Saturday 14th February,200411461العددالسبت 23 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

(الحرة) تكفيها الإشارة.. (الحرة) تكفيها الإشارة..
هل تسقط تتويلر..كما هوت تشارلوت بيرز في إدارة العقل العربي؟
د. علي بن شويل القرني ( * )

أصبح الشرق الاوسط ميدانا مفتوحا للحروب الاعلامية وساحة قتال واسعة للمعارك الثقافية.. وهذه الملاحظة ليست وليدة اليوم او السنوات الماضية بل هي قديمة قدم الاطماع الاستعمارية في المنطقة العربية والعالم الاسلامي.. فاذاعة ال(بي.بي.سي) انطلقت اول مرة عام 1922م، وبعده بسنوات تصدر بثها العربي قبل باقي اللغات الاخرى.. وخلال الحرب العالمية الثانية كانت الاذاعة الالمانية النازية تصدح في سماء العالم العربي في محاولة للتأثير على الرأي العام العربي، ثم بعد ذلك ومع مطلع المعارك الاعلامية التي افرزتها الحرب الباردة بين الشرق والغرب انطلقت اذاعة صوت امريكا واذاعات اخرى المانية وفرنسية وسوفيتية وصينية كلها كانت والكثير منها لا يزال يبث الى اليوم في محاولة لحجز مساحات معينة في العقل العربي..
ولكن الى جانب استمرار الاذاعات الموجهة - غالبا من قبل الدول العظمى وذات المصالح في االمنطقة - بدأ الاهتمام بالقنوات التلفزيونية الموجهة الى منطقة الشرق الاوسط.. وتزاحمت بشكل خاص القنوات الاخبارية، التي هي الموجه الاساسي والمؤثر الحقيقي على مجريات الاحداث في المنطقة وما يتبع ذلك من تأثير على الرأي العام العربي والاسلامي.. ونواجه حالياً في منطقتنا العربية تزاحم هذا النوع من النوات.. وقد حظيت شبكة الCNN منذ تأسيسها في الولايات المتحدة عام 1982م بريادة دولية في سنواتها اللاحقة.. ثم تلتها شبكات التلفزة الامريكية عبر شركات كيبل تلفزيونية او بث فضائي الى منطقة الشرق الاوسط.. وتوجد محطتان رئيستان من بريطانيا هما الBBC وثانيتها محطة سكاي نيوز التي تبث من لندن.. وكذلك توجد محطة اوربية مشتركة بين اكثر من دولة اوربية وبلغات متعددة من بينها اللغة العربية هي محطة اليورو نيوز.. وتوجد محطات اخبارية اخرى ايرانية وباكستانية وتركية واسرائيلية ذات صبغة اخبارية وتهدف الى حضور سياسي في المنطقة..
ومن الداخل العربي، وخلال التسعينيات وبداية هذا القرن ظهرت محطة الجزيرة القطرية، ثم النيل الاخبارية المصرية، والعربية من دبي.. وتوجد قنوات ذات قوة اخبارية ومهنية اعلامية ولكنها عامة في برامجها مثل ابو ظبي والمنار وغيرها من القنوات.. واخيراً ظهرت الاخبارية السعودية.. كل هذه القنوات العربية والدولية تسعى لأن يكون لها تأثير على مجريات الشأن العام العربي وعلى مجريات الرأي العام المحلي والعربي كذلك..
وبعد الحادي عشر من سبتمبر، التفتت الولايات المتحدة الى المنطقة العربية بشكل لم يسبق له مثيل في الاهتمام بالمنطقة والناس والعقول والسلوكيات التي تعيش في هذه المنطقة، وكأنها لم تكن تعرفهم من قبل.. ولا نريد ان نشير في هذا المقام الى اهتمامها العسكري والاقتصادي والاستخباراتي.. ولكن ما نشير اليه بشكل خاص هو اهتمامها بالشأن الاعلامي بشكل خاص.. واول ما ادركته الولايات المتحدة هو ان اذاعة صوت امريكا التي تبث برامجها الى العالم العربي لم تكن غير مجدية مع تنامي التيار العدائي للولايات المتحدة كما اظهرته استطلاعات الرأي العام في دول العالم العربي.. ولهذا بدأت تفكر في طرق وآليات وبرامج جديدة تستعين بها في هذا التوجه.. وقد تجسد هذا الاهتمام الرسمي بتعيين وكيلة في وزارة الخارجية لشؤون الدبلوماسية والشؤون العامة متخصصة بشكل خاص في كيفية ادارة العقل العربي.. وقد تعينت في هذا المنسب تشارلوت بيرز، ولكنها بعد جهود كبيرة ومضنية اضطرت الى تقديم استقالتها، وقد اعترفت قبيل هذه الاستقالة وعبر جلسات مداولات في الكونجرس الامريكي انها فشلت في مهمتها، وذكرت بالحرف الواحد، ان هناك فجوة كبيرة بين مفاهيم (من نحن، والى اين نريد ان نصل.. من ناحية، وبين اين نحن في الواقع من ناحية اخرى..) أي انها ارادت ان تقول ان هناك فجوة ضخمة وهائلة بين الواقع الذي تعيشه الولايات المتحدة - بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر - وبين الواقع الذي تريد ان تصوره عن مجتمعها وقيمها وسياساتها.. وهذه هي الاسباب الحقيقية للفشل الذريع الذي احاط بعملها في تحسين صورة امريكا في العالم العربي والاسلامي..
وقبل حوالي شهرين (16 ديسمبر 2003م)، تسلمت مكانها شخصية نسائية اخرى هي مارجريت تتويلر Tutwiler لتحاول ان تكمل مشوارها في بناء صورة ذهنية ايجابية عن الولايات المتحدة الامريكية في العالم العربي والاسلامي.. والسيدة تتويلر كانت ولمدة ستة اشهر تقريباً مستشارة للرئيس جورج بوش لشؤون الاعلام خلال العام 2001م.. وكانت قد عملت مع والده لمدة مماثلة خلال عام 1992م.. وربما ان اهم عمل قامت به قبل تعيينها الجديد هو كونها سفيرة للولايات المتحدة لدى المغرب لمدة عامين خلال الثلاث سنوات الماضية.. وكانت تعمل قبل كل هذا استاذة للاعلام بجامعة الباما الامريكية.. ومن المؤكد ان المهمة التي تواجهها بالغة الصعوبة.. وربما نسأل اليوم.. ماذا ستقدم مارجريت تتويلر من أجل التأثير على العقل العربي..؟
ونحن نعرف ان كثيراً من المشروعات الاعلامية قد نفذتها الحكومة الفيدرالية الامريكية خلال الثلاث سنوات الماضية.. ولكن من اهمها اطلاق راديو سوا عام 2002م الذي يبث برامجه الى العقول الشبابية في العالم العربي.. واطلاق مجلة ثقافية عن الحياة الامريكية توزع بكميات كبيرة في العالم العربي.. والبدء من يوم السبت بث لقناة (الحرة) الاخبارية التلفزيونية.. ويظل السؤال هل تحقق هذه القنوات نجاحا غير الجهود الاخرى التي بذلتها السفارات ومؤسسات فيدرالية اخرى بأن تؤثر على الصورة التي تحتلها الولايات المتحدة في مساحة العقل العربي؟ تظل الاجابة مبكرة ولكن الدلائل التي نستنتجها من الواقع ترى عكس ذلك، لسببين مهمين، اولهما ان هذه القنوات جاءت في محاولة منها لأن تقف امام قنوات ومؤسسات اعلامية عربية ترى الولايات المتحدة انها تستعدي الموقف الامريكي.. وهذا السبب في ذاته يعكس الحالة الدفاعية التي ستتجه اليها هذه القنوات مما ينعكس سلباً على ادائها المهني.. وثانيهما ان هذه القنوات ستسعى لأن تجسد رؤية غير الرؤية التي يراها العالم العربي عن السياسة الامريكية.. وقد اشارت الى هذه النقطة بالتحديد السيدة تشارلوت بيرز الوكيلة السابقة عندما استقالت من وكالة وزارة الخارجية الامريكية، حيث حاولت وفريق الاعلام الامريكي في سفارات الولايات المتحدة الامريكية بمنطقة الشرق الاوسط والعالم الاسلامي ان تصور القيم المثالية في الحياة الامريكية بينما يقرأ ويشاهد ويعيش الناس والعالم تحطيما لهذه القيم والمثاليات على أرض الواقع من خلال نظرة داخلية لما هو في الداخل الامريكي ولما تجسده السياسات الامريكية في الشرق الأوسط بشكل خاص.

( * ) رئيس مجلس ادارة الجمعية السعودية للاعلام والاتصال، استاذ الاعلام المشارك بجامعة الملك سعود


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved