Sunday 22nd February,200411469العددالأحد 2 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الأمير سعود الفيصل في محاضرة أمام ندوة العلاقات الأوروبية - السعودية: الأمير سعود الفيصل في محاضرة أمام ندوة العلاقات الأوروبية - السعودية:
التغيير للإصلاح ضرروة ملحة في العالم العربي.. ويجب أن ينبع من الداخل

* بروكسل - واس:
أكد صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية أن المملكة العربية السعودية واجهت عبر تاريخها الحديث العديد من التحديات الصعبة واستطاعت أن تتصدى لها بكل ثبات من خلال تطوير قدراتها الذاتية وتبني المتغيرات دون الإضرار بنسيجها الاجتماعي. وبين سموه أن الفكر السياسي الإسلامي يرتكز أساساً على مراعاة مصلحة الأمة وأن الإسلام يعتبر صمام أمان للحد من التطرف والفوضى.
جاء ذلك في محاضرة لسموه أمام ندوة العلاقات الأوروبية السعودية في مركز السياسات الأوربية في بروكسل.... وفيما يلي نص المحاضرة..
أصحاب السعادة.. الحضور الكرام..
إنه لمن دواعي سروري أن أكون بينكم اليوم مخاطباً مركز السياسات الأوروبية وبداية أود أن أعرب عن شكري لأولئك الذين عكفوا على تنظيم هذا اللقاء وإتاحة الفرصة لتعزيز سبل التفاهم وبحث أطر التعاون المشترك بين المملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي وكذلك مع العالمين العربي والإسلامي.
إن بلورة شراكة قوية وعملية فيما بيننا تبررها حقائق التاريخ والجغرافيا ومقتضيات المنطق فضلا عن المصالح المترتبة على حرية التجارة والعولمة الاقتصادية والتقدم التكنولوجي باتت تحتم علينا هي الأخرى زيادة الاتصال والحوار الصريح لتمكن من فهم بعضنا البعض بشكل أفضل خاصة في ظل التحديات التي فرضتها علينا الأحداث الجسيمة التي تمر بها منطقتنا والتي أفرزت العديد من المفاهيم الخاطئة والافتراضات والمواقف المسبقة في الجوانب السياسية أوالثقافية أو الدينية والتي ينبغي علينا مواجهتها لتفادي تأثيرها السلبي على مستقبلنا. ويسرني أن استعرض معكم اليوم بعض الاقتراحات والرؤى سعيا لتحقيق هذه الغاية.
بادئ ذي بدء أود التأكيد على قناعتنا الراسخة بأن التغيير والإصلاح يعتبران ضرورة ملحة في العالم العربي إذا ما أردنا لطموحاتنا الصادقة نحو التقدم والتطور أن تتحقق وأن الإصلاح يجب أن ينبع من الداخل لضمان رفاهية المواطنين والاستجابة لتطلعاتهم نحو مجتمع مزدهر تسوده مبادئ العدل والمساواة في الحقوق والواجبات كما أنه من المهم التأكيد هنا على أن الإسلام بوصفه ديانة وثقافة وأسلوب حياة ينبغي أن يضطلع بدور محوري في المحافظة على عرى التماسك الاجتماعي والسياسي ولا سيما في هذه الفترة المضطربة. وعلى هذا الأساس بادرت المملكة العربية السعودية في غضون السنوات الماضية بتبني مشروع إصلاحي يهدف إلى تحقيق مستقبل مشرق لمواطنيها واتسمت عمليات الإصلاح بالشمولية في الطرح والتكامل في التنفيذ والبرمجة في التوقيت آخذين في الاعتبار حقيقة أن الإصلاحات الجزئية والمحدودة لا تكفي لمواجهة التحديات أو لبلورة تطلعاتنا المستقبلية. ومن هذا المنطلق فقد وضع البرنامج الإصلاحي خطط شاملة تغطي الجوانب السياسية والقانونية والإدارية والاقتصادية والتعليمية في ذات الوقت.
فعلى صعيد الإصلاحات السياسية انتهت الدولة من وضع النظام الأساسي للحكم الذي ينظم حقوق المواطنة ويحدد واجبات ومسؤوليات الحكم كما تم إنشاء عدد من المؤسسات السياسية ممثلة في كل من مجلس الشورى ومجالس المناطق ووضع جدول زمني للانتخابات البلدية. وفيما يتعلق بالإصلاحات الإدارية فقد اشتملت على إعادة بناء الهياكل الإدارية للدولة مثل المجلس الأعلى للبترول والمعادن إضافة إلى إنشاء مؤسسات جديدة مثل المجلس الاقتصادي الأعلى والهيئة العامة للاستثمار والهيئة العامة للسياحة. وقد حظي النظام القضائي بالمملكة باهتمام أساسي من الدولة من خلال صدور نظام الإجراءات القضائية ونظام المرافعات الشرعية وإنشاء هيئة مستقلة للتحقيق والإدعاء العام. واشتملت الإصلاحات التنظيمية للمملكة على أكثر من خمسة وعشرين تشريعا حديثا في مجالات الاستثمارات الأجنبية والتأمين والأسواق المالية والضرائب ومكافحة غسيل الأموال والمخالفات المالية إضافة إلى استحداث عددٍ من الإجراءات لمكافحة الفساد.
وفي إطار الإصلاحات الاقتصادية تم إنشاء عدد من الهيئات التنظيمية لتسريع سياسات الخصخصة في قطاعات الاتصالات وتقنية المعلومات والمياه والكهرباء إضافة إلى إنشاء المناطق الصناعية والتقنية والأسواق المالية. وانطلاقا من سعي المملكة العربية السعودية الجاد للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية فقد أبرمت في هذا الصدد عددا من الاتفاقيات الثنائية ومن ضمنها الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي. وإدراكا من المملكة للحاجة إلى الإصلاحات الإقليمية فقد ساهمت بفعالية في إنشاء الاتحاد الجمركي في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية كما تقدمت بمشروعها الإصلاحي الشامل لجامعة الدول العربية والذي يؤكد على تبني خطوات عملية لإتمام إنشاء منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى بحلول عام 2005م. ومن نافلة القول إن نشير إلى أن الإصلاح ليس هدفا في حد ذاته بل هو وسيلة لتحقيق الهدف ولضمان فعالية واستمرارية الإصلاح ينبغي توخي العديد من الاعتبارات ومن أهمها ..
1 - يجب أن تلبي الإصلاحات المتوخاة الاحتياجات الأساسية للمجتمع.
2 - يجب أن تحظى الإصلاحات بالتأييد الشعبي والإجماع بقدر الإمكان.
3 - أن تأخذ الإصلاحات في اعتبارها الإجراءات النظامية والتوقيت المناسب لضمان انسيابيتها وعدم حدوث أي نوع من الإرباك الناتج عن التغيير المفاجئ الذي قد يؤدي إلى خلق بعض المعاناة للمواطنين.
فالإصلاح ليس مجرد شعار أو حقل تجارب للمغامرين بل يستلزم ضمان قابليته للتطبيق والاستمرارية على أرض الواقع.. وفي هذا الإطار فإن المملكة العربية السعودية تعمل على استشفاف وتبني الإصلاحات المطلوبة بدلا من فرضها من أعلى مع الأخذ في الاعتبار أهمية استيعاب الإصلاحات للرؤى والاتجاهات المتعددة السائدة في المجتمع مع المحافظة على الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي.
وبناء عليه فقد أنشأت الدولة مركز الحوار الوطني لتأصيل مبدأ الحوار الجاد تجاه مجمل القضايا والتي من ضمنها تطوير مستوى التعليم وظاهرة العنف والتطرف ودور المرأة في التنمية والتطوير المؤسساتي ويستند هذا الحوار الوطني على مبادئ التنوع في الرؤى والتسامح في الطرح وعقد المركز بالفعل جولتين ناجحتين من الحوار شارك فيهما ممثلون من كافة مناطق المملكة والتيارات الفكرية المتنوعة وفعاليات المجتمع المتعددة بالإضافة إلى المشاركة الفعّالة للمرأة السعودية.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى إنشاء الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان والتي تمتلك حق مساءلة أجهزة الدولة حيال أي شكوى ضدها أو انتهاكات من قبل هذه الأجهزة مع ضمانة استقلاليتها الذاتية التامة. تستند جهود المملكة الإصلاحية بشكل رئيسي على تطوير الموارد البشرية بما في ذلك العنصر النسائي ففي الستينات قدمت المملكة أول نظام تعليمي حديث للمرأة وذلك على الرغم من المعارضة القوية من التيار التقليدي واليوم فإن ما يشهده المجتمع السعودي من انفتاح تبرزه الحقائق التالية..
49 في المائة من إجمالي عدد 3 , 4 مليون طالب في التعليم العام من الإناث.
إن عدد الطالبات في المرحلتين الثانوية والجامعية يتجاوز عدد الطلاب الذكور.
إن أكثر من ثلث الوظائف المدنية في الحكومة مشغولة من قبل العنصر النسائي وقد لا تختلف هذه الإحصائية عما هو قائم بالفعل في بعض الدول الأوروبية.
وإلى جانب التطور في قطاع التعليم فقد حظي قطاع الصحة بنفس التقدم حيث ارتفع معدل الأعمار من 54 سنة في العام 1975م إلى 71 سنة في العام 2000م الأمر الذي وضع المملكة في مصاف أعلى ثلاثة دول من حيث معدلات الزيادة في الأعمار في العالم وذلك بناء على إحصائيات الأمم المتحدة كما أن قطاع الاتصالات شهد طفرة مماثلة في عدد الخطوط الهاتفية التي بلغت ما يقارب من 11 مليون خط بمعدل 47 خط لكل مائة نسمة وما يقارب المليون مشترك في خدمة الإنترنت وتعد المملكة من أكبر الدول التي تمتلك خدمة التقنية الرقمية في العالم العربي الأمر الذي مكن المواطن السعودي من الاتصال بنظرائه في العالم بكل حرية عبر بيئة الاتصالات المفتوحة ولا تزال الدولة سائرة قدما في سياساتها الرامية إلى إزالة أية معوقات للوصول إلى المعلومات. وتتميز هذه الإصلاحات بالسير في خط تصاعدي من خلال التطبيق التدريجي لخطواتها وذلك على الرغم من أن البعض يرى أن التدرج في التغيير قد يبدو بطيئا أو أقل إبهارا للآخرين ولكن إذا أردنا للإصلاحات أن تدوم وتكون ذات فعالية فإنه ينبغي أن تلبي تطلعات الشعب وأن تحترم إرادته مع الحفاظ على التماسك الاجتماعي الذي يحقق وحدة الوطن.
لقد واجهت المملكة عبر تاريخها الحديث العديد من التحديات الصعبة واستطاعت أن تتصدى لها بكل ثبات من خلال تطوير قدراتها الذاتية وتبني المتغيرات دون الإضرار بنسيجها الاجتماعي.
ففي الخمسينات والستينات من القرن الماضي قال لنا من يُعرفون بالخبراء أن الأنظمة الثورية في المنطقة سوف تؤدي إلى انهيار دولتنا وفي السبعينات والثمانينات قيل لنا أن عوائد النفط سيكون لها تأثير سلبي ودائم على مجتمعنا وستخلق حالة من عدم الاستقرار المستمر لتركيبتنا الاجتماعية والسياسية وفي العقد الأخير من القرن الماضي قيل لنا أن التهديدات الخارجية المصاحبة للانخفاض في عوائد النفط ستهدد بقاءنا كدولة مستقرة ومتنامية والآن يُقال لنا أن مجتمعنا عبارة عن خليط من المتزمتين والمتطرفين والذين لا يستطيعون تعريف مشاكلهم من الصعب عليهم حلها ولا تزال التنبؤات المتشائمة المتعلقة بمصير نظامنا مستمرة في الطرح على نحو اعتباطي وجائر. وبلا شك فقد واجهت المملكة تحديات جسيمة في الماضي كما أن التطورات الراهنة تطرح علينا العديد من التساؤلات الجادة غير أن دروس التاريخ ودلالاته تضع علامة استفهام كبيرة للسيناريوهات المتشائمة لهؤلاء الخبراء نتيجة لسوء تقديرهم وفهمهم الخاطئ لمدى صلابة المملكة العربية السعودية في مواجهة التحديات وقدرة المجتمع السعودي على التكيف والإبداع والحقائق تتحدث عن نفسها. فنحن باقون هنا وسنظل على هذه الحال بمشيئة الله.
أصحاب السعادة الضيوف الكرام..
لا مراء أن هنالك حاجة إلى الإصلاح في العالم العربي بيد أن السوابق التاريخية تؤكد لنا فشل محاولات التغيير من الخارج ولعل خير مثال على ذلك هو فشل الحقبة الاستعمارية في العالم العربي التي اتسمت بانتهاج السياسات المنسجمة مع المفهوم الاستعماري لعبء الرجل الأبيض كأسلوب للتحضر إن هذه السياسات لم تسهم سوى في تأخير التنمية في المنطقة وتأزيم أوضاعها وينطبق ذلك تماماً على الحالة التي تحاول فرض تجربة تاريخية مختلفة على الأوضاع السائدة في العالم الإسلامي أو المملكة العربية السعودية. ولنأخذ موضوع العلمانية على سبيل المثال والتي يستند إليها الغالبية العظمى من النقاد الذين يعتمدون على التجربة التاريخية الغربية لفصل الكنيسة عن الدولة ويريدون تطبيقها على امتداد العالم الإسلامي والمملكة وبدون أدنى شك إن محاولة فرض هذه السابقة التاريخية على عالمنا الإسلامي لايتواءم مع حقائق الواقع الديني والتمسك به وبتعاليمه وقيمه. ففي المجتمعات الإسلامية فإن الدين لا يشكل أساسا للحكم الثيوقراطي بل هو أداة ضبط أخلاقي ضرورية ضد إساءة الحكومات لاستخدام سلطتها كما أنه يتيح للمسلمين تعميق مزايا الترابط الاجتماعي في إطار الأمة ولا ينبغي التقليل من هذا العامل الحيوي لتماسك المجتمعات الإسلامية.
ومن هذا المنطلق فإن مقترحات التحول الفوري نحو العلمانية لن تؤدي في النهاية إلى فصل الدين عن الدولة بقدر ما سينتج عنها من اضطرابات تتيح للمتطرفين والمتزمتين العمل على ملء الفراغ الناتج عنها. وفي الواقع فإن الأصوليين الثوريين في العالم اليوم بشتى مظاهرهم هم نتاج الاتجاهات العلمانية الغربية وتأثيرها الثقافي بما تنطوي عليه من قيم التمرد والنزوع نحو الفردية أكثر من كونهم نتاج التعاليم والقيم والتقاليد الإسلامية حيث إن مفهوم الفردية لا يجد تأطيراً سياسيا في الفكر الإسلامي على امتداد التاريخ الإسلامي بل إنه يعتبر مدعاة للفتنة والردة فالفكر السياسي الإسلامي يرتكز أساسا على مراعاة مصلحة الأمة ومما هو جدير بالملاحظة تأثر معظم معتنقي الفكر السياسي الإسلامي المتطرف (بل وتقليدهم) للأيديولوجيات الراديكالية التي سادت في العالم الغربي في القرن الماضي. لذلك فإن الإسلام يعتبر صمام أمان للحد من التطرف والفوضى وينبغي ألاّ نسمح لمجموعة صغيرة من المارقين تشويه صورة هذا الدين العظيم وتجريد أهله من أقوى أسلحتهم ضد التطرف والعنف كما أن الفكرة السائدة في الغرب بأن الدين يقف عائقاً أمام المسلمين ويمنعهم من التطور ليست فكرة خاطئة فحسب بل إنها تضع المسلمين في قوالب نمطية عتيقة وبالية تصفهم بالتخلف الحضاري والنهج غير العقلاني مما يستدعي ضرورة جذبهم عنوة نحو اعتناق مبادئ الحضارة الغربية على زعم اتسامها بالمنطق والعقلانية والحقيقة تؤكد من جانب آخر أن تركة الحقبة الاستعمارية في العالم العربي تمثل برهاناً صارخاً على فشل الحلول المستوردة من الخارج.
أصحاب السعادة الضيوف الكرام.. إن التنمية البشرية والازدهار الاقتصادي هما المفتاح نحو مستقبل أفضل للشرق الأوسط ويمكن للمجموعة الأوروبية والعالم العربي أن يحققا مكاسب عظيمة ببلوغ هذه الغاية وأن أي جهد في هذا المسعى من شأنه أن يعضد تعاوننا نحو تحقيق السلام والاستقرار في هذا الجزء المضطرب من العالم. ومن الأهمية بمكان العمل على وضع نهاية للاحتلال ودوامة العنف والتطرف والإرهاب ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا بفهم أعمق وحسن نية وتبني سياسات عادلة والالتزام بتنفيذها. ويتعين علينا الحيلولة دون ترك المجال لهذه الأقلية من الإرهابيين والمتطرفين لتملأ عقول شبابنا بالكراهية والحقد والصور النمطية فقد آن الأوان لنضطلع بمسؤوليتنا المشتركة إزاء ذلك. إن الشباب العربي باعتباره يمثل أغلبية المجتمع العربي يمتلك العديد من السمات المشتركة التي تجمعه بنظرائه الأوروبيين فجميعهم يلتقون عند نفس الآمال والتطلعات لمستقبل أفضل وتغمرهم ذات التمنيات والأحلام وتراودهم نفس المخاوف والهواجس وفي أغلب الأحيان نجدهم يشاهدون معاً نفس القنوات التلفزيونية ويقرأون ذات الكتب ويتصفحون نفس مواقع الإنترنت وانطلاقاً من هذه القواسم المشتركة يجب علينا العمل على دحر الأفكار المتزمتة السائدة في كلا الطرفين التي تحض على الكراهية والتطرف والإرهاب والعنصرية.
إن نجاح المتطرفين في كلا الجانبين يمكنهم من خلق هوة تباعد بيننا مما يتطلب منا أن نؤكد على المصالح المشتركة التي تجمع بين الأوروبيين والعرب وذلك بزيادة فرص التفاهم المشترك وتشجيع الاتصالات الإنسانية وتحديد المجالات المتعددة والواسعة للتعاون فيما بيننا والعمل على كسب عقول الشباب وقلوبهم الأمر الذي من شأنه أن يجعلنا أكثر تفاؤلا بمستقبلنا. ونستطيع أن نعطي هذه العملية دفعة قوية إذا تضافرت جهودنا للعودة إلى طريق مفاوضات السلام ذلك أن الحل المفضي إلى إقامة دولتين لإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي يعتبر حلاً واقعياً وملحاً ولن يتسنى لنا بلوغ هذه الغاية من خلال إلقاء اللوم على الفلسطينيين وحدهم لأن ذلك يتنافى مع العدل والإنصاف من جانب كما أنه يتعارض مع حقائق الأمور.
وكما تعلمون فقد طرح صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد مبادرة سلام حظيت بإجماع الدول العربية في قمة بيروت وتشكل هذه المبادرة خطة سلام واقعية يمكن أن تكون مكملة لخارطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية وعلينا أن نسخر جهودنا للمضي في عملية السلام خاصة في ظل الظروف الراهنة التي نلاحظ فيها نشاطا قويا من المجتمعات المدنية في طرفي النزاع تدفع الرأي العام فيهما نحو قبول التسوية السلمية ويجب ألا نسمح بضياع هذه الفرصة الثمينة. إن إعادة احتلال الأراضي الفلسطينية ومواصلة سياسة الإذلال اليومي لسكانها وبناء المستوطنات والجدران العازلة من أجل فرض حقائق جديدة على الأرض من جانب واحد وتنفيذ سياسة الاغتيالات وهدم المنازل والتوسع في إقامة المستوطنات وحواجز الطرق وحتى أشجار الزيتون لم تسلم من الاقتلاع كل هذه الممارسات المعادية تعتبر غير قانونية بموجب اتفاقية جنيف كما أنها تجعل من الصعوبة بمكان على أي حكومة فلسطينية أن تعمل بشكل فعال ناهيك عن اتخاذ القرارات الصعبة المطلوبة أو إقناع الفلسطينيين بجدية التزام الطرف الآخر بالسلام.
وفيما يتعلق بالعراق فهناك حاجة ماسة إلى التعاون الدولي يرتكز على الوفاء بالمتطلبات الفعلية والملحة للشعب العراقي وفي هذا الصدد يجب تشجيع مشاركة كافة الدول القادرة على المساهمة في هذا المجال على أن يتم ذلك تحت مظلة الشرعية الدولية ممثلة في الأمم المتحدة.. إن الشعب العراقي الذي عانى الكثير عبر العقود الماضية يستحق الاستقرار والحرية والازدهار وان تحقيق هذه المتطلبات لن يتم إلا من خلال نظام سياسي تمثيلي واسع يستند على الوحدة الوطنية بدلاً من الطائفية أو الانقسامات العرقية. وليس من العسير علينا أيها السيدات والسادة العمل من أجل وضع حد لانتشار المعلومات المغلوطة السائدة فيما بيننا وأن نحترم تاريخ وثقافة كل منا والعمل على إزالة الصور النمطية والتفرقة العنصرية وتوعية شعوبنا بأهمية التعاون العربي الأوروبي بما في ذلك التعاون فيما بيننا لإحلال السلام في منطقة طالما مزقتها الاضطرابات وإن ذلك كله سيوفر لكلانا فوائد جمة وأكيدة. ونحن لا نستطيع في كوكب صغير مثل الذي نعيش عليه تفادي بعضنا البعض ولا ينبغي لنا ذلك ولا يتطلب الأمر سعة خيال للتعرف على المنجزات الكبيرة التي سنحققها من خلال تسخير مواردنا المشتركة لمصلحة شعوبنا معاً.
أصحاب السعادة الضيوف الكرام..
أرجو أن يتسع صدركم لقبول ملاحظة ختامية.. ليس من المعقول اتهام حضارة وثقافة تعود إلى 1400 عام ووصمها بأنها مصدرا لتفريخ الإرهاب إن عدوكم هنا ليس الإسلام والمسلمين العدو هنا هو أشكال الظلم والحرمان السائدة في العالمين العربي والإسلامي والتي تشكل أرضا خصبة لنشوء الإرهاب هذا هو العدو الحقيقي ونحن جميعنا شركاء وقادرون على بلوغ الأهداف لمواجهة هذه الشرور وفي نفس الوقت لابد لهذه الشراكة لكي تكون فعالة أن تستوعب مساحة من التباين في الرأي وقبولها بكل تفهم وصدر رحب نحو التزامنا بتحقيق الهدف المشترك. إن تجاوز الانقسامات التي فرقت بيننا في الماضي والتغلب على تعصبنا وتجنب اتهام كل منا الآخر باعتباره مصدر كل الشرور هو عين الحكمة التي تجنبنا إساءة الظن المتبادل وتبديد طاقاتنا.. وهذا ما يجعلنا قادرين على تحقيق الكثير من الأمور.
ولا يجوز لنا خوض المعركة الخاطئة فالمعركة ليست فيما بيننا بل إن المنطق يفرض علينا توحيد قوانا في مواجهة كل الرجعيين والمتخلفين الذين يسلكون منهج الإجرام ويمارسون الظلم والعدوان ويتعين علينا أن نكون حازمين في خوض المعركة لكي نرقى إلى المكانة التي تجعلنا مؤهلين لمواجهة التحدي والعمل سوية ليس فقط للقضاء على ظاهرة الإرهاب بل إزالة الظروف الباعثة إليه.
ومرة أخرى أعرب لكم عن شكري وتقديري لهذه الفرصة.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved