Friday 13th February,200411460العددالجمعة 22 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شواطئ الدنيا ... شواطئ الدنيا ...
قصة قصيرة
شموع بنت محمد الزويهري

كانت عبارة عن زهرة جورية وسط فل متناثر شاء الله أن تحتل المرتبة المميزة وسط هؤلاء الأشقاء من الذكور، فكانت بسمة المنزل وإشراقته الساطعة.
كل ضحكة أو مناغاة تصدرها بمثابة التغريد المتناهي إلى الأسماع وكأنه لمجموعة من العصافير الجميلة انطلقت عبر الفضاء في فرح..
لم تكن تعلم وهي حبيبة جدتها ما يضمره لها الغد، وتمضي الأيام وبشرى تكبر فتكبر معها أحزانها فها هي ابنة الرابعة تفقد أمها في لحظة خاطفة ليس لها ميعاد.
فتتقلب بين أحضان جدتها وأبيها فترة قصيرة لم تتعد الأشهر، لتفاجأ بوجه جديد.. قسمات غريبة لم تألفها من قبل، يعلوها العبوس والتحدي، فترتعد ملامحها الصغيرة ولا يسكن ذلك الرعب في أعماقها إلا عندما يقبل والدها فاتحاً ذراعيه لها وكأنه قرأ مئات الأسئلة التي تدور في رأسها الصغيرة محاولاً تقريبها من زوجته التي انقلب عبوسها انشراحاً ولطفاً في حضوره، إلا أن الصغيرة تصرخ وهي تتشبث بأطرافه طالبة الأمان والذهاب بها إلى والدتها.. وهي لا تعلم بأن والدتها لن ترجع فقد غيبها الموت
وطواحين الزمن تدور ..
وتفيق يوماً لترى حركة غريبة تحدث بالمنزل فتقبل نحو جدتها التي فقدت دفأها بالفراش باكراً ما إن اقتربت حتى فاجأتها غزارة الدموع المنطلقة عبر عينيها، فهمت بحسها الطفولي أن شيئاً ما قد حدث لوالدها.. الأمل الأخير.. لقد أصيب بشلل رباعي أسكنه عن الحركة بعد حادث الساعة الرابعة فجراً !
وتبكي.. ثم تبكي ولا تستطيع إيقاف ذلك الوادي المنهمر من مقلتيها الصغيرتين.. فابنة الرابعة أصبحت الآن في التاسعة من العمر وعليها أن تسير الخطى بحذر.. فاليوم لا معين لها غير الله ثم تلك العجوز الحنون.
اليوم هو الحادي والعشرون من ربيع الثاني وبهذا الرقم أتمت الخامسة عشرة من عمرها وما زالت تحاول إخفاء ما يختلج كيانها من إرهاق وروح ممزقة موهمة من حولها بأنها تعيش بسعادة وهناء !
شاء الله ان تجد نفسها وحيدة بعد رحيل أببها وجدتها...
أفاقت ذات يوم على خبر سعيد يتخلل الأحزان التي تملأ حياتها.. إنه طارق يطلب يدها.
كان أخوها ماجداً يهمس لها خوفاً من علم زوجة أبيه بالخبر وعرقلة إتمامه..
إنه شاب صالح كريم مكافح شق طريقه وجمع ماله وأسعد إخوانه..
فكان يسعى لتزويجهم واحداً تلو الآخر ويؤمن مستقبلهم برأس مال وإن كان ليس بالكبير، حتى تفرغ لنفسه وتلفت يبحث عمن تقاسمه الحياة، فما قولك؟
علت حمرة الخجل وجنتيها وابتسمت مع إمائة خفيفة كأنها غيمة صيف.
أعطى إشارة الموافقة وفرح (ناصر) بقبول طلبه وتم كل شيء وسط معارضة زوجة الأب الجائرة !!!
ودخلت بشرى حياته وتلمست جوانبها فوجدته إنساناً يحمل ما قيل عنه من الصفات وأكثر وحمدت الله كثيراً على هذه النعمة وهذا التوفيق.
مضت الأيام بهما وصار لديها خمسة براءات يملأون المنزل حركة وبهجة ومناوشات !؟!
ولكن ...؟ في تلك الليلة الغامضة تلبسها الذهول وسامرت جواً من الغربة، فقد رحل عنها عند سماعه خبر خسارته الفادحة، وبقيت وحيدة مع أطفالها تطلب من أخوته العون عندما غرقت الباخرة وهي تحمل رأس ماله ففقد كل شيء.
لم تتصور بأن يكون جزاء الإحسان النكران، عندما تنحوا جميعاً رافضين المساعدة.
خافت أن يعلن اسمه وخساراته، أصرت على المحافظة على مشاعره حاضراً أم غائباً، اجتمعت بأطفالها وشرحت لهم الوضع وختمته باستعدادهم للرحيل، فقد وجدت سكناً عبارة عن شقة صغيرة ستأويهم حتى الفرج !!!
عرضت تلك (الفيلا) الفخمة بمحتوياتها للبيع وما هي إلا أيام قلائل حتى حضر المشتري وهو يتعجب من جمال هذا المنزل وأثاثه وأناقته وكيف لأصحابه أن يبيعوه بهذه السرعة.
تنفست الصعداء وبيدها (شيك) بمبلغ خيالي لم تحلم به في هذه الظروف، خيّم الظلام على ذلك المسكن الصغير وجلست تفكر.. وتوزع المبلغ في حسبة جيدة فكانت تكتب اسم كل مدين وأمامه المبلغ حتى انتهت، وعندما راجعت ما بقي لها انتفض جسدها فقد توفر مبلغ مالي جيد بإمكانها أن تبدأ به تجارة معقولة.
توكلت على الله ونامت وهي تحلم بسداد الدين في أسرع وقت ممكن..
أشرقت الشمس وكانت فعلا شمس غد يملؤها الإطمئنان فها هي تعود برفقة أخيها من البنك بعدما أودعت آخر مبلغ مستحق على زوجها رحمه الله.
ودخلت منزلها وعلى محياها خطوط البهجة والفرح برغم انه فرح ممزوج بحزن لفقدها رفيق دربها إلا أنها أحست بانها تصرفت بما أراح ضميرها.
حادثتها صديقتها بالهاتف تعرض عليها مشغلاً بعاملاته ففرحت ولكن الفرحة دائماً لا تكتمل فقد فقدت المبلغ في سيارة الأجرة عندما استقلتها هي وابنها البكر في طريقهما إلى صاحبة المشغل.
ورجعت وهي تحاول تهوين الأمر فحدثت نفسها.
ماذا لو لم يتبق مبلغ من الأساس؟ ماذا لو لم أرزق بشاري للمنزل ؟..
وتمتمت اللهم عوضني خيراً مما فقدت..
رن جرس الهاتف وكانت صديقتها أم فيصل تستفسر عن عدم مجيئها لإتمام الصفقة مع البائعة.
حكت لها ما حصل، وعرضت عليها العمل عندها كمشرفة على المشغل لحين توفر المبلغ فوافقت صديقتها برحابة صدر وأسرعت بشرائه لوحدها وسلمته لها للإشراف عليه وتلبية طلباته.
تتالت الأيام وهي تحاول جهدها للتوفيق بين رعاية أطفاها والاهتمام بمنزلها والعمل بالمشغل.. حتى أتى اليوم الذي كانت تتهيأ فيه لحضور حفلة تخرج ابنتها الصغرى من الجامعة وهي تحمد الله بأن يسر لها الصعاب فربت أطفالها وساعدتهم حتى وصلوا مناصب عالية وسعت إلى تزويجهم وها هي (نجلاء) آخر العنقور تتوج وهي تشعر بأن في قلبها فرحاً..
فرح ممزوج بحزن ورغبة جامحة في لقاء زوجها ونفض جميع ما علق بقلبها من بذل وتضحية ونجاح.
من الغد كان عريس (نجلاء) قد حضر ووالدته للاتفاق على إتمام مراسم زفافهما.
وكأن الشهر دقائق وثوان بجانب حبيبتها الصغيرة (نجلاء) التي غادرت وزوجها سريعاً إلى منزلهما البعيد..
وتدق أجراس الصمت..
فتجلس بالشرفة المطلة على حديقة المنزل الجميل الذي استردته بعافيتها وصحتها وجمعها لكل ورقة نقدية تخصها وكان ثمنه قد اقترب إلى الضعف إلا أن أولادها الذين أصبحوا رجالاً لم ينسوا جميل والدتهم التي تمنت الرجوع إلى منزل الأحلام الوردية والذكريات الجميلة فساعدوها على شرائه مرة أخرى من مالكه الذي لم يتأخر دقيقد واحدة بعد معرفته لقصة الكفاح العظيمة ورغبته هو بالعودة إلى مسقط رأسه ليعيش ما تبقى من عمره بجانب أحفاده.
كانت تتخيله وترى نفسها شابة الأمس الجميلة بحيويتها ومرحها فتنزل إلى ذلك الركن الهادىٌ الذي كثيراً ما كان يفضل احتساء الشاي فيه بجانبها..
وتدور .. وتدور حتى أحست بدوخة خفيفة أجلستها على المروج الخضراء ففتحت عيناها لترى السماء بغيومها القطنية وتتخيل قسمات وجهه وتطبق عينيها نحوه إلى الأبد ..!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved