Monday 23rd February,200411470العددالأثنين 3 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ومن نجدٍ إلى يمن -3- ومن نجدٍ إلى يمن -3-
عبدالله الصالح العثيمين

أشرت في ختام الحلقة السابقة الى أن اليوم الثالث من وصولي الى اليمن كان حافلاً بالنشاط، والى أنه كان لي موعد في صباحه مع مؤسسة الابداع للثقافة والآداب والفنون، التي أسسها عام 1995م الدكتور عبدالولي الشميري، مندوب اليمن الدائم لدى الجامعة العربية.
وقد ورد في النظام الأساسي لتلك المؤسسة أن من مبادئها:
1- الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
2- الالتزام باستقلالية العمل ووطنيته، والبعد عن الاحتواء السياسي والحزبي.
3- الحفاظ على الأصالة الثقافية والأدبية مع الإفادة من كل الابداعات المعاصرة المفيدة.
ومن مشروعات المؤسسة الكبيرة، التي تنوي تحقيقها اصدار موسوعة الاعلام الخاصة بأعلام اليمن من قديم الزمان الى الوقت الحاضر.
وقد أصدرت، منذ تأسيسها، أكثر من عشرين اصداراً، منها:
درر النحور، ديوان القاسم بن هتيمل، الذي كان رسالة الدكتوراه لمؤسسها نفسه، في ثلاثة أجزاء عام 1997م، وسدود اليمن، تأليف المؤرخ القاضي اسماعيل الأكوع، عام 2001م، والأبعاد السياسية والاجتماعية في الأمثال الثمانية، تأليف الأستاذ. سعيد الجناحي عام 2000م.
وكنت قد أخبرت الأخ الدكتور. عبدالولي بأني ذاهب الى اليمن لحضور مؤتمر صنعاء حول الديمقراطية وحقوق الانسان ودور محكمة الجنايات الدولية، فدعاني الى أن أقيم صباحية شعرية في مؤسسة الابداع، وأجبت دعوته شاكراً. ورتَّب ممثله في العاصمة اليمنية، المدير للمؤسسة هناك، الأستاذ عبدالسلام عثمان، أن تكون تلك الصباحية في الساعة العاشرة من يوم الخميس. وذهبت الى المؤسسة بصحبة أخي الدكتور عزالدين موسى. وفي صالة محاضراتها سعدت بحضور نخبة من رجال الفكر والأدب والشعر، وفي مقدمة الجميع نائب وزير الثقافة، اضافة الى السكرتير الأول في سفارة المملكة بدر المقحم الذي سعدت بمعرفته غاية السعادة.
بدأت الفعالية بكلمة ضافية عن المؤسسة أشار فيها الأستاذ عبدالسلام الى أن تلك الصباحية هي أول وجوه النشاط الذي تعتزم القيام به خلال هذه السنة، التي أختيرت فيها صنعاء عاصمة للثقافة العربية.
ولما جاء دوري في الحديث بدأته قائلاً:
أنَّى لي القدرة على التعبير عما أشعر به من امتنان وأنا أنعم، شاكراً ومقدراً، بضيافة إخوة أعزاء من أبناء اليمن الكرام، الذين من نبلهم اتاحة هذه الفرصة لأكون أمامكم في المكان الذي أنا فيه الآن؟
ثم قلت:
أشعر كلما وطئت قدماي أرضاً عربية أنني أميل الى إعادة قول شيء مما سبق أن قلته في زيارتي لوطن عربي عزيز - وكل أوطان العرب عزيزة لديّ - معبِّراً عن شوقي إليه:


أتيت أحمله حرفاً تسطِّره
مشاعر وأحاسيس ووجدان
إن لم يَرُق لهواة الشعر قافيةً
أو ند في سبكه لحن وأوزان
فللهوى في عيون العاشقين رؤى
هي البيان إذا ما عزَّ تبيان
وجئت يحملني عبر المدى قبس
معطَّر بالشذا الفوَّاح فتَّان
على جناحين ميمونين حفَّهما
من مهبط الوحي والتنزيل إيمان
ومن عَشبات نجدٍ مستطاب صبا
ريَّاه شيحٌ وقيصومٌ وريحان
أتيت من وطني شوقاً الى وطني
وأرض يعربَ لي دورٌ وأوطان
عشقت وحدتها منذ الصبا ورست
لها بقلبي أساسات وأركان

وكان من لطف ادارة المؤسسة أنها رأت التخفيف عني من جهة، وامتاعي مع الحاضرين من جهة أخرى، بالاستماع الى ابداع يمني أصيل، وذلك بدعوة كلٍ من الشاعرين الكبيرين محمد الشرفي وابراهيم الحضراني لإلقاء شيء من شعرهما. فألقى الشاعر الشرفي قصائد جميلة من مختاراته الشعرية، ثم ختم تلك الصباحية الشعرية الشاعر الحضراني بإلقائه قصيدة رائعة عنوانها: (رمال عطشى). وهذا العنوان - كما يعرف المتابعون للحركة الشعرية - عنوان لأحد دواوين الشاعر السوري المعروف، الذي يقيم الآن في اليمن، سليمان العيسى. لكن الفرق بين تلك القصيدة وهذا الديوان من حيث الأسلوب والمحتوى واضح كل الوضوح.
ومع مطلع قصيدة الشاعر الحضراني الرائعة:


الندامى! وأين مني الندامى؟
ذهبوا يمنةً وسرتُ شآما
يا أحباءنا تنكر دهرً
كان بالأمس ثغره بسَّاما

على أن روعتها - في نظري - تحثُّني على أن أتيح للقارئ الكريم مشاركتي في هذه الروعة. فأوردها كاملة:


ما عليكم في هجرنا من ملامٍ
قد حملنا عن الليالي الملاما
وطوينا على الجراح قلوباً
دميت لوعة وذابت غراما
سوف يدري من ضيَّع العهد أنَّا
منه أسمى نفساً وأوفى ذماما
نحن من لقَّن الحمام فغنَّى
ومن الشوق عطَّر الأنساما
والندى في الرياض فيض دموعٍ
من جفونٍ لنا أبت أن تناما
كم سجا الليل والجوانح هيمى
بتباريحها تناجي الظلاما
الندامى! وأين مني الندامى؟
ذهبوا يمنة وسرت شآما

***


الرمال العطشى وتلك نفوسٌ
تتلظَّى صبابةً وهياما
هوِّمي يا رمال ما دامت النعماء
يوماً.. كلا.. ولا البؤس داما
قد بذلنا النفيس من كل شيء
فجنينا الأحلام والأوهاما
يا ليالي الأحلام عودي فإنا
قد عشقنا برغمنا الأحلاما
نبتدي حيث ننتهي ما بلغنا
من مرامٍ ولا شفينا أواما

وجدير بالذكر أن صاحب هذه الرائعة ولد عام 1920م؛ أي أن عمره الآن - أمدَّ الله فيه - يناهز السادسة والثمانين من السنوات الهجرية.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved