Tuesday 24th February,200411471العددالثلاثاء 4 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شدو شدو
حنين البلابل
د. فارس محمد الغزي

يعاوده الحنين إليها.. يحاصره التفكير فيها.. تهاجمه الذكريات عنها.. فيلجأ إلى (جبل) القراءة لعل وعسى أن يعصمه من آلام سحر الليل.. ويخفف عنه إيلام الوحدة.. ويبدد من حواليه ما أحاط به من غربة روح وجسد.. لذلك الهدف فعل ذلك.. غير أن الفشل يجابه الأمل فيه لتسفر المجابهة عن موت الأمل لديه..
ومرة أخرى يجدُّ بالبحث عنها.. أملاً بأن تنقله بعيداً عما ينوء كاهله بثقله.. فيتسلل إلى فراشه لعل وعسى أن يتسلل النوم إلى عينيه.. فيجدف في بحار ماضيه فكراً.. ويغوص في أعماق محيطات حاضره جفافاً.. فقط ليتجلى له نهر المستقبل جفافاً.. وتتراءى له ضفافه تصحراً.. ويتمطى أمامه الطريق إليه وعراً متعرجاً.. لتموت محاولته تلك عطشاً.
يقفز من سرير غيبوبته.. فيروم الخروج من شرنقة تشرذمه.. وتشتته.. وحينها يبصر بصيص (فرصته) الوحيدة سانحة في ترياق الكتابة.. ليمتشق قلمه.. ويشمر عن أفكاره لطبخ المعاني.. وشيِّ الدلائل.. فيعب الحروف عباً.. ويلتهم العبارات التهاماً.. ولما أعياه اقتيات الخيالات.. وأضنته الاشتقاقات.. يقرر بكل فجاءة أن يمسح كل ما خطه يراعه.. يقدم على ذلك بكل إصرار وينهي ذلك بكل عزيمة.. وما أن يشع في ناظريه وهج البياض على أوراقه المحبرة من قبل.. البيضاء الآن.. يستهل التعبير من جديد بتحبير جديد.. حيث يشرع بملء فراغات أوراقه بعلامات الاستفهام.. وعلائم التعجب.
يسفر صباحه بما هو ليس أمثل من ليله.. فيكسر قلمه.. ويمزق أوراقه.. وينسحب ليستحلب يقظة فكره المتعب برمي جسده تحت شلالات (دشه) البارد.. وما أن يفرغ من ذلك إلا ويسارع إلى ارتداء أحزانه واعتمار آلامه ليهرب مما ساوره قفزاً خارج أسوار حصاره.. يغذ السير حثيثاً نحو وجهة ليس لها اتجاه في بوصلة الاتجاهات الأربعة.. غير أنه يتوقف عند أول إشارة مرورية.. فيلمح عدداً من البلابل الكسيرة وهي تئن من شدة وطأة الأسر في أقفاص الاكتراء.. ولحظتها يسارع إلى فتح نافذة مركبته منادياً البائع/ السجان بأعلى صوته.. وحين يصل يطلب منه إطلاق كافة ما بحوزته من طيور أسيرة.. ينقد له ما اتفقا عليه من ثمن مُبالغ ومغالًى فيه.. لا يهمه ذلك.. بل أسره وأسره بمجرد أن أخذ يمعن النظر في أعذب مشهد شاهده.. أما أبطال المشهد.. فبلابل الأجواء المأسورة في الأرض وهي ترنو بشوق إلى علٍ وفوق تحليقاً نحو مرابعها الفضائية.. يخفق قلبه مع خفق أجنحتها.. ويطرب سمعه لترنمها.. فينطلق أمله المقيد بانطلاقها نحو السماء الرحبة.. لحظتها تتغشاه سكينة طالما بحث عنها.. فيسارع إلى العودة أدراجه إلى منزله.. ليرقد على أنغام دوح بلابله في أجوائها الفسيحة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved