Monday 9th February,200411456العددالأثنين 18 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الإنترنت بين حرية التعبير والتضليل الإنترنت بين حرية التعبير والتضليل
إبراهيم بن عبدالله السماري

يُعَدّ اكتشاف الانترنت حدثاً اتصالياً متميزاً وعلامة فارقة تدل على تحديد طبيعة عصر المعلومات، وكأي حدث جديد كانت لهذا الاكتشاف سلبياته وإيجابياته ولاسيما في ظل المتاحات الفكرية الهائلة في هذه الوسيلة الاتصالية السريعة ذات التأثير القوي في حياة ملايين الناس في مختلف قارات الأرض، ومن ثم ظهرت أهمية القدرة على حسن التعامل مع تلك المتاحات لتوظيفها في خدمة أهداف المستخدم أياً كانت هذه الأهداف صالحة أم طالحة، حسنة أم قبيحة.
ولن أتحدث عن سلبيات وإيجابيات وسيلة الانترنت ذاتها فهذا الحديث يحتاج إلى دراسات مطولة وبحوث علمية موسعة وقد حظيت فعلاً بشيء من ذلك في المؤلفات والكتابات والدراسات العلمية وورش العمل والندوات والمحاضرات، ومازال الموضوع ذا شجون لسبر أبعاده وآثاره وخباياه ومؤثراته، وسأكتفي بالحديث عن مجال واحد في ميدان الانترنت الفسيح هو ميدان المنتديات محاولاً إضاءة جزء صغير من زواياه بما أراه معيناً على فهم واقعه والوعي بأهمية الاستفادة منه وضرورة العمل على توجيهه وجهة نافعة للفرد وللمجتمع وللأمة.
في ميدان الانترنت تتنوع المنتديات تنوعاً مذهلاً إلا أن أوضح مايراه المتأمل في حالها ثلاثة تنوعات: بحسب طبيعتها وتخصصاتها وبحسب أهدافها وبحسب أدائها، أما بحسب طبيعتها وتخصصاتها فهناك منتديات علمية بحتة وأخرى ثقافية عامة وثالثة ترفيهية أو رياضية ورابعة إعلامية وخامسة سياسية وهكذا ثم نجد في داخل كل تخصص تخصصات أخرى فالمنتدريات ذات الطبيعة العلمية مثلاً قد تكون ذات طبيعة أخص لأنها مقصورة على شؤون تخصص علمي واحد كالفقه أو الحاسب الآلي أو الطب أو الرياضيات أوالفلك وهكذا بل ربما كانت هناك تخصصات داخل التخصص فمثلا تقتصر بعض المنتديات على ما يتعلق بطب العيون من عموم الطب وتتناول منتديات أخرى ما يخص مذهباً من المذاهب الفقهية وهكذا.
وأما من حيث الأهداف فهناك منتديات تهدف إلى الفائدة العامة البحتة دون انتظار أي نوع من الربح المادي أو حتى سداد كلفة التشغيل وفي جانب آخر هناك منتديات هدفها الترويج التجاري لبضاعة ما فلن يأخذك العجب إذا سمعت عن منتديات قوية باسم مشروب غازي أو باسم نوع من أنواع الحلويات المشهورة أو إذا دخلت واحداً من هذه المنتديات فوجدته غاصاً بالزوار لأنه يقدم أفكاراً جذابة وخدمات متنوعة وإغراءات مادية ولاسيما لفئة الشباب الذين هم المستهدفون به أساساً، وفي دائرة الأهداف نجد أنه بين الفائدة البحتة والترويج التجاري هناك من حاول الجمع بين الأمرين على أساس أنه من الجمع بين الحسنين!
وأما من حيث الأداء فهناك منتديات ذات حضور قوي عند مستخدمي الانترنت وهناك منتديات ضعيفة الحضور والحظوظ في الساحة وبينهما من هو بين بين!
ومن المؤكد ان هناك عوامل ذات تأثير في عملية الحضور وفي الحظوظ كذلك وسوف أحاول سرد أهم تلك العوامل دون محاولة مني للتدخل في ترتيب أهميتها ومع ابتعادي عن الحكم على طريقة وكيفية الاستفادة من كل منها
العامل الول: قوة أوضعف قدرات وإمكانات أعضاء المنتدى في توظيف قدراتهم الفكرية وعوامل الجذب البياني والبحثي لخدمة القضايا والموضوعات التي يطرحونها وقدرتهم على الدفاع عنها وتأييدها بالمؤكدات والشواهد.
العامل الثاني: الإمكانات الفنية والتقنية للموقع ومدى فاعلية المشرفين عليه ودقة المتابعة لما ينشر فيه والتفاعل معه بما يحقق الأهداف المعلنة وأرجو التركيز على كلمة المعلنة لأن بعض المواقع تضطر إلى إعلان أهداف قد لايقتنع بها مسيروها لأنها تخالف قناعتهم وثوابتهم وإنما هدفهم جذب أكبر عدد من الزوار وتحقيق أبعد مدى من الصيت والانتشار للموقع من بوابة حرية التعبير ولو عن طريق بعض التنازلات.
العامل الثالث: الإثارة البيانية حيث ترزق بعض المواقع بأعضاء لديهم قدرات يمكن أ، تكون خارقة أحياناً -بالنظر إلى التوفيق المتكرر- في اختراع العناوين الجذابة والآسرة وتوليد التراكيب القادرة على التلاعب بالعواطف لأن العواطف هي بوابة الدخول إلى الأفكار ومنها إلى رحابة التأثير كما يقال.
العامل الرابع: الحصيلة المعلوماتية وهذه الحصيلة تظهر أهميتها من خلال مظهرين فالمظهر الأول التفاعل السريع مع الأحداث المستجدة حيث اشتهرت بعض المنتديات بسرعة عرض المعلومة عن كل حدث جديد والتعليق عليها وتحليلها في وقت حدوثها وبالتالي أصبحت معقد تطلع كثير من رواد الانترنت للحصول على المعلومات الجديدة، والمظهر الثاني التحول إلى مصدر للمعلومات عن طريق السبق إلى المعلومة وتقديمها لزوار المنتدى وتكون قيمتها أقوى وأوثق إذا انت موثقة بأية آلية من آليات التوثيق كالصور والوثائق ونحو ذلك.
بعد ذلك يمكن ان يمس حديثنا عن المنتديات جانباً حساساً وهو موضوع المنازعة بين رواد الانترنت وبين خصومهم،أيصح ان توصف هذه المنتديات بأنها واحة ظليلة لحرية التعبير أم انها وسيلة لتضليل الرأي العام؟ وأظن انني سوف أسمح لنفسي بإبداء الرأي من بوابة حقي في التعبير عن رأيي مع احترامي الكبير لكل ذي رأي مخالف في دائرة البحث عن الحق والصواب.
للجواب عن السؤال المطروح يجب أن نحدد جواباً لسؤال أهم هو: أتعد الحرية من الحقوق التي تكتسب أم أنها من الحقوق التي توهب؟ الجواب على السؤال سيقودنا إلى اختلافات كثيرة بعضها سيكون جذرياً، لكنني سوف أترك مساحة لتفكير القارئ الكريم للبحث عن جواب يقتنع به لأقرر أن حال منتديات الانترنت ليست متساوية من حيث النظرة إلى حرية التعبير وتطبيقاتها الفعلية كما أقرر أن حرية التعبير مصطلح وكل مصطلح له شواهده ومظاهره وله ضوابطه كذلك، ولايمكن أن ننظر إلى الشواهد والمظاهر بدون أن نتوقف عند الضوابط وهذا بالضبط مانراه في واقع أكثر المجتمعات البشرية اليوم تشجيعاً للحريات العامة حيث يتأكد أن الحرية المطلقة بدون ضوابط وقيود ليست سوى خيال مريض، وفي الجانب الآخر الذي تستوي به كفتا ميزان العدل لايصح ان نبالغ في اختراع تلك الضوابط حتى تصل إلى حد مصادرة حق الحرية من أساسه!
أعود للقول إن منتديات الانترنت تتفاوت في تقديرها لحرية التعبير وفي تطبيقها لهذه الحرية والغالب أن العنصر التطبيقي لايصل إلى الكمال في أي منتدى انترنتي والإشادة في هذا الميدان إنما تتوجه نحو الأقرب إلى الكمال المنشود أياً كانت درجة القرب هذه من الضعف أو القوة بالنسبة للهدف الأمثل.
الذين يصفون منتديات الانترنت بأنها مجرد أعشاش خفافيش لا ترى -بفتح التاء- ولا تُرى - بضمها- إلا في الظلام يبالغون في نظرتهم التشاؤمية فهذه المنتديات مفتوحة للغث والسمين وإذا كنا بحاجة إلى الاستفادة من سمن السمين فلابد ان نلتفت إلى الوفاء بمسؤوليتنا التوعوية تجاه الغث لتخليصه من غثاثته وتوجيهه وجهة مفيدة وإلى كيفية دفع دعوى رواد الانترنت أنهم يجدون متعتهم في التنفيس عن مكنوناتهم عبر المنتديات لأن هناك خللاً في التعامل مع قدراتهم التعبيرية وتكميمها بأقفال المصادرة والإزهاق؟
هناك إشكالية يتلذذ بترديدها كثير من الذين لايحبذون الكتابة في المتنديات وهي ان كتَّاب المتندريات أشخاص وهميون يعيشون داخل أوكار أشباح ويركبون بدلا من الشعر المستعار أسماء مستعارة ومما لاريب فيه أن الكتابة بالاسم الصريح ادعى للثقة وأصدق في الدلالة على الشجاعة الأدبية وهي ما أحبذه بل يحبذه جميع العقلاء إلا أنني أرى أن الأولى ان تكون أحكامنا موجهة إلى الإنتاج لا إلى كيفية تقديمه بمعنى أن نتحدث عن بضاعة تلك المنتديات وكيفية التعامل معها بأية كيفية أو آلية قدمت بالاسم الصريح أو بالاسم المستعار في ضوء النصوص ومسلمات العقلاء.
فيقال لتأصيل هذا الجانب إن الخبر أو المعلومة عموماً مما يحتمل الصدق أو الكذب ولهذا فلابد من معرفة حال ناقل الخبر أو راوي المعلومة لاستيفاء هذه المعرفة وقد يتحقق هذا الاستيفاء عن طريق توثيق المعلومة ذاتها فلايكون لحال الراوي حينئذ مطلب.
وكل مطلع على الانترنت يعرف أن عالم المتنديات مليء بالكذب والبهتان والتناقض وتصفية الحسابات الشخصية والادعاءات والإشاعات ولكنه أيضا عالم فيه إلى جانب ذلك الحقائق ذات النفع العام وربما كان صوت هذه الحقائق في خضم الأهداف الرديئة التي يموج بها ذلك العالم ضعيفاً فلابد من إحسان التعامل مع هذا الواقع دون إشغال النفس بتصنيفه وإصدار الأحكام العامة تجاهه.
ثم إنه لايمكن تجاهل الرغبة في الانتقام التي تتولد عند من يتعرض للنقد حتى وإن لم يكن من أهل النفوذ والسلطة ولاسيما في مجتمعات لاتملك الوعي التام بأهمية النقد البناء في حدود المشروع وربما كان هذا هو التفسير المنطقي للخوف المسيطر على بعض كتاب الانترنت الذي يلجئهم إلى السماء المستعارة برغم ان أمطار أفكاره تهطل في الغالب حاملة الفائدة في دائرة الاجتهاد المشروع الذي لايضر بالدين أو بوحدة الوطن.
ويتذرع بعض المدافعين عن منتديات الانترنت بذرائع منها أن وسائل التعبير عن المكنون أغلقت أو سدت أمام من يملك قدرة التعبير فلم يعد أمامه سبيل إلا اللحاق بمنتديات الانترنت، ولكن الاشكالية لم تحل بهذه الذريعة فلماذا لم نر منتديات كاملة مخصصة للكتاب بالأسماء الصريحة؟ أو لماذا لايكتب هذا المتذرع باسمه الصريح؟
إن الإشكالية التي حاولت ان أتجنب الوقوع في حدود لظاها ولا أجد الآن لاستكمال البيان محيصاً من الإشارة إليها من بعيد هي: ما مدى حدود وكيفية المطالبة بالحقوق في المجتمعات البشرية من خلال منتديات الانترنت؟ باختصار شديد: أتسوغ تلك المطالبة التشهير والتشنيع والتعيير وغير ذلك من المصطلحات القريبة من بعض؟ أم أنها مقصورة على التناصح والتعاون ومد جسور الحوار الإيجابي وغير ذلك من المصطلحات القريبة من بعض؟ وفي كلتا الحالين كيف يمكن في الجانبين تحديد مصطلحات مثل التشهير والتعيير والتناصح والتحاور الخ..؟ وإلى أي مدى يمكن أن يبلغ كل توجه في تداعياته وآثاره ومطالباته إذا لم يحقق هدفه؟
وفي كل الأحوال يظل موضوع منتديات الانترنت شائقا وحافلا بالآراء والصتورات المتعارضة غالباً، مما يجعل هذا الميدان حريا بمزيد من البحث والدراسة.
وبالله التوفيق.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved