Tuesday 10th February,200411457العددالثلاثاء 19 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أيها المشتغلون في شأن الحج:خذوا عني رأي مجرب..! أيها المشتغلون في شأن الحج:خذوا عني رأي مجرب..!
د.حسن بن فهد الهويمل

ما ان تجرعنا مرارات الحزن والألم على (رجال الأمن) الذين قضوا نحبهم مغدوراً بهم, وماتوا وهم يؤدون واجبهم, دون ان يطلقوا ناراً, أو يدفعوا أذى, حتى اصابتنا مصيبة (الحجاج) الذين ماتوا, وهم يؤدون مناسكهم, وليس من السهل ان يحتمل الانسان المسلم مصيبتين في الاشهر الحرم, وفي البقاع الطاهرة: شهداء الواجب وشهداء الشعائر, ولن يشفي نفوسنا, ويلملم جراحها إلا ان يحق المسؤول الحق, ويوقف كل الأطراف, ليسألهم: لماذا حصل هذا؟ وكيف حصل؟ إلا حين لا تتكرر مثل هذه المصائب, وقبل ان نخوض في الحديث عما كان, وعما يجب ان يكون, علينا ان نشهد بما علمنا, وألا نكتم الشهادة, ومن يكتمها فإنه أثم قلبه, وما نشهد به, ونشهد الله عليه, ونقوله لوجه الحق, ولا نخشى فيه لومة لائم, ونعرف اننا سنسأل عنه يوم القيامة: ان دولتنا خير من يلي امر الحاج, وخير من يطهر البيت للطائفين والعاكفين والركع السجود, وانها بذلت في التوسعة والإصلاح والخدمات ما لا مزيد عليه, وانها لما تزل من أحرص الناس على توفير أقصى ما يمكن توفيره للحجاج والمعتمرين, ومن غمطها حقها أو قلل من جهودها فقد ظلم نفسه, ولقد امتدت هذه الاخلاقيات الى المواطن, فكان ان تبارى الموسرون في توفير المأكل والمشرب والإيواء, وتسابق المتطوعون في الإرشاد والتوعية والمساعدة, وما من منصف إلا ويثني على جهود الدولة وانفاقها في الاعمار والكباري والأنفاق, واستنفار كل الأجهزة: الأمنية والصحية والمرورية والإرشادية, وكل ذلك شرف وفضل ومنة من الله على أهل هذه البلاد, لا يدلون به, ولا يمنون, ولا يريدون الجزاء ولا الشكور إلا من الله, فكل الفعل لوجهه الكريم, ومع كل ذلك فإن من واجبنا جميعاً ان نبدي اسفنا واستياءنا مما حصل, حتى ولو جاء من الحجاج انفسهم, ذلك انهم يجهلون, ولا يمتثلون, ويعرضون أنفسهم للخطر, وكان حقاً على المسؤولين حمايتهم من جهلهم, وحملهم طوعاً او كرهاً على امتثال التعليمات, وإلقاء التبعات على المتوفين أو الناجين لا يحسم المشكلة, وفداحة الحدث لم تكن من السباطة بحيث ترفع اوراقها بهذا التصريح او ذاك, ولا يجوز احتمال الكارثة دون تقصي اسبابها, ومعرفة اطرافها, ممن وكل إليهم التفويج, او التنظيم, او المراقبة والرصد او الارشاد, وولي الأمر الذي استنفر كل طاقاته المادية والبشرية, ووقف بنفسه مع كل الاطراف للاشراف, لا يرضى ان يتعرض الحجاج لمثل ما تعرضوا له, والمواطن السعودي يحس بالمرارة والألم, لأن الدولة لم تأل جهداً, ولم تقتصر في شيء.
ولما أن جاء الحدث بهذه الضخامة والفداحة, وفي ظل امكانات واستعدادات متفوقة, لم يكن بالإمكان إهالة التراب عليه, ولا تجاوزه, ومن ثم بادرت الدولة بتشكيل (هيئة لتطوير مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة), وأناطت بها وضع خطة شاملة تمتد لعشرين عاماً, وخولتها الاستعانة بكل الاجهزة الحكومية, ومراكز البحوث, والخبرات المتخصصة, داخل المملكة وخارجها, ومن قبل هذا أصدرت (هيئة كبار العلماء) بياناً ارتأت فيه ضرورة النظر في أمر الشعائر, والخروج برؤية شرعية تسهم في تلافي الكوارث, وأحسب ان هاتين المبادرتين مؤشرا إحساس بفداحة الحدث, وإضافة جديدة للاهتمام المتواصل بشأن الحج وشعائره, والأمل معقود بنواصي الأطراف المناط بها هذا الشأن:


فما استعصى على قوم منال
إذا الاخلاص كان لهم ركاباً

مع الاعتذار ل(شوقي)
ولو أن ما حصل يوم الحج الأكبر نتيجة عجز في الانفاق, او قلة في العدد والعدة, لكنا طالبنا بمزيد من الانفاق والقوى, ولكن في الأمر ما فيه, فالحجاج بجهلهم, والمطوفون باستخفافهم, واصحاب الحملات ببدائيتهم, وضعف امكانياتهم وطمعهم, والجهات المسؤولة باتكالية بعض افرادها, او بتداخل بعض مسؤولياتها, والعلماء بتشددهم, والزمان والمكان بضيقهما عن استيعاب الكثافة البشرية, كل ذلك اسهم في وقوع الكارثة, ويجب ان نحدد السبب ونشخص المشكلة, بثقة البريء, وقوة المحق, فاذا قلنا ان ما حصل ناتج خطأ, فأين المخطئ؟, لقد تسرع المسؤولون, وتفاوتوا في تصور الأسباب, وتسابقوا في القاء اللائمة على الحجاج, فلوزير الحج رؤية, ولوزير الصحة الاندونيسي رؤيته, ولقائد القوات الخاصة رؤيته, ونحن امام كل الجهات المشتركة في التنظيم والمراقبة, وهي كثيرة, ومن ثم فإن كل جهة سوف تجتهد في نفي المسؤولية عن نفسها, وليس من سداد الرأي ضياع الحدث بين الجهات, فالناجون من الحجاج شهود بما علموا, والمباشرون من المسؤولين حول موقع الحدث خير من يجسد الحدث وملابساته, المهم ان يكون هناك تقص ومساءلة لتحديد المسؤولية, ووضع ترتيب لا تتكرر معه فاجعة أخرى.
وإذا لم نكن جادين وحريصين ومحصحصين للحق فإن كارثة اخرى ترقب حجاجاً آخرين, وإذا كنا نتوقع مثل ذلك في ظروف لا يعلم كنهها إلا من غالبها, وتجرع مفاجآتها, فإننا يجب ألا نسلم لكل كارثة, بدعوى أن كثافة بشرية بهذا القدر سيؤدي ازدحامها الى كوارث فادحة, وعندما نراهن على الصدق والإخلاص والتفاني والاقتدار, فإننا لا نراهن على التوفيق, ولا على نجاح الخطط, وإذا كان (الحاج) بجهله وتسرعه وتسيبه وافتراشه للأرض في المواقع الحساسة, وإذا كان (المطوف) و(صاحب الحملة) بحرصهما على إنجاز شعائر يوم النحر بسرعة البرق, ليفرغ كل واحد منهما لنفسه, وإذا كان (العلماء) الورعون بفتاواهم المتشددة يساعدون على حصول الأزمات والاختناقات, فإن على المسؤولين ان يتدارسوا الأمر كله, وبشكل جماعي, تدعي اليه الكفاءات العلمية والمهنية والمرورية من الداخل والخارج, ولا يجوز استعراض الملفات من جهات محدودة العدد والامكانيات, ليقال في النهاية: ان ذلك قضاء وقدر, ايذاناً برفع الملفات, وإذا كنا نسلم بقضاء الله وقدره, ونؤمن بأن كل شيء لا يحصل إلا بعلم الله, حتى الورقة التي تسقط من الشجرة يعلمها, وحتى دبيب النملة السوداء على الصفاة السوداء في ظلمة الليل, فإن علينا ان نفرق بين (الاتكال) و(التوكل), وفي الأثر (اعقلها وتوكل), وإذا أعطت الدولة عطاء من لا يخشى الفقر, وإذا وضعت خططاً للمرور وللراجلين, وللدفع من المشاعر, وفوّجت الحجاج, ثم خولفت أنظمتها وتعاليمها, فإن الضحية ستكون الحاج البريء الذي لا يعرف ماذا امامه, ان بامكاننا ان نتلافى المصائد الخطرة, لأنها معلومة, ومحدودة: الزمان والمكان, بل أكاد اجزم أن احلك الظروف تبدأ من الدفع من (مزدلفة) حتى رمي (جمرة العقبة) والموت الزؤوم في رمي تلك الجمرة, وعلى المسؤولين ان يرموا بثقلهم في هذه اللحظات الحاسمة, ولأنني حججت أكثر من مرة: راجلاً وراكباً ومفرداً وقارناً ومتمتعاً, وحدي او مع أهلي, قبل التوسعات وبعدها, فإنني أحس بأن الأمر قابل للحل, وأن الأخطاء في مثالية التعليمات, وتداخل المسؤوليات, وكثرة المخيمات الحكومية, وتشكيل المسؤوليات الجديدة في كل عام, وانفصال المطوفين وأصحاب الحملات عما يدار في غرف العمليات, وتهافت الجميع على إنجاز شعائرهم في صبيحة يوم النحر, وكثرة المتخلفين والمفترشين والباعة, وغياب فقه التيسير, وجهل قواعد الضرورات, وتكاد الإشكالية تنحصر في تأخير الدفع من مزدلفة ومباشرة رمي (جمرة العقبة), فالناس جميعاً والمطوفون وأصحاب الحملات على وجه الخصوص, وحتى الأفراد يودون ان ينهوا أعمال يوم النحر في أسرع وقت, ليسترخوا في مخيماتهم, وذلك بمواصلة السير, وإنهاء شعائر يوم العيد, من (الرمي) و(النحر) و(الحلق) و(الطواف) و(السعي), والعودة الى المخيم بمنى, وبهذا يكون كل شيء قد انتهى بالنسبة للحاج وللمسؤول عنه, وأسال به خبيراً, فذلك ما كنا نشعر به, ونسعى إليه حينما نحج, ولا يصرفنا عنه صارف, نخالف الأنظمة, ونتحايل على الخطط, وندفع برجال الأمن والكشافة والطوارئ, ونتنازع معهم, ونرى انهم يحولون بيننا وبين المشاعر, وإذا سقط حاج او تأذت مجموعة, أنحينا باللائمة على المسؤولين, واستبقنا الحدث نلوك ألسنتنا, وندوك ليالينا, وما من احد سأل نفسه او حاسبها على تعمد المخالفة للأنظمة, ومع كل ذلك فالمسؤولية لا يمكن ان تسقط في الأرض, لابد ان نبحث عن المسؤول, سواء كانت المسؤولية مشتركة او محددة, وسواء اسهم فيها الحاج او لم يسهم, المهم ان نعرف الخلل, وأن نحدد المسؤول عنه, وإن لم نفعل كنا كمن يرم جرحه على فساد, ومما يسوؤنا, ويغثي نفوسنا ان هذا الحدث اتاح فرصة ثمينة للحاقدين والمأجورين وسماسرة النخاسة الإعلامية, قبدل ان يأسوا او يواسوا او يتألموا أو يقدموا النصيحة, انطلقت ألسنتهم الحداد موغلة في النيل والسخرية من البلاد والعباد, مستعدية الرأي العالمي, وحين نعود إلى الكارثة وملابساتها, نجد أننا امام زمان محدود, ومكان محدود, وأداء فردي وجماعي فوري من أناس يختلفون في لغاتهم ومعارفهم وأحوالهم الصحية, وأمام تعليمات لا تطبق, ونظام لا يحترم, وتوعية لا يستمع إليها, واختلاط في المسؤوليات, وتداخل في المهمات ، وأفراد جدد جمعوا من أطراف البلاد, وكل هذه الهنات قابلة للحل, فأما ما يخص (الشعيرة) وحكم الشرع فيها, فذلك موكول أمره إلى (هيئة كبار العلماء), وقد اجمعوا أمرهم, وخولوا ولي الأمر, ولما كانت الانساك بكل اركانها وواجباتها ومستحباتها ومباحثاتها ومحظوراتها بين أيدي العلماء, ولما ان كان الاختلاف قائماً على اشده بين المذاهب عامة, وبين مجتهدي المذهب الواحد على وجه الخصوص, وفي الاختلاف رحمة وفسحة ومجال لمراعاة الأحوال والظروف, فإن على العلماء ان يتقوا الله, وييسروا على الناس, تمشياً مع قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) و(التقوى على قدر الاستطاعة) و(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ولكل قاعدة أو أمر أو نهي ضوابطه التي يعلمها أهل الذكر لا أهل الفكر, ولما كانت (جمرة العقبة) هي العقبة, ولما كان فقهاء الأمة قد وضعوا زمن اختيار, وزمن اضطرار, وزمن اداء, وزمن قضاء: فمن رماها بعد طلوع الشمس وقبل زوالها فقد رماها في وقتها, فإنهم قد اختلفوا فيمن رماها قبل الفجر او بعد الزوال: فالمالكية شددوا في ذلك, فيما أجاز ذلك الأحناف والشافعية والحنابلة, وإن كان المستحب عندهم الرمي بعد طلوع الشمس وقبل الزوال, وحجة المالكية حديث (خذوا عني مناسككم) عند أحمد ومسلم 318/3: 943/2 وحديث (لاترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) وهو في السنن والمسانيد, ومن جوز الرمي قبل طلوع الفجر, وبعد الزوال, فحجتهم حديث (أسماء) وهو في الصحاح والمسانيد والسنن, وحديث ذوي الاعذار, وحديث: (رميت بعدما أمسيت, قال: لا حرج) وهما في الصحاح والمسانيد والسنن, وما سئل الرسول في يوم النحر عن شيء إلا قال: افعل ولا حرج, وإذا كانت المسألة خلافية, فإن على العلماء, وقد شهدوا ضرورات مهلكة وشدة مرعبة ان ييسروا على كافة الحجاج ما وسعتهم خلافات الفقهاء وفقه التيسير, وبخاصة مع النساء والمسنين والمرضى, وفي أوقات الذروة, وأن يجعلوا الوقت مفتوحاً من بعد نصف ليلة العيد الى ما بعد الغروب, وأن يوجهوا الى الدفع من مزدلفة قبل منتصف الليل, والاكتفاء بالمرور بها وجمع الجمرات, اسوة بمن مر بعرفات, وكيف لا والله يقول (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) والرسول الرؤوف الرحيم بأمته يقول (يسروا ولا تعسروا), ومع أن (الحج عرفة) فقد يسر الرسول صلى اله عليه وسلم الذي لم يدرك الوقوف إلا قبل طلوع الفجر, وإذا لم تنحل المشكلة بالتيسير, فعلى الجميع اتخاذ الخطوات التالية:
الخطوة الأولى:
المصير الى التوكيل الإلزامي, للنساء والمسنين والمرضى وحمل الدول الإسلامية على توعية الحجاج.
الخطوة الثانية:
المصير الى تأخير الرمي لليوم الثالث, بحيث يسمح للنساء والمسنين والمرضى بتأخير الجمرات الى اليوم الثالث, ورمي الجمرات دون توكيل, وفي ذلك خلاف معتبر.
الخطوة الثالثة:
التفويج المزدوج, وضبطه بالضوابط التالية:
أ- تصنيف الحجاج إلى ثلاث فئات: حجاج الطوافة, والحملات, والأفراد.
ب- تفويج التحرك من المخيمات, وتفويج الدخول الى مواقف الرجم.
ج- أي وفاة تتم بسبب المخالفة يتحمل المطوف أو صاحب الحملة دية الميت.
د- التعرف على جنسيات المفوجين, ومنع أي جنسية تسبق زمنها.
الخطوة الرابعة:
منع الافتراش في مواقع الازدحام, وإيجاد بدائل, واستخدام خراطيم المياه, لتفريق المفترشين في أماكن الاختناق, وعدم مراعاة المشاعر على حساب فساد الشعائر.
الخطوة الخامسة:
تحويل الحملات الداخلية الى شركات قوية مدعومة ومدربة, ومنع التملك الشخصي للحملة, بحيث يكون لكل منطقة شركة قوية أو أكثر, ويكون لها شعار. ولسياراتها لونها الخاص, وتشكل لها مجالس مناطقية, وليس هناك ما يمنع من إسهام الدولة وشركة النقل الجماعي والمصالح الحكومية كالتقاعد والتأمينات.
وإذا كانت الإشكالية في المكان, فإن على المسؤولين النظر في أمره توسيعاً لدائرة أحواض الرجم, ورفعاً للشاخص فيها بالقدر الذي يحقق شرطي الرجم: قذف الحصوات باليد, واستقرارها في الحوض, وتحويل مكان الوقوف للرجم إلى أدوار كالمدرجات, وتهيئة مداخل واسعة وكثيرة تفصل بينها جدر بطول القامة, بحيث يدخل الحاج الطريق إليها, دون ان يعرف إلى أي الأدوار يسير, موهمة بالتجانس والتساوي والتجاور وطويلة بحيث تستوعب أكبر قدر ممكن وتوزع الحجاج على الأدوار بالتساوي, دون تدخل أو توجيه, وإذا انتهى الحجاج من الرمي, تكون لهم مخارج مماثلة لا تتسبب في تلاقي الأفواج, ورهان النجاح يتحقق بالوعي والانضباط ودقة الملاحظة وتشكيل ادارة أمنية ومرورية مستديمة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved