Sunday 15th February,200411462العددالأحد 24 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شيء من شيء من
الولاء والبراء وانتهازية التوظيف!
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

في أثناء الحرب على الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، والذي تحالف فيها الأمريكيون مع المجاهدين الإسلاميين، لم نكن نسمع إطلاقاً أي ذكر لعقيدة (الولاء والبراء) التي يحاول الآن أن يتذرع بها المتطرفون الإسلاميون في حربهم المعلنة على أمريكا، كان التركيز آنذاك يقوم على حرب النظام (الملحد) السوفيتي الذي احتل اراضي إسلامية، ليصبح الجهاد والتحالف مع أمريكا فرضا على كل مسلم، رفعه البعض إلى درجة فرض (العين) وليس فرض كفاية فحسب. وكان رؤوس الجهاد في أفغانستان يتسابقون على أمريكا طلباً للسلاح والدعم والأموال والمعلومات الاستخبارية وصواريخ (ستنغر) التي فعلت العجائب في الهوليكبترات السوفيتية آنذاك. وكان ابن لادن نفسه واحداً ممكن كانوا يترددون على أمريكا، (راكناً)اليها،ومستجديا نصرتها، ولم يجد في الركون إلى الذين كفروا - وقتها - حرجاً او عيباً عقدياً!.
والسؤال : أين كانت عقيدة (الولاء والبراء) آنذاك، ولماذا كانت غائبة أو مغيبة، ولماذا لم نسمع عنها؟، وهل من المقبول (إسلامياً) أن نعطل بعض العقائد إذا كان في الأمر مصلحة، ونعيد تفعيلها إذا كان الأمر على النقيض؟. وهل عقائد المسلمين يجوز تعطيها أو تفعيلها حسب مقتضيات المصالح السياسية؟. وهل الغاية تبرر الوسيلة، حتى وإن كانت هذه (الوسيلة) تصل إلى تعطيل العقائد على اعتبار أن (الولاء والبراء) عقيدة؟. وقبل ذلك كله هل (الذرائعية) مسألة يقرها الشرع؟.
أسئلة هي في الواقع تكشفُ إلى أي مدى يوظفُ (الانتهازيون) الحركيون الإسلاميون (الحقائق المقدسة) بعد لَي أعناقها لخدمة مواقفهم السياسية، غير عابئين في اندفاعهم نحو تحقيق مصالحهم السياسية بمدى الضرر والتدمير الذي سيخلفه هذا (التلاعب السياسي) بعقائد المسلمين.
وهذا لا يعني إطلاقاً رفضي لمبدأ (الولاء والبراء) الذي هو مبدأ إسلامي صحيح بلا شك، بل إنني أراه من أهم المبادئ التي تقوم على حماية وتحصين الدولة الإسلامية من (الاختراق) من قبل أعدائها إذا ما تمحصنا أهدافه وغاياته بصورة موضوعية وتاريخية. ف(الولاء) للآخر هو في تقديري وبلغة اليوم بمثابة من يضع نفسه في موضع (الطابور الخامس) الذي هو بكل المقاييس ضربٌ من ضروب الخيانة الوطنية، وهو ممارسة مرفوضة في كل الشرائع والأعراف وليس دين الإسلام فحسب. غير أن الذي أرفضه هنا هو (التوظيف)، أو بلغة أدق: الافتئات على مثل هذه المبادئ الفاضلة، ولَي أعناقها، بتوسيع مفاهيمها ونطاق شموليتها لتتسع إلى غير ما جاءت لتحقيقه، ليصبح هذا المبدأ في التحليل الأخير أداة تفجير للوطن بعدما كان وسيلة حماية وتحصين له من الاختراق.
يقول أيمن الظواهري، أحد كبار الإرهابيين، ومنظرهم، وهو يتحدث عن الولاء والبراء ما نصه: (نهى الله عز وجل المؤمنين أن يتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء، وولجاء، يفاوضونهم في الآراء، ويسندون إليهم أموالهم. ويقال: كل من كان على خلاف مذهبك ودينك فلا ينبغي لك أن تحادثه(!) قال الشاعر:


عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي).

انتهى كلام الظواهري.
والسؤال: أين كانت هذه المبادئ عند الظواهري إبان الجهاد مع الأمريكيين ضد السوفييت، حيث لم يكونوا مجرد (دخلاء) أو (ولجاء) وإنما حلفاء يفاوضونهم في الآراء، ويأخذون منهم المشورة، ويسددون سهامهم حسب إرشاداتهم!.. أما أموالهم فلم يسندونها إليهم فحسب، مثلما يرفض الآن، وإنما يستثمرونها لديهم، ويُشاركونهم فيها، ويحفظونها في بنوكهم، ولم يجدوا حرجاً في كل ذلك!.
هنا يظهر التناقض في أبشع صوره، والانتهازية في أقبح توظيفاتها، فهل يدرك من يصفقون لهم مدى تبعثر خطابهم وضعف معاييره وتطبيقاته؟.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved