Monday 16th February,200411463العددالأثنين 25 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
الكيل بمكيالين
عبد الله بن بخيت

نتحدث عن الغرب كأنه الأب الظالم الذي لا يعدل بين أبنائه. لم نستطع أن نتوقف حتى الآن عن ترداد حكاية المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين، مع السعي دون كلل وملل لإثبات أن الغرب منحاز لإسرائيل. نقدم الأدلة تلو الأدلة، رغم أن الغرب لم ينف أبداً تحيزه ولم ينف أبداً دعمه اللامحدود لإسرائيل. لم أسمع أن مسؤولا أمريكيا تحدث في يوم من الأيام عن الحقوق العربية أو الإسلامية. في كل التصريحات التي يطلقها الأمريكان يوضحون بما لا لبس فيه أن ما يعنيهم في المنطقة هو مصالحهم وأمن إسرائيل. رغم بداهة هذا الكلام ورغم ترديده يوميا من كل مسؤول في الغرب إلا أن المثقفين العرب يسعون دون كلل إلى إثبات أن الغرب منحاز يكيل بمكيالين. أعتقد أن أكبر مشكلة يواجهها الغرب هي كيف يفهمنا بأنه يسعى إلى تأمين مصالحه وليس مصالح الكون. إنه يدير الكون لمصلحته وليس لمصلحة كل ساكنيه. كل شيء في هذا الكون يجب أن يتكيف بما يخدمه ويخدم ازدهاره. وهذا سلوك إنساني لم يخترعه الغرب. سلوك التاريخ. مصالح القوي هي المعيار الأخلاقي الذي يحتكم إليه الناس. هي التي تقاس بها الأمور.
مهما لفّت في أطر وأغلفة زاهية، فالكلمة النهائية للمصلحة وليس للأخلاق ومعايير العدالة المطلقة. والغرب لا يتصرف في العالم بصفته الأب الظالم أو العادل، وإنما يتصرف ككتلة من هذا العالم؛ فمدى امتداد معاييره لا تحكمه الأخلاق وإنما قوة الطرف الآخر. عندما قررت تايوان إجراء انتخابات تقود إلى الانفصال حذر الرئيس الأمريكي حليفة بلاده من اتخاذ أي إجراءات تقود إلى الانفصال عن الصين الأم؛ فمعاييره في هذه القضية تكيفت مع قوة الصين العسكرية والاقتصادية؛ فحجم الجيش الصيني والتبادل التجاري الضخم بين بلاده وبين الصين لم يجعلا المستر وولفتز ورئيسه رامسفيلد يقدمان مشروعا بغزو الصين، بل جعلا الرئيس الأمريكي يؤمن بحق الشعب الصيني في الوحدة.
السوق الصينية هي ثاني أكبر سوق في العالم بعد أمريكا والرئيس الأمريكي ومستشاروه يفهمون هذا المعيار الأخلاقي العظيم ويلتزمون به أشد الالتزام؛ فمعابد الشركات الأمريكية هي التي تكتب الوصايا الأخلاقية التي يجب أن يلتزم بها سيادة الرئيس ومعاونوه. عندما رأى كتاب الوصايا أن نفط العراق أصبح فريسة سانحة صيغت الأخلاق وأعدت الأدعية والأوراد، وجاء الجيش الأمريكي بكل عتاده وقوته لإرساء هذه الأخلاق العظيمة، بدءاً بالعراق وانتهاء بالمنطقة كلها. فمن يعجز عن حماية وإدارة ممتلكاته وما حباه الله من خيرات لن يعدم آخر ينتزعها منه ويستفيد منها.
تجربة العراق ليست الأولى في التاريخ ولن تكون الأخيرة، بل هذا هو سلوك التاريخ الطبيعي. الغرب لم ينصّب نفسه أباً لأحد، ولم يبعث بأبنائه على ظهور السفن العسكرية لحماية المساجد والمعابد، وإنما يتصرف كزعيم يجب أن تمتثل له الشعوب الأخرى، وأن تعدل سلوكياتها وفقاً لمصالحه. الأمم التي تريد أن تحمي نفسها منه لا تلجأ إليه لإعطائها حقوقها وإنما تلجأ إلى نفسها تبحث عن مكامن القوة في داخلها. عليها أن تسعى بقوة للدخول في العصر الذي يسيطر عليه الغرب. لا تهرب إلى العنتريات أو إلى الماضي الذي لن يعود أبداً؛ فالتاريخ ليس له سوى وجهة واحدة لا يمكن الخروج عنها إلا لمن أراد أن ينتهي كالعراق أو كأفغانستان.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved