Tuesday 24th February,200411471العددالثلاثاء 4 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

اضاءة اضاءة
الإنسانية في أجلى معانيها
شاكر سليمان شكوري

في دورتها السابعة والعشرين قرَّرت لجنة الاختيار لجائزة الملك فيصل العالمية (فرع الطب) منح الجائزة هذا العام 1424هـ-2004م وموضوعها (طب القلب التدخلي) للدكتور أولريش سيجوارت السويسري الجنسية، أستاذ ورئيس قسم أمراض القلب بجامعة جنيف، نظراً لبعد نظره وسعة أفقه، وهو رائد مبدع في مجال اختراع الدعامة المعدنية لعلاج أمراض الشرايين، مما أدى إلى استبدال العلاج الجراحي بهذه الطريقة التدخلية، كما أنه ابتكر علاجاً طبياً لتضخم عضلة القلب. وهكذا تواصل جائزة الملك فيصل العالمية سعيها في خدمة الإنسانية بحيادية مطلقة شهد بها الجميع، وتأكَّدت مصداقية الجائزة أكثر بأن عددا غير قليل ممن فازوا بها، قد فازوا لاحقاً بجائزة نوبل.
لقد أسفرت أبحاث العلاَّمة -السويسري- صاحب الجائزة عن فائدة عظيمة للإنسانية جمعاء، خففت من آلامها وفتحت لها آفاقاً جديدة للحياة، لهذا جاءت الجائزة -السعودية- مكافأة وتقديراً لجهد هذا العالم المبدع - بصرف النظر عن لونه أو عرقه أو دينه - ما دام يصب في خانة خدمة الإنسانية. والغريب أن الرجل نفسه لم يكن يعلم كثيراً عن الجائزة، ففي تواضع العلماء نجده يصرح بأنه بعد اطّلاعه على أسماء الفائزين بالجائزة - في الأعوام السابقة - وجد نفسه بين شخصيات ذات شهرة عالمية، وأن هذا يشرِّفه ويسعده جداً.
المعروف أن قيمة جائزة الملك فيصل العالمية مليون دولار مقسمة بالتساوي على خمسة أفرع هي: خدمة الإسلام، الدراسات الإسلامية، اللغة العربية والأدب، الطب، والعلوم ولكل فرع منها 200.000 دولار.
الجميل في الأمر أن العالم السويسري الفذ أبى إلا أن يتصرف في قيمة الجائزة تصرفاً إنسايناً فيتبرع بجزء من قيمتها لصالح (هيئة أبحاث أمراض القلب) في مستشفى جنيف، حيث يعمل وبجزء آخر لصالح جمعية (جوناس فاونديشن) الخيرية لرعاية الأطفال، وباقي الجائزة خصَّصه لفتح فرع لهذه الجمعية في فلسطين لمساعدة الأطفال بوجه خاص. إنها الإنسانية في أجلى معانيها، والشمعة المضيئة في نهاية النفق المعتم، حيث يستعر أوار الصراع بين الإنسان وأخيه الإنسان، ويتعالى فيه صراخ الإنسان من ظلم أخيه الإنسان، ويزهو آخرون بحمرة الدم في شفاههم، بعد أن استعصت على وجوهم حمرة الخجل، ولا يزال المفكرون الدمويون في العالم يُنظِّرون بأن الحياة لا تقوم إلا على الصراع بين الحضارات، أي بين الإنسان وأخيه الإنسان، فيروِّجون للقتل وسفك الدماء واستخدام العلم ومخترعاته في شق أنهار الدماء، بدلاً من شق الأرض من أجل تفجير مكنونها زراعة ومعادن وصناعة لخير الإنسان. وأولئك المزوِّرن لحقائق الوجود يجدون -مع الأسف- من يذعن لطبول الحرب التي يدقونها فيُسَيِّر الجيوش براً وبحراً وجواً تحت ذرائع الشك دون انتظار اليقين، يضربون هنا وهناك بقصد الاستحواذ واستعراض القوة، حتى تصبح لغة رسمية للتعامل بين البشر، وهي لغة وبال حتى على من اخترعوها هكذا أثبت الزمن!
ويتعامى هؤلاء وهؤلاء -مع شديد الأسف- عن تلك النماذج الإنسانية الوضَّاءة للمؤسسات والأفراد الذين يمضون في العمل الجاد من أجل خدمة البشرية في مصداقية محايدة، فذاك العالم الذي رهن عمره في خدمة البحث العلمي وضحى بالكثير من خصوصياته، إنما كان يفعل ذلك ويضحي من أجل الإنسان لا في وطنه سويسرا وحدها، بل في كل مكان. وتلك المؤسسة - السعودية- التي ترصد المال وتتعنى في البحث والتدقيق لكشف الجواهر، لا تفعل ذلك لخدمة الإنسان في وطنها السعودية فحسب، بل في كل مكان.
إن الحدث الذي نحن بصدده يؤكِّد أن الإنسان معطاء بطبعه، محب لأخيه الإنسان بطبعه، وإنما يعكر صفو هذا الطبع فساد الفكر والرأي والأمراض النفسية التي تدفع بأصحابها -قبل غيرهم- إلى الجحيم!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved