Friday 13th February,200411460العددالجمعة 22 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نبض المداد نبض المداد
بين نيتين
أحمد بن محمد الجردان(*)

لا تخفى اهمية النية ومكانتها، ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (انما الاعمال بالنيات، وانما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه)، وعن اهمية هذا الحديث قال الامام احمد: ثلاثة احاديث يدور عليها الاسلام: حديث عمر (انما الاعمال بالنيات)، وحديث عائشة (من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وحديث النعمان بن بشير (الحلال بيّن والحرام بين).
ولا ريب انه لا عمل بدون نية، فكل عامل له نيته، غير ان النية الصالحة تحول العادة النافعة الى العبادة، كما انها اذا فسدت - لا قدر الله - تحول العبادة الى عادة، فخذ مثلا من العادات لدينا ان يجتمع الناس بعد صلاة العيد لتناول طعام العيد وتبادل التهاني واظهار الفرح، فلو ان رجلا جاء الى هذا الاجتماع بنية التواصل مع جيرانه واقاربه وادخال السرور الى قلوبهم لاثابه الله على ذلك، وفي المقابل لو ان شابة لبست الحجاب عادة لان امها تلبسه دون ان تلبسه طاعة لله لكان لباسها لذلك الحجاب عادة لا تؤجر عليها، وقس على ذلك، فلو اننا استصحبنا النية الصالحة في كل حركاتنا وسكناتنا لاثابنا الله عليها، بل ان أكل الواحد منا وشربه ونومه ويقظته وحله وترحاله يثاب عليه كله متى ما استصحب النية الصالحة، والنية محلها القلب، قال صلى الله عليه وسلم: ( ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم، وانما ينظر الى قلوبكم واعمالكم)، كما انها الباعث على العمل، قال صلى الله عليه وسلم: (من همّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة)، فبمجرد الهمّ الصالح كان العمل صالحا يثبت به الاجر، وهذا فضل للنية الصالحة.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (الناس اربعة: رجل آتاه الله عز وجل علما ومالا فهو يعمل بعلمه في ماله، فيقول رجل: لو اتاني الله تعالى مثل ما اتاه الله لعملت كما عمل، فهما في الاجر سواء، ورجل اتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط في ماله، فيقول رجل:
لو اتاني الله مثل ما اتاه عملت كما يعمل، فهما في الوزر سواء) فأثيب ذو النية الصالحة بثواب العمل الصالح، ووزر صاحب النية الفاسدة بوزر صاحب العمل الفاسد، بل ان النية الصالحة تبلغ اجر الجهاد، فقد قال صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك: (ان بالمدينة اقواما ما قطعنا واديا ولا وطئنا موطئا يغيظ الكفار، ولا انفقنا نفقة، ولا اصابتنا مخمصة الا شركونا في ذلك وهم بالمدينة)، فقيل له: كيف ذلك يا رسول الله؟ فقال: (حبسهم العذر، فشركوا بحسن النية).
واذا غابت النية الصالحة وحلت محلها النية الفاسدة تكون النتائج وخيمة جدا، بل مهلكة، بل ان ذلك يحول المباح الى حرام، قال صلى الله عليه وسلم: (من تزوج بصداق لا ينوي اداءه فهو زانٍ، ومن ادان دينا وهو لا ينوي قضاءه فهو سارق). النية مكانتها عظيمة، وهي منطلق العمل، وهي المحرك والموجه له، ولا عمل بدون نية؛ لذا جدير بنا ان نراجع نياتنا، لا اقول كل يوم، بل قبل كل عمل واثناءه وبعده، فالنية ان صلحت قبل العمل قد تفسد اثناءه، وان صلحت اثناءه قد تفسد بعده، وهكذا فالشيطان كما ورد في الحديث: (انه يجري من ابن ادم مجرى الدم)، لذا لن يترك ابن ادم يتم عمله بصفاء نية بل سيسعى الى اغرائه واغوائه لا لشيء إلا ليفسد عليه عمله.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved