محاكمة الجدار

في العرف الإسرائيلي ليس من الغريب بناء هذا الجدار المهول الذي يتلوى ويتمدد في أراضي الضفة الغربية ويلتهم أكثر من 58% منها، لكن الغريب هذا الصمت الدولي الذي يصل في بعض الأحيان إلى درجة التأييد للانتهاك الإسرائيلي الخطير.
لقد تمادت إسرائيل في غيها إلى الدرجة التي لم تعترف فيها باختصاص محكمة العدل الدولية في النظر في شرعية هذا الجدار ورفضت بالتالي حضور جلسات المحكمة التي بدأت أمس.
ورغم عدم اعترافها بذلك فإنها حشدت امكاناتها الإعلامية وجندت مختلف الوسائل الإعلامية لتأييد عدوانها على الأراضي الفلسطينية، كما قامت بحركة دعائية رخيصة عشية انعقاد المحكمة فككت من خلالها بعضا من أجزاء الجدار قائلة انها تفعل ذلك لفك الحصار الذي فرضه الجدار على احدى القرى الفلسطينية ولكي ينعم سكان القرية بحرية الحركة!!
ويتغلغل الجدار بنسبة 89 بالمائة داخل أراضي الضفة الغربية ويغلق بالكامل 122 بلدة ومدينة فلسطينية يسكنها 274 ألف فلسطيني وتقع هذه البلدات بين الجدار والخط الأخضر.. ومع ذلك فإن إسرائيل لا تفتأ ترفع عقيرتها بأن ما تقوم به هو عين الصواب، وهي تجد من يؤيد وجهة نظرها بعدم اختصاص محكمة العدل الدولية النظر في أمر الجدار، وللأسف ان الذين يؤيدونها هم من الذين يفترض فيهم المساعدة في ارساء السلام في العالم.
إن معظم المجتمع الدولي يعرف حقيقة الانتهاك الإسرائيل ومقتنع بضرورة تحجيم هذه النزعة العدوانية المنفلتة، لكن معظم المجتمع الدولي لا يملك إلا أن يعرب عن استيائه، لأن قلة من دول العالم ذات النفوذ لا ترى فيما تقوم به إسرائيل سوى اجراءات تستهدف حماية أمنها، وهذا لب المشكلة، وهو ما يؤدي الى تعقيدها ويدفع الفلسطينيين إلى اللجوء إلى أي وسيلة للدفاع عن أرضهم وكرامتهم بعد أن يئسوا من الحصول على موقف دولي عادل.
وعلى كل فإن ما يصدر عن المحكمة الدولية لن يكون ملزماً، ومع ذلك فإن مجرد إعلان عدم شرعية الجدار من المحكمة يجعل رفض الآخرين له يستند على رأي قانوني قوي ويعزز من الجبهة العريضة المؤيدة للحقوق العربية والرافضة للاحتلال وممارساته.