Friday 13th February,200411460العددالجمعة 22 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

« الجزيرة » تفتح ملف.. سلوكيات يرفضها الإسلام «8» « الجزيرة » تفتح ملف.. سلوكيات يرفضها الإسلام «8»
المعاكسات .. مراهقة تتحول إلى إدمان قاتل

* الجزيرة - خاص:
جاء الإسلام ليخلص البشرية من أدران الجاهلية وأمراضها، ويقوم السلوك الإنساني ضد أي اعوجاج أو انحراف عن الفطرة السوية، ويقدم العلاج الشافي لأمراض الإنسان في كل العصور القديم منها والحديث، مما حملته العصور الحديثة بتقنياتها ومستجداتها، وهو علاج تقبله كل نفس سوية، ولا ترفضه إلا نفوس معاندة مكابرة، جاهلة، أضلها هوى، أو متعة زائلة.
وقد استوعبت الشريعة الغراء كل ما قد يقترفه الإنسان من ذنوب، أو محرمات في كل عصر، سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً، أو حتى ما يعتمل في الصدور من مشاعر وانفعالات، وأبانت أسباب تحريمها جُملة وتفصيلاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة، إلا ان الكثيرين مازالوا يسقطون في دائرة المحرمات هذه، إما جهلاً، أو استكباراً، أو استصغاراً لها، أو بحثاً عن منفعة دنيوية رخيصة واستجابة لشهوة لحظية، بل إن بعض هؤلاء يحاولون الالتفاف على حكم الإسلام الرافض لهذه السلوكيات، بدعاوى وأقاويل هشة لا تصمد أمام وضوح وإعجاز الإسلام في رفضه لهذه الموبقات التي تضر ليس مرتكبها فحسب، بل تهدد المجتمع بأسره.
و«الجزيرة».. تفتح ملف هذه السلوكيات المرفوضة، تذكرةً وعبرةً ووقايةً للمجتمع من أخطار هذه السلوكيات، وتحذيراً لمن يرتكبها من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، من خلال رؤى وآراء يقدمها أصحاب الفضيلة العلماء والقضاة والدعاة وأهل الرأي والفكر من المختصين كل في مجاله..
آملين ان تكون بداية للإقلاع عن مثل هذه السلوكيات التي حرمها الله، قبل ان تصل بصاحبها إلى الندم وسوء الخاتمة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

سلمان
تعتبر المعاكسات عبر الهاتف من السلوكيات المراهقة الخاطئة التي يحرمها الإسلام، والتي قد تمتد إلى مراحل ما بعد المراهقة ليصبح خطرها أكبر وأكبر، والمعاكسات تعدٍ على أعراض الناس، وهتك لحرماتهم، وفاعلوها هم مجرمون بواقع الحال، ولذلك فان موقف الإسلام كان صارماً إزاء هذه الحالات، وإزاء مرتكبيها من خونة الأمة وخونة المجتمع، والذين عليهم ان يعلموا ان ما يقومون به سيقع في أعراضهم يوماً ما، لكن ما هي أسباب انتشار ظاهرة المعاكسات، وما لها من نتائج مدمرة على الحياة الاجتماعية، وما هو الحل والعلاج والوقاية.
***
يرى فضيلة الدكتور صالح بن عبدالله التويجري عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم ان المعاكسات سواء الهاتفية منها أو ما تكون عن طرق التجوال في الأسواق والمنتديات والمجتمعات، ما هي إلا أثر من آثار الغرب، فالتغريب نزعة ثقافية يتطلع من خلالها الشرقيون بكل إعجاب إلى دول الغرب كمثال يحتذى به في جميع مجالات الحياة، ولقد كانت لمشاركات المشايخ والدعاة في هذا الموضوع آثار إيجابية في الحد من هذه الظاهرة المذمومة، والتي تجزم أنها أثر من آثار التغريب على بلاد المسلمين، وفيها قال الشاعر:
فتنة لا تزال تضرم ناراً
كل بيت من حرها اليوم صال
ويضيف د. التويجري: ان معظم الشباب ان لم يكونوا جميعهم يعتقدون بفشل علاقة زوجية بدأت عبر الهاتف، وقد يمتد الأمر بالبعض إلى إنشاء أكثر من علاقة مع أكثر من فتاة، وفي ذلك دلالة واضحة على عدم جدية الشباب في علاقة زوجية منشأها الهاتف، لإيمانه المطلق بفشلها مسبقاً، لعدم توفر الثقة الكافية التي تسمح باتخاذ مثل هذا القرار، ويقول الشيخ عايض القرني: لا أعتقد ان رجلاً يريد شريكة لحياته وأماً لأطفاله يبحث عنها خلال الهاتف، وهو لا يستطيع ان يجزم بانها لم ولن تحدث أحداً قبله أو بعده، والعلاقة التي تبدأ عن طريق الخطأ يصعب توجيهها إلى طريق الصواب بعد ذلك، وقد تنتهي مثل هذه العلاقة بالزواج، ولكن الشك الذي سرعان ما سيدب إلى قلب الرجل مع كل رنة هاتف لمجهول أو مخطئ، قد تهدم هذه العلاقة سريعاً وتحولها إلى بركان من الشك والحيرة والعذاب والندم مما يصعب معه استمرار أي علاقة من هذا النوع، وهذا يفند مبررات بعض المعاكسين من أنهم يبحثون بهذه الطريقة عن زوجة.
ويجمل الدكتور التويجري مخاطر المعاكسات، مؤكداً انها تصل إلى الانسلاخ من الإيمان، لما فيها من خروج عن الأخلاق السامية، وسمو الأخلاق هو أحد أهم ركائز الإيمان فمتى انحرفت الأخلاق عن الفضيلة وهوت إلى الرذيلة فقد انحرف الإيمان من القلب إلى الهاوية، والتشكيك في عقيدة المسلمين ونشر أفكار الكافرين وتمجيد حضارة الغرب ووصف تشريعات الإسلام بالتخلف والرجعية، وتهوين أمر الصلاة والتكاسل عن أدائها في المساجد والانشغال عنها بالملهيات مثل متابعة الفضائيات والمباريات وما خفي أعظم، إضافة إلى التشبه بالكفار وتقليدهم والاقتداء بهم.
أسباب المعاكسات
ويرجع التويجري المعاكسات الهاتفية إلى أسباب عدة منها: ضعف الإيمان بالله وعدم استشعار مراقبة الله، ووجود وقت الفراغ بسبب توفر أسباب الراحة والرفاهية والجهل بقيمة الوقت، كذلك انتشار أجهزة الهاتف في كل غرفة بل حتى في غرف الفتيات، والضياع الذي تعيشه بعض الأسر حيث تنعدم فيها أدنى مستويات التربية الإسلامية، وتساهل بعض الأسر في قيام تكلف بعض الفتيات عند الرد على الهاتف، وذلك من خلال تعمد تنعيم الصوت، كذلك تساهل بعض الفتيات أنفسهن حيث يعتقدان ان الأمر مجرد تسلية مؤقتة تنتهي بانتهاء المعاكسة.
ويتحمل الإعلام الخارجي والتابع له، نصيب أكبر في انتشار هذه الظاهرة، وذلك عن طريق الأفلام الخليعة التي تعلم الحب قبل الزواج والتعرف على الأصدقاء، واستخدام بعض موجات الأثير لبث برامج جنسية موجهة للشباب الذكور منهم والإناث لتبادل الرسائل الغرامية للتعارف والصداقة وبث البرامج الغنائية لاختيارها وإرسالها للأصدقاء وغير ذلك من الأمور التي لا تخفى على أصحاب العقول النيرة.
ظاهرة الترقيم
ويشير الدكتور التويجري بالنسبة لحالات التساهل في رد الفتاة على الهاتف، مما يقع في بعض البيوت، مؤكداً ان الواجب والأولى أن يرد الرجل على الهاتف، إن كان متواجداً في البيت، فهذا أسلم للطرفين، ويقطع الأمر من اوله، إلا في حالة تعذر من يقوم بالرد عنها، فترد المرأة الكبيرة العاقلة أو الصبي المدرك، كما ان حالة التقليد الأعمى لما يسمع ويشاهد من الشاب والشابة، فحينما يسمع الشاب والشابة من الكلمات الماجنة الساقطة، والكلمات التي تتحدث عن الحب والغرام، فتتتشبع نفسه بها، ويحاول محاكاة ما يسمعه ويشاهده، فالمرة الأولى يتعلم، والمرة الثانية يطبق فيتفنن في أسلوبه واحتياله بعد ما كان لا يعرف شيئاً في هذا، وهنا يكمن خطر الخضوع في القول أو زيادة الكلام من غير حاجة، فالمرأة مأمورة في كتاب ربها بعدم الخضوع في القول، لأنه يوجد من في قلبه مرض، كما قال تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}، فبعض النساء تتدلل في كلامها، وتتغنج في صوتها، وهذا لا يجوز شرعاً، فأحياناً يكون هذا من غير قصد، أو أنها تزيد في الكلام من غير حاجة، وهذا يوقع في المحذور، فالكلام ما دعت له الحاجة فلا زيادة.
ويضيف د. التويجري: وللأسف ايضا انتشرت ظاهرة الترقيم، وهو ما يفعله بعض الشباب، برمي رقم هاتفه للفتيات، وهذا من وقاحة المرء وقلة حيائه، كما ان المراسلة التي تكون في بعض المجلات بين الجنسين، تحت ما يسمى بالتعارف، أو الصداقة والزمالة، هي صداقة مزعومة بنيت على شفا جرف هار، ليس فيها حدود ولا قيودi في ظل عدم وجود الرقيب أثناء خروج الطالبات ودخولهن, وغياب الإرشاد والتوجيه، وعدم التربية الصالحة في البيت، مما يجعل الشاب أو الشابة يقع في هذا الداء نتيجة الجهل أو التربية غير الصالحة، فعلى الأب والأم تبيين هذا الضرر ونتائجه، لكي يكون الابن على علم ودراية بهذا الشيء، وهناك فرق بين من تربى على المسجد والذهاب إليه، أو تربى على مائدة القرآن، وبين من تربى على المرقص والذهاب إليه، و الدش، والمكوث عنده، فمن زرع خيراً حصد خيراً، كما ان المعاملة السيئة في البيت، أم القسوة من الوالدين، يجعل الابن أو الفتاة أحياناً يهرب من واقعه الذي يعيشه إلى واقع آخر ربما ان يجد فيه ما لا يجده في بيته، وربما يقع الابن في المعاكسة وغيرها من الجرائم نتيجة قسوة الوالدين، وقد يقع أحد الابناء في خطأ واضح ويعاقبه الوالدان على هذا الخطأ، ولكن دون مراعاة لعواقب الأمور، ودون وضع العقاب في مكانه الصحيح.
ويأتي في مقدمة أسباب انتشار هذا السلوك الخبيث الفراغ القاتل، فلو كان وقت الشاب أو الفتاة مشغولاً ومليئاً بأمر دينه أو دنياه، لما وجد وقتاً يعبث فيه بالهاتف، فكم من معاكسة أولها كانت من الفراغ، ضرب الأرقام بصفة عشوائية ثم وجد شريكته صدفة، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) رواه البخاري، وقال الشاعر: إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة.
كما ان تأخير الزواج بحد ذاته مشكلة تكرس لظاهرة المعاكسات أحد الأسباب للوقوع في هذه الجريمة، فقد يكون الابن هو المسؤول عن تأخير الزواج، أو قد تكون الدراسة أو غيرها من الأسباب الأخرى، والمال، فالمال يستخدم في كثير من الجرائم بالإيقاع بالضحية، فهو وسيلة مؤثرة، فكل بيت له ظروفه المالية التي يعيشها، وربما نقص المال وتقصير الولي في الإنفاق على أهله سبب من الأسباب للوقوع في المعاكسة، فحينما تجد المرأة المتزوجة المال عند غير زوجها وتوفر كل المتطلبات لها تجد أنها تقع في شراك المعاكس، وذلك بسبب المال.
وعدم وجود الولي المسؤول في البيت، وهذا يتمثل غالباً في المطلقة، أو اليتيمة، أو المعلقة، فهو يجرئ مريض القلب على هؤلاء النسوة، كما ان السهر من الوسائل المؤدية لهذه الجريمة، فخفافيش الليل لا تظهر إلا في الليل، فهي تبحث عن ضحاياها، فالسهر يعطي لهؤلاء فرصة خاصة إذا كان يسهر بمفرده، كذلك فضول النظر، سواء من الرجل أو المرأة، فهو سهم من سهام إبليس، كما قال صلى الله عليه وسلم: (النظر سهم من سهام إبليس)، ولو امتثل لأمر الله ما وقع الشخص في هذا الأمر، والأطفال، فهؤلاء قد يستغلون من المعاكسين، وذلك بسؤال الطفل عن اسمه واسم أخته وأمه، واسم العائلة، فيجيب الطفل بكل براءة بالحقيقة، فتكون فرصة ومدخلاً لهذا المعاكس على هذا البيت، ليبدأ مسلسل الإزعاج، وأحياناً التهديد والتلفيق، وذلك عن طريق المعلومات التي يحصل عليها عن طريق الطفل، كما ان التبرج والسفور من الحالات المؤدية لهذه الجريمة، فإذا رأى الشاب المرأة المتبرجة يجعله في كثير من الأحيان يجزم بأنها لا تمانع من المعاكسة، لأن سلوكها الداخلي جسده منظرها الخارجي، يضاف لذلك وصف أحد الجنسين للآخر عند الأجانب، هذا يقع في كثير من الأحيان جهلاً من أحد الطرفين، فربما يصف الشاب أخته لزميله غير قاصد، أو الشابة تصف أخوها لزميلتها، فإذا سمعت صوته أو سمع صوتها يرسم الشيطان صورتها في مخيلته ليستمر الشيطان ليواصل خطواته بعد هذه الخطوة الأولى.
أما الاختلاط بين الجنسين، فهذا معلوم بالضرورة انه مجرة للهاوية، كما ان الزواج من غير ثقة من الأسباب التي تفسر انتشار ظاهرة المعاكسات، فإذا كان الزوج صاحب علاقات غير شريفة، صاحب سفريات مستمرة، لغرض سيىء، فإن الزوجة في الغالب تسير على نهجه وطريقته، لأنها عقوبة، وهذا يقع في الأصل على أولياء الأمور الذين لا يجتهدون في إيجاد الزوج الصالح لبناتهم، فالمسألة قد تكون عند البعض بيعا وشراء، أو بيع أثاث وهذا خطأ فادح، فالمسألة ليست بالهينة، وإنما هي حياة إنسانة لها إحساس وشعور، فعلى الولي أن يتحرى الرجل صاحب الخلق والدين فيزوجه، قال الشعبي: (من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها).
كما ان الدش وهذا يدخل أو قد يدخل في أحد الأسباب المتقدمة، حيث التقليد الأعمى لما يسمع ويشاهد، ولكن أخصه وأفرده بالذكر، لأن تأثيره سريع وعجيب، ومدمر في نفس الوقت، وهذا مما عمت به البلوى في هذا الزمان والله المستعان.
النتائج والآثار
ويقول الدكتور التويجري ان للمعاكسات نتائج وآثارا تتلخص في تقصير الشباب في التحصيل العلمي نتيجة لإضاعة الوقت في العبث بجهاز الهاتف، وإصابته بالعديد من الاضطرابات النفسية لدى الشباب المعاكس تفقده هدوءه واتزانه، بل قد تدفع به إلى ارتكاب الفاحشة والعياذ بالله، ووقوع كثير من الفتيات في الشرك الذي ينصبه لهن الشباب المعاكس، وبالتالي قد تقع فيما يفقدها شرفها وكرامتها والواقع يشهد على ذلك، وفي ذلك دمار وشتات للأسر، ومضيعة للوقت وإهداره دون فائدة، وربما يجنب صاحبه عقوبته في الدنيا قبل الآخرة بحد أو سجن، أو ما يجني من المعاكسة السفاح والعياذ بالله، بخلاف إزعاج للمسلمين، وتشويه لسمعة الشخص وسمعة أهله، وتبذير المال والإنفاق دون شعور ولأجل حبيبه صرف المال في وجه غير شرعي.
ولعلاج هذه الظاهرة يقول د. التويجري: البداية تكون بالآباء والأمهات، فنقول لكل أب وأم :احفظ الله يحفظك، يأتي بعد ذلك المراقبة للأبناء والبنات، والحكمة في التوجيه والمراقبة الحسنة، وترسيخ قيم الإسلام في نفوسهم، ومثال ذلك الخوف من الله ومراقبته في السر والعلانية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }، وقال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}، قال الفضيل: (من خاف من الله دله الخوف على كل خير)، وإشغال الوقت بما يفيد، وتوفير ولي الأمر الشيء الذي يشغل الأبناء في الوقت بالفائدة.
أما مسؤولية الأبناء والفتيات فيمكن تلخيصها في غض البصر، ولذلك يقول الله عز وجل آمراً المؤمنين والمؤمنات: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}، ومن اتبع بصره هواه هوى به في الحضيض، والمحافظة على لباس الحشمة والطهارة، ولذلك أمر الله عز وجل بعدم إبداء الزينة، قال تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، وحديث عائشة: (انه في الحج تقول: كان إذا حاذانا الرجال أسدل النساء على وجوههن الخمار)، وترك فضول الكلام في الهاتف مع أي شخص.
ويرى د. التويجري ان خلاصة كل ما تقدم أن أسباب الوهن الذي وقعنا فيه والداء الذي غرقنا فيه هو الابتعاد عن منهج الحق سبحانه القائل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}، إن الطريق الأقوم الذي لا عوج فيه هو طريق القرآن، وطريقة القرآن في القضية هي العفاف، قال تعالى:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}، وقال: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ... الآية}، وقال عليه الصلاة والسلام: (يا أمة محمد ما أحد أغير من الله ان يزني عبده أو أمته تزني يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً وبكيتم كثيراً)، وعن ابن عباس رضي الله عنه عن الني صلى الله عليه وسلم قال: (من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة ومن كشف عورة أخيه كشف الله عورته حتى يفضحه بها).
مدمنو المعاكسات
بينما يرى الشيخ إبراهيم الأخضر القيم شيخ القراء بالمسجد النبوي الشريف ان المعاكسات نوع من الوهم التكميلي لصورة مرغوبة في النفس يتم تصويرها في صورة من الأعمال المخلة بالشرف والخلق، يظن فاعلها ان هذا العمل يحقق له ولذاته ما يرى انه مكمل لنقص في شخصه، فإن كان رجلاً زعم ان هذا من متممات وعلامات الرجولة، وإن كانت أنثى حقق لها ذلك لفت النظر بصور ما تزعم انها إظهار لجزء مظلم من شخصيتها.. مشيراً أن المعاكسة ليست نحلة جديدة على المجتمع، فقد روي في السيرة ان يهودياً قام خلسة بحركة خبيثة لثوب امرأة مسلمة في السوق حتى تسقط وتنكشف، وفعلا تم له ذلك بمكره، ولما صاحت المرأة قام إليها بعض المسلمين فوافوه جزاءه على فعلته، وكانت فتنة تدخل فيها النبي صلى الله عليه وسلم لإنهائها.
ويشرح الشيخ القيم القصد من ذلك بقوله: أن هذا الخلق الدنيء ينمو بين الفئات التي تتعاطاه في المجتمع، وتتحدث به، وتتباهى بالوقاحة والصلافة، لتصورهم أنهم فريق في هذا العمل، فلا بد من إظهار مهارتهم فيما بينهم، تشجيعاً لبعضهم البعض وتباه بالإنجازات فيما بينهم، لتسهيل هذا الخلق المتردي للمبتدئ في هذا المسلك.
قصة من الواقع
ويروي القيم قصة من الواقع غير محرفة ولا مصنوعة، يقول: ذات ليلة من ليالي رمضان منذ سنوات مضت، بعد صلاة التراويح جاءني شاب كنت أعرفه وأعرف أسرته، استقبلته في البيت، وإذا به في حالة وصورة مزرية، بدأ عليه الفزغ والهلع، وعلى وجهه علامات تدل على وقوعه في مصيبة، جعلت سحنته في حالة من الفزع، فبادرته بالسؤال متأكداً وراجياً ان تكون الأمور بخير، وقال لي على الفور لقد لجأت إليك بعد الله ولا أدري إلى أين كنت متجها، ولكني وجدت نفسي عندك، لأقص عليك ما حدث لي عسى أن تجد لي مخرجاً مما أصابني، فحنت نفسي لمساعدته، وأعطيته مساحة من قلبي، وسمعي وأقبلت عليه بوجهي، وقلت :حدثني واعلم أننا إذا لم نستطع عرض الحقيقة بكل ما حوت من السيئات والحسنات فنصف دواء مغايراً للمرض فقال :إليك الحقيقة، وراح يسرد: أنا شاب امتهن بعد الهواية معاكسة النساء، واستمر هذا العمل، وأصبح شيئاً عادياً في حياتي، لا ينتابني منه خجل أو وجل، بل أصبح محبباً إلى نفسي، أجد فيه لذة وشعوراً بالزهو والتفاخر، وفي هذه الليلة خرجت إلى السوق بعد صلاة التراويح، وفي زحام السوق صادفت فتاتين، اقتربت منهما وألقيت إليهما طرفاً من الكلام فأصمتا وأعرضتا وانطلقتا، ولم أحظ منهما بطائل فانطلقت خلفهما وكلبت نفسي وراءهما، وكررت المحاولة مرة بعد مرة وكنت لا أحظى منهما بشيء غير الصدود، وازداد عنادي الذي لم يغير من موقفهما شيئا ورأيت أن الأمر يتطلب مزيداً من الوقاحة والجرأة، فأقتربت منهما جداً، ومددت يدي الى واحدة منهما متلمساً جزءاً من بدنها، وفي لحظة خاطفة التفت الفتاة وبسرعة غير متوقعة لطمتني على وجهي لطمة قوية جداً فقلت له مقاطعاً :جزءاً وفاقاً، فقال: القصة لم تنته عند هذا الحد، قلت: ماذا حصل، قال المصيبة الكبرى بعد هذه اللطمة هي التي حصلت، قلت: ما زلت لك مستمعاً فماذا حصل بعد ذلك؟ قال: لا شيء، قلت هل هذه هي المصيبة؟ قال: نعم، قلت مازحاً: هل استدعت الشرطة أو الهيئة؟ أو جمعت عليك من أهل الغيرة والحمية فضربوك ما حدث وما قدم، قال: لا، بل انطلقت هي وزميلتها وتركتني وكأنني تمثال يقف على قاعدة من الأسمنت لم استطع أن اتحرك، فقلت له: لابد أنك تعودت على الصفع من محاولات سابقة وأنت مدمن، ولا يهم أن تضيف صفعة الى أرشيف الصفعات السابقة، فقال لي: الأمر هذه المرة مختلف، فقلت: لم؟ قال: لأنني أعرف هذه التي صفعتني، قلت ومن تكون؟ قال: إنها أختي الشقيقة.
ويضيف الشيخ القيم: هذا مثال من كثير من الويلات والمصائب التي يمكن أن تجرها المعاكسات على المجتمع، سواء كانت عبر الهاتف أو التجول في الأسواق أو غيرها، وتقوى الله هي خير علاج لمثل هذه السلوكيات المحرمة، وعلى العلماء والدعاة والآباء والأمهات والمعلمين بيان خطورة هذه الأفعال وعاقبتها الوخيمة.
احترام الآخرين
من جانبها توجز د. طرفة بنت ابراهيم الحلوة أستاذ التربية الاسلامية المساعد بكلية التربية للبنات بالرياض الأسباب التي أدت الى وجود ظاهرة المعاكسة في: ضعف الوازع الديني، وضعف سلطة القيم المجتمعية التي ربت الأجيال الماضية على احترام المرأة، وعدم خدش حيائها، وسوء استغلال أوقات الفراغ من قبل بعض الشباب، وكذلك ضعف سلطة الوالدين على كل من الفتى والفتاة، ووجود السائقين الأمر الذي أدى الى استغلال الفتاة في وقت الفراغ بخروجها للأسواق.. وعلاج الظاهرة يكون بعلاج أسبابها عن طريق شغل أوقات الفراغ ببرامج تفيد الشباب من خلال انشاء نوادي، ومراكز تهتم بهذه الفئة، ومضاعفة اهتمام الوالدين بتربية الأبناء، كذلك اهتمام مناهج التعليم والمدارس بغرس القيم التي تربي الشباب على احترام المرأة، واحترام مشاعر الآخرين بصورة عامة.
ضعف الوازع الديني
من جانبها تقول الأستاذة منيرة بنت عبدالله القاسم المحاضرة بكلية التربية للبنات الأقسام الأدبية بالرياض: المعاكسات - من وجهة نظري - هي مرض كسائر الأمراض الاجتماعية التي سرت داخل كيان مجتمعنا الإسلامي اليوم، وهي مرض له اضرار واضحة على الفرد نفسه وعلى المجتمع، وتتفاوت شدة هذا الضرر ما بين أثر عارض وبين مرض عضال مستفحل يفتك بكيان الفرد والأسرة والمجتمع حتى يقضي عليه.
ولظهور هذا السلوك الذي ارتبط بفئة المراهقين والشباب بالذات أسبابه ودواعيه، وهناك عوامل ساعدت على تفشيه وتغلغل جذوره.. حتى بات للأسف سمة من سمات الكثير من المراهقين - من الجنسين -، ويمكن إجمال أسباب ظهور هذا السلوك المرضي وانتشاره فيما يلي:
- ضعف الوازع الديني، والافتقار إلى الرقابة الذاتية، وانعدام الإحساس بالمسؤولية وتقدير عواقب الأمور.
- قصور التربية داخل الأسرة، فعلى عاتقها تقع مسؤولية غرس الفضائل، والتوعية بخطورة هذه الممارسات ومخالفتها لأوامر الله سبحانه وتعالى.
- انعدام القدوة الصالحة، فقد يرى المراهقون بعض الكبار يسلكون هذا السلوك ممن يفترض في أنهم قدوة، كالوالدين أو الأخوة الكبار، أو من خلال أبطال المسلسلات والأفلام.. وغيرهم.
- توفر السبل والأدوات المساعدة على سلوك هذا المسلك كالهاتف وخاصة أجهزة الجوال، والإنترنت وكثرة الأسواق والأماكن المختلطة التي تعج بالمراهقين والمراهقات.
- تهاون أولياء الأمور في خروج بناتهم لوحدهن أو برفقة الزميلات إلى الأسواق والمقاهي والأماكن العامة وترددهن عليها، توفير أجهزة الجوال للصغيرات دون حاجة ودون توعية أو متابعة أو مراقبة.
- تساهل الأهل والمجتمع في موضوع المعاكسات والنظر إليه باعتباره أمرا عارضا ونزوة مراهقة، أو من باب التسلية واللهو، بل والأدهى من ذلك التشجيع عليه باعتباره شطارة، أو غير ذلك.
- وسائل الإعلام الأخرى، والتي عززت هذا السلوك عبر برامجها من خلال قنواتها المختلفة، حيث ينظرون إليه أحياناً كثيرة بانه سلوك طبيعي ومقبول بين الشباب من الجنسين، بل إن الأمر يصل إلى حد تعليمهم أساليب وطرق مختلفة للمعاكسات.
- التفكك الأسري، أو الرفاهية والدلال الزائد، قد تكون من الأسباب المؤدية إلى السير في طريق المعاكسات، حيث يفقد خلالها المراهقون دفء العواطف الأسرية فيلجئون إلى قلوب أخرى حانية يعتقدون انهم سيجدونها في هذا الطريق.
- تربية الأبناء على الاستهتار، وعدم احترام حقوق الآخرين والتساهل في ارتكاب المخالفات، وعدم تربيتهم على استشعار الذنوب، والتوبة إلى الله منها.
المعاكسات الخطرة
وحول الأضرار الناتجة عن تفشي هذا السلوك تضيف الأستاذة منيرة القاسم: من هذه الأضرار انشغال المراهقين والشباب - من الجنسين - بممراسة هذا السلوك الخاطئ فضلا عن تحريمه، وهذا الانشغال والانغماس فيه له آثار عكسية على نفسياتهم، وعلى عقيدتهم وقيمهم، وعلى علاقاتهم بأهلهم ومجتمعهم، وعلى تحصيلهم الدراسي، فضلا عن إضاعة أوقاتهم، وتصريف عواطفهم ومشاعرهم في غير طريقها الصحيح، يضاف لذلك ان ممارسة المعاكسات والتمادي فيها قد يقود - لا قدر الله - إلى مسالك وسبل شيطانية، حيث يزين إبليس كل ما حرمه الله لهؤلاء، بدءاً من اللين والخضوع في القول، ثم الشوق للقاء، فاللقاء وما يتبعه من محرمات، فالسقوط في الرذيلة - لا قدر الله - وهي من كبائر الذنوب.
كما ان المعاكسات خاصة بين الاقارب أو المعارف والأصدقاء، قد يصل الأمر فيها إلى قطع الأرحام، وحدوث الفضائح بين الأهل والعوائل المستورة، وقد تمتد إلى الثأر والانتقام، وإذا مارس هذا السلوك أحد الراشدين، ممن فقدوا حسهم الديني، وإحساسهم بالمسؤولية، فأصبح لا معنى للقيم والمبادئ في حياته، تكون المصيبة أعظم، حيث تسري أمراض الشك والغيرة بين الأزواج الذين يمارسون ذلك، ومن ثم يصبح هذا السلوك الذي كان تسلية في بدايته إلى معول هدم فتاك يحطم كيان البناء الزوجي، ويقطع أواصر العلاقة الزوجية، ولعل أخطر ما في هذا السلوك أيضا، ما يمكن ان يفضي إليه وينشره من أمراض اجتماعية فتاكة، ومخالفات شرعية أخرى، نتيجة تطوره، فقد يكون في بادئ الأمر كلمة أو حركة أو لمزة غير مخطط لها، فتتحول إلى لقاءات محرمة، وخيانات زوجية، وإشاعة للرذيلة.
الوقاية والعلاج
وفيما يتعلق بسبل الوقاية والعلاج لهذا المرض، تقول منيرة القاسم: الوقاية والعلاج يبدأ بتربية الأبناء والبنات على تقوى الله، ومخافته، ومراقبته في السر والعلن، واحترام حقوق الآخرين، وعدم التعدي على الأعراض عن طريق هذا السلوك المشين، وإن كانت الأسرة المسؤول الأكثر تأثيراً في ذلك، إلا أن المدرسة وكافة المؤسسات التربوية تشترك معها في تعظيم هذا الأمر في نفوس الناشئة، واستقباحه، والنظر إليه كذنب يعصي الله به، ويؤاخذ عليه الفرد، ويحاسب أمام الله سبحانه وتعالى كسائر الذنوب والمعاصي، يضاف لذلك تربية الأبناء على الغيرة على الأعراض، وهذا بدوره حافز على عدم التعدي على أعراض الآخرين بالمعاكسات أياً كان نوعها.
من الوسائل النافعة - بإذن الله - نشر الوعي بين المراهقين والشباب - من الجنسين - بشتى الوسائل المؤثرة، ولعل من المناسب ان يعرض لهم تجارب وقصصاً واقعية لما يمكن ان تؤدي إليه تلك الممارسات، لأخذ العبرة والعظة، ومن ذلك المحاضرات والندوات، ومن خلال الكتيبات والنشرات والأشرطة والقصص... الخ، مع توعية الفتاة - بالذات - بخطورة المعاكسات، وتبصيرها بما قد تفضي إليه من ضرر قد يقودها - لا قدر الله - إلى نهاية لا تحمد عقباها، فتخسر نفسها وعرضها وسمعتها، والأهم من ذلك كله خسرانها لدينها، وغضب الله عليه.
وتشير الأستاذة القاسم إلى أهمية تحقيق الإشباع العاطفي للأبناء في كافة مراحل حياتهم، حتى لا تكون المعاكسات إحدى الطرق لإشباع تلك العواطف التي لم يجدوا من يشبعها داخل الأسرة، بل يجب ان نشعرهم بالحب والمودة، وذلك عن طريق الاقتراب من الأبناء, وتلمس حاجاتهم من خلال الحوار البناء, ومد جسور الود بين الآباء وأبنائهم, حتى لا يلجئوا الى المعاكسات التي قد يكون الهدف منها البحث عن أذن تسمع, ولسان يحاور, وعقل وقلب يتجاوبان.. ومن الأهمية بمكان توضيح الحكم الشرعي في المعاكسات, وإعطائه المزيد من الاهتمام, وبيان ذلك من وجهة نظر الدين, شأنها في ذلك شأن المخالفات الأخرى التي أُلفت فيها الكتب والنشرات, حيث إن الكثير من المراهقين, بل والراشدين لا يرى في هذا السلوك أي مخالفة, ويعتبرها نوعاً من اللهو واللعب, وسبيل لشغل وقت الفراغ.
كذلك الحرص على ما يعرض عبر وسائل الإعلام مما يساعد على تفشي هذا السلوك, أو على أقل تقدير توعية الأبناء, وتعليمهم النقد الذاتي لتلك البرامج والمسلسلات, ومن المجدي أيضاً إيقاع العقوبات الرادعة, وإعلانها لمرتكبي مثل هذا السلوك, خاصة من الراشدين الذين قد يغررون بالصغيرات, باعتبارهم ممن يشيع الفساد في الأرض, ولا شك أن جلد المعاكسين في الأسواق المعمول به في بعض المناطق من القرارات التي أثبتت فاعلية كبيرة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved