Monday 23rd February,200411470العددالأثنين 3 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

وعلامات وعلامات
الحجاج وحكم التاريخ..!! (4 - 4 )
عبد الفتاح أبو مدين

* وأقول: هنيئاً للقائد الحجاج بن يوسف، فقد قيّض الله له في القرن الخامس عشر الهجري، الحادي والعشرين الميلادي، من ينصفه ويرد إليه مظلمته وينافح ويدافع عنه، أما المؤرخون عبر القرون الماضية، فلم ينصفه أحد منهم، وهكذا يقول الكاتب في أطروحته، وأنا لا يسعني إلا أن أشد على يدي الكاتب بحرارة، وأهنئه على جده ووعيه وعدله، حين ينصف ذلك الرجل المظلوم، الذي لم ينصفه التاريخ كله من أوله إلى آخره، وأقول: إن الحجاج حظيظ، إذ ظهر منقذ له وناصر في عصر النور، ليبرئه من تهم المؤرخين الذين تقولوا عليه بما لم يكن فيه، وهو رجل زعيم ذو هدي، و- ينسج على مواله المصلحون - وأقول للسيد الكاتب: ماذا تركت للخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز وصلاح الدين الأيوبي، والقادة الأفذاذ في الصدر الأول من فجر الإسلام مثل خالد بن الوليد، وأبي عبيدة وغيرهما كثير، وحتى زعماء بني أمية وقادتهم وخلفاؤهم، تجاهلهم الكاتب وبخسهم حقهم، ولم يبق إلا الحجاج وحده، ولا شيء سواه من البشر، في الماضي والحاضر، وربما في المستقبل!
إن هذا الكلام الجزافي بل الكلم، لأن الكلام عند النحاة ذو قيم، مثل قول ابن مالك: (كلامنا لفظ مفيد) لكن كلام محمود زيادة، فيه زيادات طفحت كما يطفح الكيل، الذي يضرب به المثل، لأنه غير مبرمج، وغير مقنن، وغير مؤكد، ومن المؤسف، أنه جاء في رسالة دكتوراه، أشرف عليها أستاذ ذو منصب ومناقشون أكفاء.. وإذا كانت الثقافة والعلم اليوم بهذا الرخص والبخس، فسلام على المعرفة وأهلها، ونردد مع القائل:


ومر زمان لعبنا به
وجاء زمان بنا يلعب

* أقول: إذا كان الحجاج كما وصف زيادة، فأبو العلاء صاحب تلك المقولة الآنفة، يقول المؤرخون: إن صبيا عارضه، بأن الأوائل حددوا الحروف الهجائية بـ(28)، فهل في مقدرة فيلسوف المعرة أن يأتي بحرف واحد يحتاج إليه، فيضيفه لحروفنا الهجائية؟ لكن أبا العلاء لم يجب إلا بكلمات أظهرت عجزه، إذ قال: (هذا الفتى سيقتله ذكاؤه)، ولعل نبوة المعري صدقت على ذلك الصبي الحدث!
* قضيت نحو اثني عشر يوما وليلة، أقلب صفحات الكتاب، وأعلّم عليها بما يتراءى لي من وجهة نظري، ثم شرعت أكتب، فأنجزت أربعين صفحة كاملة مطبوعة، ولم أتجاوز الصفحة (145) من الكتاب، وقد اطلع بعض الصديق على ما كتبت، إلا أنهم نصحوا لي، بأن تلك الأطروحة لا تستحق أي جهد أبذله في سبيلها، لأن صاحبها ليست لديه منهجية علمية، بدليل أنه يرفض كل الأقوال من المؤرخين الذين تحدثوا عن الحجاج بن يوسف، عبر القرون الطوال التي أعقبت وفاة الحجاج، ولا يقبل من تلك الكتابات حتى التي سجلها مؤرخون وكتاب كبار يعتد بهم، مثل: ابن خلدون، المسعودي، ابن كثير، البلاذري، الأصفهاني، الأزرقي، الذهبي وغيرهم. غير أني لم أندم على الوقت الذي قضيته مع هذا الكتاب التي تجاوزت صفحاته ال (450)، لأني عرفت عن قرب سخافة بعض الأطروحات الجامعية، التي لا قيمة لها ولا وزن ولا يعتد بها سوى من نالها، ظناً منه أنها قيمة، وجعلت منه وله قيمة، وهي لا تساوي شيئاً في موازين الثقافة الحقة، التي تعطي صاحبها قيمة يعتد بها في عالم المعرفة عبر الوطن العربي وما وراءه، ويبقى العمل الجاد في وطننا العربي الكبير, وهو قليل اليوم، إلا أن الغثاء التافه أكثر من أن يحصى، وكل ذلك منداح في الساحة الثقافية المريضة، لأننا نعيش في عصر شيمته الإفلاس المعرفي!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved