Tuesday 17th February,200411464العددالثلاثاء 26 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

صور من الصحراء صور من الصحراء
جوانب من بطولة الملك عبدالعزيز في نظر احد المستشرقين

الملك عبدالعزيز وحديث عنه للمستشرق جرمانوس عبدالكريم جرمانوس المجري الأستاذ في جامعة بودابست حج مرات بعد إسلامه وعرف الملك عبدالعزيز فتحدث عنه بما يشبه أن يكون شعرا، قال:
تمثل الصحراء لمن يحس فيها حرارة الشمس وصفاء السماء وابتعاد غاية الأفق وخشونة الأديم في صفحتها الرملية التي تسجل خطوات العابر عليها تسجيلا رشيقا تمثل هذه الصحراء مظاهر الرجولة التي تبدو عليها طراوة اللين، وإنما تستقر في أطوائها صراحة الحياة، وهذه الصحراء كما تمثل الرجولة الكاملة احتوت صفحتها على من يمثل الرجولة العربية من بني الإنسان، فالملك عبدالعزيز بن سعود يمثل هذه الرجولة النادرة لأنه خلق ملكه من العدم مستندا إلى سيفه الذي حركه دين الله.. أجل ابن مسعود حقيق بأن ينفخ في من يتأمل وثبته أنفاسا مضمخة بالإعجاب الكثير.
خرج من نجد حيث الشرق بإشراقه واستقر في الحجاز حيث الحياة بمعانيها النبيلة السامية، وصدر عن (الخيمة) التي تذوب أحاسيس الأوروبي في سحرها النافذ، ومضى يستقبل بعيدا عنها ملكا أقامه إلى جانب البيت الحرام.. إن له عقلية الرجل الذي لا يريد أن يصبر على المقام في أطواء حياة ضيقة الصدر، فهو حين مضى من الشرق إلى الغرب عن مألوف التوقعات الجغرافية - فإنما مضى كذلك بعقله من الشرق إلى الغرب لا في أكناف هذه الجغرافيات وحدها، بل في ظل معنويات المدينة الحديثة مع شديد حرصه على أن يظل الطابع الشرقي أصيلا وفي مقدمة الصفوف، ولقد هدته العقلية الممتازة إلى أن يخرج رويدا رويدا من أضواء الشموع إلى أنوار الكهرباء، ومن امتطاء الجمال إلى الدخول في بواطن السيارات، وانه ليقف بذلك على قدمين إحداهما ثابتة في الصحراء حيث القوة الأصيلة في غرائز العرب، وحيث الصراحة البالغة في طبائعهم، وحيث البساطة والتدرج وملابسة الحياة بالوجه المكشوف، بينما تثبت قدمه الثانية على مخترعات العصر الحديث التي استغلها أروع استغلال للدفاع عن الحرمين إذا شاءت نهامة العادين أن تسعى إليهما بسوء.. ثم استغلها إلى جانب ذلك لرعاية الأمن العام في الحجاز رعاية هي بلا ريب حديث الذين عرفوا الحجاز منذ ما اختلفوا إليه وألموا بما كان يعتور صفاءه من جسام الأحداث. أتيح لي أن أرقب الملك العظيم وأبدأ رصد خصائصه في تلك اللحظات التي اختلفت فيها إليه، كما أتيح لي أن أقرأ عنه شيئا كثيرا من فصول كتبها المقرظون لهذه الخصائص كما كتبها القادمون فيها، فخرجت من هذا كله وأنا عميق الإيمان بأني منه حيال رجل ناهض الفكر سديد التقدير لما يطوف حوله. نعم فهو رجل متقدم في فكره لا ينسى أن جذوره ثابتة في بلاد العرب، ولا ينسى أنه لا يمكن أن يتقدم الشعب الآمن من تلقاء نفسه دون إنكار منه لهذه الصفات والكيفيات الشعبية التي تربط الناس بأرضهم كما تربط الجذور الشجر بالأرض تأخذ منها القوت والماء.
ابن سعود بطل بما تسعه هذه الكلمة القصيرة من معانٍ، فقد جُرح أربع عشرة مرة في حياته التي قضاها دون خشية من أحد إلا من الله العلي القدير، وهذه الجروح تؤكد لنا حقيقة البطولة في قلبه الذي قدّ في الشدائد من صخرة.. وهو بعيد عن تلك لين هين سهل تحمل دخائله ما تحمله القلوب التي تدري كل شيء في الحياة. ولقد أحصيت وأنا أتأمله بأناة ودقة جملة ما يشع من عينيه من ظواهر الصفات التي تفصح عنها بعض العيون فإذا أنا من هاتين العينين حيال بريق تخرج منه الجرأة النادرة النافذة الآسرة، ولكن الجرأة والإرادة تحوطهما أضواء كثيرة للدلالة على ما فيه من خصائص الطيبة والمحبة.
ولقد استروحت في أحاديثه العواطف التي تصدر عن أدب يحيط ابنه بجليل سجاياه حتى يتأثرها ويحتذيها، وكانت هذه الأحاديث دلالة قوية على أني أجلس إلى رجل غربي التفكير مع ما هو مفطور عليه من إغراق في رعاية الجانب الديني وتسويده على مشاعره جميعاً.
وهكذا مستني وأنا أصافحه تلك الرهبة التي تمس العارف بأقدار الأبطال حينما تكون يده ملء يد البطل.
نعم، الملك ابن سعود هداني وأنا أصافحه إلى أنني أضع يدي في يد بطل من أكبر أبطال العالم في الجيل الحديث.

المصدر
شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز (ص 587)
تأليف: خير الدين الزركلي.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved