Monday 9th February,200411456العددالأثنين 18 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

« الجزيرة » في قلب الحدث من فلسطين.. كان متوجهاً إلى مدرسته.. « الجزيرة » في قلب الحدث من فلسطين.. كان متوجهاً إلى مدرسته..
دقائق معدودة فصلت بين خروج الطفل طارق السوسي من بيته، وبين دخوله إلى ثلاجة حفظ الموتى

  * غزة - بلال أبودقة:
دقائق معدودة فصلت بين خروج الطفل طارق مجدي السوسي (11 عاما) من بيته الكائن بشارع الوحدة وسط مدينة غزة، وبين دخوله إلى ثلاجة حفظ الموتى في مستشفى دار الشفاء بالمدينة.
في تمام الساعة العاشرة خرج الطفل طارق حاملاً حقيبته المدرسية من بيت عائلته إلى المدرسة، وما هي إلا لحظات حتى فارق الحياة بشظايا صاروخ موجه أُطلق من طائرة إسرائيلية مقاتلة من نوع (أف 16) على سيارة فلسطينية من نوع بيجو (205)، لقد تناثرت أشلاء الطفل على رصيف الشارع، والكتب والكراريس المدرسية تخضبت بدمائه الذكية الطاهرة في أول أيام الدوام المدرسي في فلسطين، بعد عطلة عيد الأضحى المبارك.
وفي غرفة حفظ الموتى رقد الطفل طارق ملفوفاً بقطعة قماش بيضاء اللون، مرتدياً ملابس زرقاء هي ملابس المدرسة في فلسطين، وضع الأطباء الفلسطينيون حقيبة المدرسة عند رأسه، وشوهد حذاؤه الأسود عند قدميه، بدأ الطفل نائماً، كالملاك؛ إلا أن دماءه قد تجلطت على رأسه، وخديه، وملابس المدرسة أصبحت تميل إلى الحمرة بعد أن كانت زرقاء.
وبعد أن أقفل مراسل الجزيرة في فلسطين باب ثلاجة حفظ الموتى، ماسحاً على رأس الطفل الشهيد، وجه جهاز التسجيل إلى جد الطفل المسن، إنه عبدالمعطي إسماعيل السوسي (72 عاما)، بدأ الرجل الفلسطيني المسن، مذهولاً وجما لفقدانه حفيداً غالياً على قلبه، قال ل(الجزيرة): قتله الصهاينة وهو في طريقه إلى المدرسة، بعد أن قضى إجازة عيد الاضحى المبارك، كان طفلاً طائعاً، حفظ ستة أجزاء من القرآن الكريم في المسجد القريب، كان ذكياً متفوقاً قتلوه بدم بارد، قطف الاحتلال زهرة طفولته البريئة.
وأضاف الجد المسن قائلاً ل (الجزيرة): إنها ممارسات عنصرية، إنهم لا يفرقون بين طفل ومسن، امرأة أو كهل، الجميع مستهدف، والكراهية لليهود تزداد يوماً بعد يوم، سيقاوم شعبنا حتى آخر نفس، حتى لو قتلنا جميعاً، نريد الحرية لأطفالنا، نريد أن نعيش بسلام.
وافترش مجدي السوسي (42 عاما) والد الشهيد الأرض، طالبا من الحضور أن يكشفوا له عن وجه طفله البريء، كان يبكي بحرارة.. لم يستطع التحدث لمراسل الجزيرة..
وفي زاوية غرفة ثلاجة حفظ الموتى أمسك شبان فلسطينيون بفتى فلسطيني زاد بكاؤه، وحين سأل مراسل الجزيرة عن هوية الفتى، قيل إنه شقيق الشهيد.. إنه محمد السوسي (17 عاماً)، الشقيق الأكبر للشهيد، قال باكياً ل (الجزيرة): خرج من بيتنا في تمام الساعة العاشرة صباحا، لا يبعد بيتنا عن مكان الجريمة سوى (مائتي متر)، غادرنا شقيقي بلا رجعة، كان ذكياً، محبوباً، قريباً إلى قلوب الجميع.. كان متفوقاً، هو في الصف السادس الابتدائي.. قتله اليهود.. في إجازة العيد يقول شقيق الشهيد: كان طارق يلعب ويلهو، كم تمنى أن يشتري والدي أضحية، ويذبح ذبيحة العيد، لكن والدي لا يمتلك أموالاً كافية، إننا نعيش في حصار, الجميع عاطلون عن العمل.
إذا كُتبت له الحياة، فسيفقد ساقه الأيسر
يشار إلى أن طائرة إسرائيلية حربية من نوع (اف 16) شنت صباح أمس السبت غارة جوية على مدينة غزة، استهدفت أحد كوادر الجهاد الاسلامي في فلسطين، استشهد جرائها الطفل طارق السوسي، وأصيب عشرة آخرون بجراح ما بين المتوسطة والخطيرة.
وقال شهود عيان في المنطقة المستهدفة ل (الجزيرة): في حوالي الساعة العاشرة والثلث من صباح يوم أمس السبت 7-2-2004 أطلقت طائرة اسرائيلية مقاتلة من نوع (اف 16) صاروخاً باتجاه سيارة بيضاء من نوع (بيجو - 205) كانت تسير في شارع الوحدة بمدينة غزة بجوار ملعب اليرموك، وكان يستقلها شخصان؛ ما أدى إلى إصابة مقدمة السيارة إلا أن من كانوا في السيارة تمكنوا من الفرار فور سقوط الصاروخ عليها والنجاة من محاولة الاغتيال.
وأكدت مصادر فلسطينية مطلعة ل (الجزيرة): أن الغارة الإسرائيلية استهدفت المواطن (عزيز الشامي) أحد كوادر الجهاد الإسلامي الذي أصيب بجراح خطرة في ساقيه وكتفه ثم توفي بعد نقله إلى مستشفى الشفاء بغزة.
وقال شهود عيان: أدى تطاير شظايا الصاروخ الإسرائيلي إلى إصابة عدد من المارة الفلسطينيين من بينهم الطفل الشهيد طارق السوسي.. وثلاثة مواطنين فلسطينيين هم في حالة الخطر الشديد؛ أصيبوا بشظايا في الصدر والساق وتم أخضاعهم إلى عمليات جراحية.
وفي هذا السياق، قال د. جمعة السقا مدير العلاقات العامة بمستشفى الشفاء ل (الجزيرة) في تمام الساعة العاشرة والنصف وصلنا الطفل السوسي، وقد كان في رمقه الأخير، لقد أصيب في رأسه وصدره بشظايا الصاروخ المتفجر، ما لبث أن استشهد بعد دقائق من وصوله للمستشفى كان في حالة موت دماغي.
وفي هذا السياق أكدت المصادر الفلسطينية ل (الجزيرة): وقوع الانفجار في مكان مكتظ بالمجمعات الحكومية ومجمع المحاكم، والمحال التجارية والمدارس، وقت دخول وخروج الطلاب وحركة الموظفين.. مشيرين إلى أن الصاروخ الذي تم استخدامه في عملية الاغتيال؛ هو من النوع المتفجر المسماري الذي يحدث أكبر قدر ممكن من الإصابات بين المواطنين؛ حتى لو كانوا على مسافة بعيدة من مكان الانفجار.
هذا وذكرت المعلومات الأولية التي تلقتها الجزيرة أن المستهدف في الغارة الجوية هو بالتأكيد، المواطن عزيز الشامي، من قياديي سرايا القدس، الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي..
وفي اتصال هاتفي مع خالد البطش، أحد قياديي حركة الجهاد الإسلامي قال ل (الجزيرة) إنها اقترفها العدو الإسرائيلي؛ لن تمر دون عقاب وإن سرايا القدس لن ترحم الاحتلال وسترد على هذه الجريمة.
وأضاف البطش قائلا: إن اغتيال عزيز الشامي، أحد أكبر قياديي سرايا القدس، لن تثني الشعب الفلسطيني عن مواصلة جهاده ومقاومته، وأن هذه الجرائم الإسرائيلية تأتي في إطار النيل من صمود الشعب الفلسطيني؛ إلا أنها لن تفلح في ذلك.
وفي تعقيب للجيش الإسرائيلي على عملية الاغتيال؛ قال مسؤولون أمنيون إسرائيليون: إن سلاح الجو استهدف صباح السبت السيارة التي استقلها المسؤول الكبير في حركة الجهاد الإسلامي وسط مدينة غزة.. وأفادت مصادر في الجيش: إن المستهدف، هو عزيز شامي، قريب رئيس الجهاد الإسلامي الشيخ عبدالله شامي؛ وهو مسؤول عن موت جنود إسرائيليين وخطط لتنفيذ عمليات..!!
وحسب ما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه يوجد احتمالان لكيفية تنفيذ محاولة الإغتيال؛ أولها: أن يكون الانفجار ناجم عن إطلاق صواريخ من طائرات الجيش الإسرائيلي؛ وثانيها: أن تكون طائرة بدون طيار فجرت العبوة التي وضعت داخل سيارة الناشطين في حركة الجهاد الإسلامي.
وفي هذا السياق أدان رئيس الوزراء الفلسطيني، أحمد قريع (أبو علاء)، محاولة الاغتيال التي استهدفت السيارة في غزة؛ ووصفها بأنها جبن وعدوانية من قبل إسرائيل.
وقال قريع: إن الحادث يوضح أنه يجب على الفلسطينيين أن يكونوا موحدين في هذه المرحلة الصعبة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved