Saturday 14th February,200411461العددالسبت 23 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المنشود المنشود
المعلم العنيف!
رقية الهويريني

بدأ التأثر واضحاً على عالمٍ بريطاني وهو يردد:(لقد اخترعتم أكبر مضيِّع للوقت في جميع العصور) بعد أن شاهد عرضاً (صامتاً) لأول عمل تلفزيوني! رأى الصحافيون في الأمر فكرة جنونية ومثيرة، ولم يعيروا لسلبياته أدنى اهتمام، إلا أنه بعد فترة قصيرة جاء التحذير من الأطباء لتأثير التلفزيون الصحي على العيون! بينما علماء الاجتماع اكتشفوا تخلي الأطفال عن اللعب مع أقرانهم بسبب تعلقهم بمشاهدة برامج التلفزيون، والحرص على مشاهدة الصور العنيفة بالذات، مما ولّد لديهم سلوكاً عدوانياً! حيث تمت دراسة أسباب زيادة السلوك العدواني وربطها بمستجدات التربية. وبعد دراساتٍ مستفيضة استمرت لعقود من الزمن توصل العلماء إلى أن منْ يشاهد التلفزيون لفتراتٍ أطول هو الأعنف! وقد كانت الدراسات نظرية في أول الأمر إلى أن قام أحد الباحثين بوضع دراسة دقيقة من خلال مقاييس استمرت لثلاثة عقود وقد كانت عينة البحث تلاميذ الصف الثالث الابتدائي، وممن يبلغون عشر سنوات فأقل، وسجل أسماء جميع التلاميذ الذين يشاهدون التلفزيون لفتراتٍ طويلة، وفتراتٍ قصيرة كذلك سجل أسماء الأطفال الذين يحرصون على مشاهدة صور العنف. وبعد عشر سنوات عاد مع فريقه ليدرس سلوك نفس الأشخاص بعد أن وصلوا لمرحلة الشباب، فوجد أن الأطفال الذين كانت تشدهم صور العنف في التلفزيون هم أكثر الشباب تورطاً في المشاكل من غيرهم! كما تابع دراسته الحثيثة، وتابع بحثه مع نفس الأشخاص بعد أن قاربوا الثلاثين من أعمارهم وحين قابلهم اتضح لديه أن من أظهروا درجة من العدوانية في سن العشرين قد اقترفوا جرائم في سن الثلاثين! وكانت أدنى درجات العنف لديهم مشاكسة زملائهم في العمل، وإبداء العصيان لرؤسائهم، وكذلك اعتمادهم على القوة الجسدية، واتجاههم للعنف مع أسرهم وأبنائهم، فضلاً عن لجوئهم إلى مخالفات مرورية وبالتالي تعرضهم لحوادث خطرة!! وبعد إتمام دراسة أحوال الطلاب بعد ظهور التلفزيون وجد أربعة عشر سلوكاً جسدياً عدوانياً ظهرت ما بين ركلٍ وضربٍ ولطم، وسلوكياتٍ عدوانية كلامية كالتهديد والإهانة والشتم!.
هذا وقد اتفق طلاب المدارس في نهاية المرحلة الابتدائية وحتى نهاية المرحلة الثانوية أنهم يُعجبون بالممثلين الذين لديهم القدرة على ضرب الناس وحتى قتلهم! وهم لا يفرقون بين الحقيقة والتمثيل، بل تستحوذ عليهم برامج المصارعة الحرة التي تُعرض عادة كبرامج رياضية! وأصبح من المعتاد أن تجد صور المصارعين تملأ جدران غرف نوم المراهقين والشباب! ومما يدعو للدهشة فعلاً حرص الآباء على أن يشاهد أبناؤهم الذكور برامج البطولات وخصوصاً المليئة بالعنف والقتل وصرفهم عن مشاهدة البرامج التربوية الموجهة للأطفال والشباب بدعوى ألا يكون سلوكهم أنثوياً فتجدهم يحضرون لهم أشرطة فيديو تُعزِّز لدى أبنائهم الشعور بالقوة الجسدية كأفلام (الكاوبوي) وهم يعتقدون أنهم يهيئونهم لمجابهة مخاطر الحياة. ولو صرفوا جهدهم نحو القوة الفكرية والعقلية لاستطاعوا توجيه الناس وقيادتهم، والفرق كبير بين قيادة البشر ومصارعة الثيران أو رعي البقر!!
وأطفالنا اليوم لديهم الاستعداد لمشاهدة التلفزيون طوال اليوم! بل إنه يكاد يقوم مقام الأصدقاء وإن شئت الآباء! وهو بالتأكيد يؤدي دور المعلم حيث يحظى بالاهتمام والانتباه من المشاهد حتى ولو اعتقد بعض الآباء والأمهات أنهم يملكون السيطرة على بعض البرامج المعروضة، وأنهم يختارون المناسبة لسنهم وجنسهم، والحقيقة أنهم يتوهمون، لأن الأبناء يتحينون أية فرصة لمشاهدة ما يُمنع عنهم ولاسيما أفلام العنف أو المشاهد المخلة بالآداب!!
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه في حين حوَّل التلفزيون أبناءنا إلى تماثيل أو مومياءات محنطة أمام شاشته لدرجة الإدمان والتبلد وضياع الهدف وهو بالتأكيد معول هدم عندما يتحول إلى آلة تضييع للوقت وصرف الناس عما يفيدهم.
تُرى ألم يحن الوقت لنشعر بالقلق الإيجابي الذي يؤدي إلى إدراك الخطر من الجلوس بين يدي هذا المعلم العنيف؟؟!!

ص.ب 260564 الرياض 11342


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved