
د. زيد بن محمد الرماني

في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً فقال: أي آية؟ قال (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) المائدة/3. فقال عمر اني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه والمكان الذي نزلت فيه. نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بعرفة يوم جمعة.
الوقفة الأولى: العيد موسم
العيد هو موسم الفرح والسرور وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا انما هو بمولاهم إذا فازوا بإكمال طاعته وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته, كما قال تعالى (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فيلفرحوا هو خير مما يجمعون) يونس/ 58 قال بعض العارفين: ما فرح احد بغير الله إلا بغفلته عن الله.
الوقفة الثانية: أعياد المؤمنين في الدنيا
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان لأهلها يومان يلعبان فيهما, فقال: إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما يوم الفطر والأضحى, فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو ففي الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد: عيد يتكرر كل أسبوع وعيدان يأتيان في كل عام مرة من غير تكرر في السنة.
الوقفة الثالثة: الجمعة عيد الأسبوع
إن العيد المتكرر هو يوم الجمعة, وهو عيد الاسبوع, فهو مترتب على اكمال الصلوات المكتوبات فإن الله عز وجل فرض على المؤمنين في كل يوم وليلة خمس صلوات. وهو اليوم الذي كُمل فيه الخلق, وفيه خلق آدم وأدخل الجنة وأخرج منها فالجمعة من الاجتماع على سماع الذكر والموعظة وصلاة الجمعة, وجعل ذلك لهم عيداً, ولهذا نُهي عن افراده بالصيام, وفي شهود الجمعة شبه من الحج.
يقول ابن الجوزي رحمه الله وابن رجب الحنبلي -رحمه الله- والتكبير الى الجمعة يوم مقام الهدي على قدر السبق, فأولهم كالمهدي بدنة ثم بقرة ثم كبشاً ثم دجاجة ثم بيضة, وشهود الجمعة يوجب تكفير الذنوب الى الجمعة الاخرى إذ سلم ما بين الجمعتين من الكبائر, كما ان الحج المبرور يكفر ذنوب تلك السنة الى الحجة الأخرى.
الوقفة الرابعة: عيد الفطر
والعيدان اللذان لا يتكرران في كل عام وانما يأتي كل واحد منهما في العام مرة واحدة, فأحدهما عيد الفطر من صوم رمضان وهو مترتب على اكمالهم صيام رمضان وهو الركن الرابع من أركان الإسلام ومبانيه فإذا استكمل المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم واستوجبوا من الله المغفرة والعتق من النار فإن صيامه يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب واخره عتق من النار يُعتق فيه من النار من استحقها بذنوبه, فشرع الله تعالى لهم عقب اكمالهم لصيامهم عيداً يجتمعون فيه على شكر الله وذكره وتكبيره على ما هداهم له, وشرع لهم في ذلك العيد الصلاة والصدقة وهو يوم الجوائز استوفى الصائمون فيه اجر صيامهم ويرجعون من عيدهم بالمغفرة.
الوقفة الخامسة: عيد النحر
والعيد الثاني عيد النحر, وهو أكبر العيدين وأفضلهما, وهو مترتب على اكمال الحج, وهو الركن الخامس من أركان الإسلام ومبانيه, فإذا اكمل المسلمون حجهم غفر لهم وإنما يكمل الحج بيوم عرفة والوقوف فيه بعرفة, فإنه ركن الحج الأعظم, كما قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم الحج عرفة.
الوقفة السادسة: عرفة والعيد
يوم عرفة هو يوم العتق من النار, فيعتق الله فيه من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين, فلذلك صار اليوم الذي يليه عيداً لجميع المسلمين في جميع أمصارهم من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده, لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة, وإنما لم يشترك المسلمون كلهم في الحج كل عام رحمةً من الله وتخفيفاً على عباده, فإنه جعل الحج فريضة العمر لا فريضة كل عام.
فإذا كمل يوم عرفة واعتق الله عباده المؤمنين من النار اشترك المسلمون كلهم في العيد عقب ذلك وشرع للجميع التقرب اليه بالنسك وهو اراقة دماء القرابين, فأهل الموسم يرمون الجمرة فيشرعون في التحلل من إحرامهم بالحج ويقضون تفثهم ويوفون نذورهم ويقربون قرابينهم من الهدايا ثم يطوفون بالبيت العتيق, وأهل الأمصار يجتمعون على ذكر الله وتكبيره والصلاة له, ثم ينسكون عقب ذلك نسكهم ويقربون قرابينهم بإراقة دماء ضحاياهم, فيكون ذلك شكراً منهم لهذه النعم.
وقد قيل: إن الصلاة والنحر الذي يجتمع في عيد النحر افضل من الصلاة والصدقة الذي يجتمع في عيد الفطر. وفي كل خير وبركة.
الوقفة السابعة: لِمَن العيد ؟
هذه أعياد المسلمين في الدنيا وكلها عند اكمال طاعة مولاهم الملك الوهاب وحيازتهم لما وعدهم من الاجر والثواب.
ولذا, فليس العيد لمن لبس الجديد إنما العيد لمن طاعاته تزيد, ليس العيد لمن تجمل باللباس والركوب إنما العيد لمن غفرت له الذنوب, في ليلة العيد تفرق خِلع العتق والمفغرة على العبيد, فمن ناله فيها شيء فله عيد, وإلا فهو مطرود بعيد.
الوقفة الثامنة: أعياد المؤمنين في الجنة
أعياد المؤمنين في الجنة هي أيام زيارتهم لربهم عز وجل, فيزورونه ويكرمهم غاية الكرامة ويتجلى لهم وينظرون إليه فما أعطاهم شيئاً هو أحب إليهم من ذلك, وهو الزيادة التي قال الله تعالى فيها (للذين احسنوا الحسنى وزيادة) يونس/26.
ليس للمحب عيد سوى قرب محبوبه, قال أحدهم:


إن يوماً جامعاً شملي بهم
ذاك عيد ليس لي عيد سواه

الوقفة التاسعة: العيد في الدنيا والجنة
كل يوم كان للمسلمين عيداً في الدنيا فإنه عيد لهم في الجنة, يجتمعون فيه على زيارة ربهم ويتجلى لهم فيه, ويوم الجمعة يُدعى في الجنة يوم المزيد, ويوم الفطر والأضحى يجتمع أهل الجنة فيهما للزيارة وقد قيل إن كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره وشكره فهو له عيد.
الوقفة العاشرة: أعياد أهل الموسم
ولما كان عيد النحر أكبر العيدين وأفضلها ويجتمع فيه شرف المكان والزمان لأهل الموسم كانت لهم فيه معه اعياد قبله وبعده, فقبله يوم عرفة وبعده أيام التشريق, وكل هذه الأعياد أعياد لأهل الموسم, كما في الحديث (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام, وهي أيام أكل وشرب) ولهذا لا يشرع لأهل الموسم صوم يوم عرفة لأنه أول أعيادهم وأكبر مجامعهم وقد افطره نبي الهدى عليه السلام بعرفة والناس ينظرون إليه.
ختاماً أقول يا مَنْ فاته في هذا العام الحج والقيام بعرفة, فلتقم لله عز وجل بحقه الذي تعرفه.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved