Friday 27th February,200411474العددالجمعة 7 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من يغل رغوة اللغة ..من يشارك في اغترابها..ومن للتحدي اللغوي؟ من يغل رغوة اللغة ..من يشارك في اغترابها..ومن للتحدي اللغوي؟
د. فوزية عبدالله أبوخالد

فكرت في هذا السؤال المركب على مدى عدة أيام امتد فيها لقاء معرفي كان الهدف منه الوقوف على تحديات اللغة العربية في هذه المرحلة التي تحيق فيها الأخطار ومحاولات المحو والتهديد لكل ماله علاقة بالهوية العربية الإسلامية.
ولم يكن من الممكن أن يكون السؤال سؤالاً لغوياً خالصاً في حمى الحرب الأمريكية في العراق التي لم تنته بإزاحة حكم صدام عن هواء العراق وأمام مشاهد الحرب اليومية التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين وفي حضرة مشاريع الإصلاح العربي المسربلة إما بالتردد أو بالانقسام أو بالاثنين معاً.
فليس من الممكن أن يكون ذلك السؤال سؤالاً لغوياً خاصاً بلغة الضاد في ظل مد العولمة الذي يكاد أن يشكل غطاء جوياً لكل تلك الانتهاكات.
وذلك ليس فقط بفعل مد العولمة الذي لم يكن إشكالاً حضارياً وسياسياً لوكان أقل هيمنة وأكثر عدلاً و لو أن لنا موقع ندي في هذا المد ولكن أيضاً بفعل واقعنا العربي الذاتي الذي لا يؤهلنا لأن نكون من القوى المؤثرة في عملية العولمة إن لم يكن يحاصرنا بمواقع ملحقة بمراكزها الرئيسية بالإضافة إلى طبيعة مد العولمة نفسه الذي لا يعمل إلا على تعميق الفروق التمييزية بين الحضارات وبين الشعوب وبشروط من يميل لصالحه ليس ميزان القوى العسكرية وحسب بل ميزان القوى السياسية والاقتصادية والمعرفية أيضاً.
ومن خلال هذا الإطار الحضاري الذي ينظر إلى الشأن اللغوي على أساس موقع اللغة المفصلي في تحديد مصائر الأوطان والشعوب فإن اللغة هنا تصبح مثلها مثل الحرب التي يكون أمرها وقرارها عادة أخطر من أن يترك للعسكريين فيصبح إعمال الرأي في اللغة , تحديد تحدياتها والبحث في شأنها من المهام الصعبة والمتعددة الأوجه التي هي اعقد وأخطر من أن يترك شأنها للغويين وحدهم.
ولذا فقد انعقد اللقاء الذي أشرت إليه ليس فقط بحضور مجموعة من اللغويين الذين يعتد باستماتتهم في الدفاع عن اللغة العربية في مشرق الوطن العربي ومغربه مثلما يعتد بإنتاجهم العلمي المهم في مجال البحوث اللغوية والتعريب والاشتقاق والتنظير والتقعيد والاستحداث اللغوي ولكن أيضاً بحضور مجموعة من المختصين في مجالات العلوم الأخرى ذات الصلة بموضوع اللغة في أفقها الحضاري وأرضيتها الاجتماعية.
فشارك في لقاء تدارس تحديات اللغة مختصون في الترجمة والتربية والاجتماع والسياسة والمعلوماتية والقانون ، هذا بالإضافة إلى عدد من المبدعين شعرا ونثرا.
وهذا كما شهدت مما أثرى الحوار في تحديات اللغة وأثار العديد من الأسئلة حول الأسباب والعوامل الذي تجعل من اللغة إشكالاً وتحدياً في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة وحول الحلول المحتملة والأكثر مواتاة، وقد تحرك هذا التنوع على مستويين.
المستوى الأول: كشف عن تنوع في طبيعة بيئة التحديات حسب التجربة السياسية والتعليمية والاجتماعية والحالة الاقتصادية ودرجة القرب أو البعد من بؤرة السيطرة الغربية بمختلف المواقع في الوطن العربي.
المستوى الثاني: كشف عن الحاجة إلى توحد الجهود وتكاملها في مواجهة هذه التحديات اللغوية في أبعادها القانونية والإبداعية والتعليمية والأبعاد الأخرى مع تنوع وتعدد مستويات العمل والمشاركة الفردية والجمعية لمواجهة التحدي اللغوي تحديدا.
المستوى الأول, يتضح منه وفيه أن طبيعة بيئة التحدي اللغوي تتعدد في الوطن العربي.
فطبيعة التحدي اللغوي في بعض البلاد العربية يتمثل في التحدي الذي لم يحسم بعد منذ أيام الاستعمار الذي يتجسد في تحدي الكف عن استهلاك لغة الغير بتعريب التعليم من مراحله الأولى إلى مراحله العليا وتعريب الأجهزة الحكومية ولغة الخطاب الرسمي والشعبي وهذا ينطبق على أجزاء واسعة من المغرب العربي.
وفي بلاد عربية أخرى فإنه تحدي عدم العودة إلى الإرث الاستعماري في تغريب لغة التعليم ولغة الإنتاج الفكري والبحثي والأكاديمي والخطاب الإعلامي واليومي للشباب كما في قطاعات واسعة بلبنان ومصر وبعض دول الخليج.
ولعل معظمنا لايعلم تلك المعلومة الصاعقة وهي أن البعض في هذه المناطق مما كان تعريب التعليم وقطاعات العمل بعض من نضالها في الماضي غير البعيد للاستقلال قد عمد إلى استبدال التعليم باللغة العربية بلغة أجنبية في المدارس الأهلية ومعظم التخصصات في جامعات كانت قد تأسست في الأصل على التعليم باللغة العربية إلى درجة بالغة السخرية بحيث تسجل محاضر جلسات أقسام اللغة العربية باللغة الأجنبية. وهذا ما يمكن إجماله بأنه تحدي تغريب اللغة العربية.
أما في مواقع عربية أخرى فإن تحدي اللغة العربية رغم استتبابها في معظم مجالات التعليم ومستوياته المختلفة ، المدرسي والجامعي وفي الخطاب الرسمي لتلك المواقع فإنه تحدي الإنكار على اللغة سنة التطوير والتجديد ومحاربة التجديد الإبداعي في اللغة باسم المحافظة عليها وهذا مايمكن تسميته بتحدي غل رغوة اللغة وتقييدها بما يفقدها قدرة استيعاب مستجدات العلم والتكنولوجيا والإبداع.
المستوى الثاني: وهو الذي يمكن طرحه من خلال مقاربة سؤال ما العمل؟
وفي هذا أستعرض بعض ما جاء في ذلك اللقاء من مقترحات قد تشكل مفاتيح أولوية للتعامل مع تحديات اللغة بما يوطن حالة اغترابها الحادة ويفك قيود رغوتها فتصبح مواجهة تحدينا اللغوي عاملا من عومل التمكين والتنمية والأمن والاستقلال.
* اعتبار التعليم باللغة العربية في جميع مراحل التعليم حقا من حقوق المواطنين على دولهم.
* اعتبار تعريب الكتاب المدرسي والجامعي في جميع التخصاصات العلمية ذات المصادر الأجنبية واجبا على الدولة تجاه المواطنين بما في ذلك توفير الطبعات الحديثة منها.
* إعطاء ضمانات من الحرية والدعم المادي والمعنوي للتأليف باللغة العربية في التخصصات العلمية المختلفة وفي مجالات الإبداع الفكري والأدبي.
* توفير المناخ البحثي لمختلف التخصصاصات العلمية والبناء عليها ومنها البحوث السسيولغوية للتشخيص ميدانياً الواقع اللغوي والاجتماعي.
* وضع التشريعات وسن المحددات القانونية التي تكفل عدم إهدار كرامة اللغة وتهميشها في وسائل الاعلام بما فيها وسائل الاعلام الرسمي وخطابه السياسي والديني الذي يخلق حالة تنفير من اللغة العربية لدى الشباب باستخداماته الجامدة والخانقة لها.
* إشراك مختلف قطاعات المجتمع المدني في العمل على حماية اللغة العربية وتطويرها معاً وعدم جعل مسألة الاهتمام باللغة العربية شأناً محتكراً لبعض من ينصِّبون أنفسهم حماة عتاة ضد تطويرها لاستيعاب مستجدات العلم والفكر والإبداع والتقنية.
ويمكن في ذلك تأسيس جمعيات وطنية لايجاد لحمة من الصداقة بين الشباب وبين لغتهم.
* التعاون والتنسيق مع الجهات العربية والاسلامية الرسمية والمدنية المعنية باللغة العربية وعلومها في النطاق العربي والعالمي.
* إيجاد معاهد ميسرة وبرسومات رمزية لاجتذاب الجاليات الأجنبية نساءً ورجالاً لتعلم اللغة العربية.
* الاهتمام بتعريب المصطلحات العلمية في العلوم الانسانية والعلمية بما في ذلك مصطلحات الطب والقانون والمجالات العسكرية.
* عدم التساهل في تغيير لوائح التوظيف خاصة في قطاعات الاستثمار الأجنبي لصالح اللغة الأجنبية على حساب اللغة العربية.
وبعد تناولي لهذا الموضوع يتأسس علي الاقتناع العقلي القائل بأن عز اللغة وكرامتها هو من عز وكرامة أهلها.
واللغة العربية التي كرمها الله بأن جعلها لغة القرآن لا تحظى اليوم بالمكانة التي تليق بها ليس فقط بين شعوب الأرض عامة ولكن بين أصحابها.
فهي تستبعد من لغة المعرفة العلمية ولغة الكشوفات في شتى مجالاتها المعرفية الجديدة بما فيها مجال المال والأعمال والتنمية.
والقصور في هذا بطبيعة الحال ليس قصور اللغة العربية ولكن قصور مجتمعاتها غير القادرة بما يكفي للمشاركة في إنتاج المعرفة العلمية والمساهمة في الكشوف المعرفية الأخرى.
وهذه اللغة تهتك في كل وسائل الاتصال الإعلامي كما تمتهن وتهمش في لغة التخاطب اليومي ولا نقصد بذلك لغة التخاطب الشفهي الذي أصبح فيه تعدد اللهجات من مسلمات المجتمع العربي ولكن نقصد الامتهان الذي يلحق باللغة العربية في لغة التخاطب اليومي المكتوب والمتداول في مجال السياسة والاقتصاد والفن السينمائي والتلفزيوني وفي مجال العمل الأكاديمي والتربوي وشبكات ومواقع الاتصال الإلكتروني.
فاللغة العربية تكاد ألا تكون لغة العصر ولا لغة الشباب ولا لغة الاتصال الإلكتروني ولا لغة السفر والسياحة ولا لغة الاستثمار ولا لغة الوظائف وبالذات في قطاع الاستثمار الأجنبي والمحلي الخاص وهذا ما تنتج عنه حالة الاغتراب التي تعانيها اللغة العربية اليوم.
وتوصيف هذه الحالة ليس نصرة للحرس القديم أي كانت مواقعه الايديولوجية أو مواقفه السياسية فمعرفة حالة الاغتراب الحاد التي تعانيها اللغة العربية لا يستنتج منه ولا نريد أن يستنتج منه الدعوة إلى الإنغلاق ومقاطعة اللغات الأجنبية بل إننا نرى أن إجادة اللغات الأجنبية بما فيها اللغة الإنجليزية التي تكاد تزيح ماعداها من لغات التواصل الدولي أمر إذا وظف بعقلانية وليس بالأساليب العشوائية الكاسحة التي تدعمها حالة التبعية والاستسلام يصبح مصدر قوة للغتنا ذاتها.
فحين قال مالك حداد: إن اللغة الفرنسية هي بالنسبة للجزائر غنيمة حرب يجب عدم التفريط بها فإنه قال ذلك وهو في أوج تمسكه بالهوية العربية لأنه أراد للغة العربية أن تترافد مع غيرها من اللغات دون أن تسمح لأي منها أن يكون بديلاً لها.
وعلى الأجيال الشابة وهي تتباهي (بعصريتها) وهي تستخدم نتفا من لغة أجنبية لا تجيد تأليف جملة كاملة صحيحة بها وعلى الساسة وهم يرفلون في ترددهم لاتخاذ إجراءات تشرك شعوبهم في تحمل مسؤولية كافة أشكال التهديد أن يتذكروا أن المانيا بعد الحرب العالمية الثانية قد قبلت بجميع الشروط الخارجية التي أمليت عليها باستثناء شرط واحد قامت برفضه بعناد واصرار وهو شرط استبدال اللغة الالمانية في التعليم والانتاج العلمي والمعرفي بلغة أخرى.
ونستطيع أن نرى الآن أنها بقبولها تحمل تبعات قرارها من خلال مواجهة التحدي اللغوي قد استطاعت أن تكسب رهان التحديات الأخرى.
هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved