Friday 27th February,200411474العددالجمعة 7 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رسالة إلى المعلم والداعية رسالة إلى المعلم والداعية
عبدالله بن محمد الحميضي ( * )

لقد أمرنا الله تعالى أن نسخر تعليمنا ودراستنا لله رب العالمين لا للارتزاق ونيل الوظيفة فقد قال تعالى: {.. كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ، وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} (79) سورة آل عمران، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ } (159) سورة البقرة، كما قال رسوله- صلى الله عليه وسلم: (نضّر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سلبهجة والحسن، لأن الإسلام حرم طلب العلم لأغراض غير أخلاقية مثل التكبر والتعالي على الآخرين حيث قال- صلى الله عليه وسلم-: (لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء أو تباروا به السفهاء ولا تتحدثوا به في المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار) فرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أتى ليتم مكارم الأخلاق وحين امتدحه رب العزة والجلال قال في محكم الكتاب: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم... والثقافة العامة والخبرة الواسعة شرط من شروط الدعوة ليقوم صاحبها بدور المرشد والموجه، ويكون صاحب فكر ورأي وموقف من قضايا المجتمع ومشكلاته، كان رجلاً أو امرأة، وإلا فيمسك عن ذلك.
فإرشاد الناس إلى الحق واجب على الداعي، والأوجب أن يكون على علم وبينة ولين جانب حيث قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}، وقال تعالى لموسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، وهنا القصد أن يخشى الله لا ليخشى الداعية حيث إن دوره لا يشمل الاستعراض بالعضلات.
ومن عاند وأبى فله حال أخرى من جهة انه يستحق التعنيف والتشديد أو غير ذلك مما يقتضيه جهة المعاقبة، والمعاقبة في حدود الشرع المطهر ليس كافياً المظهر الخارجي للقائمين بالتعليم، أو الدعوة أو بهما معا بل يجب على كل منهما ان يتطهر من داخله من خبائث الأخلاق، ويتسم بالاتزان الانفعالي تجاه موقف يواجهه مع طلابه أو زملائه، فمثلاً لا يشعر بالإحباط من نقد الآخرين له سواء، كان من مدير أو موجه أو طالب، ولا يكون سهلاً في إثارته ومضايقته ولا يخجل من المواقف المفاجئة، ويبدو عليه الارتباك، ويجب عليه أن يتكيف مع المواقف التعليمية الطارئة، ويواجهها بثبات، ويبتعد عن الغضب والحقد والفسق والشهوة في هذه الحالة ستنفذ أقواله وأفعاله إلى قلوب طلابه أو إخوانه المسلمين، وتظهر آثاره الحميدة لأن التدريس والدعوة يقومان على طهارة القلب ونقاء النفس وخضوع الجوارح للمنهج الثابت لكل من يعمل به.
أما الداعية فوجوباً أن يكون عالماً بما يدعو به لأن الأمية في الدعوة اختص بها الرسل لأنهم لا ينطقون عن الهوى، وإنما عن وحي يوحى. كما يجب عليه الرغبة المستمرة في تطوير القدرة على البحث والكتابة بصورة فعالة، والرغبة والتمتع بأفضل مستوى من الصحة والشعور بالمسؤولية من أجل الإصغاء والمشاركة في المناقشات العامة والفحص بتمعن في وجهات النظر المختلفة لبعض القضايا التي حولها جدل لتكوين رأي حولها.
والولاء للأهداف الاجتماعية في المجتمع الإسلامي والإيمان بقوة العقل والمنطق وتحديد كيفية الربط بين مفهوم المجتمع الإسلامي والمحافظة على الموارد البشرية والمادية، وتطوير خطة تنظيم وقت الراحة تبعاً لعمله وأنشطته وتصوير المفاهيم للقيمة وتنمية الضمير وتنمية فلسفة محدودة للحياة في ضوء الفكر الإسلامي، والدقة والموضوعية عند تناول الأشياء، ومن أهم الأهداف الانفعالية الأخرى التي يمكن للمعلم والداعية عامة التحلي بالقيم والمثل العليا، وأن يوجها تدريسهما أو الدعوة وتقوية الاتجاه نحوها هي:
1 - التضامن الإسلامي.
2 - رعاية الأيتام والفقراء.
3 - الولاء للوطن والحكام وأولي الأمر.
4 - المحافظة على البيئة.
5 - النظافة.
6 - إفشاء السلام على من نعرف ومن لا نعرف.
7 - الميل للبحث التجريبي.
8 - الميل للمطالعة الأدبية.
9 - الاستقصاء واتباع الطرق العلمية في التفكير.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المقصود منها إصلاح المجتمعات الإسلامية ونجاتها من عقاب الله تعالى، والحكمة والعلم والبصيرة والأخلاق الطيبة والأسلوب الحسن من شروط صفات الداعية وليس في العنف والشدة والكلمات البذيئة إلا دلائل بطلان انتساب صاحبها للدعاة.
يحتاج الجيل الحالي إلى أن يحتفظ برؤية معتدلة لنفسه وللناس من حوله. وقد دلت الخبرات المتراكمة على أن المعتدلين من الناس قليل، وأن لدينا نحن البشر نزوعاً قوياً إلى الغلو والتطرف.، والاعتدال والتوسط من الأمور التي تحتاج إلى تشغيل الذهن ومجاهدة النفس في آن واحد. وفي عالم يتصارع فيه الناس على السلطة والمكانة والنفوذ، يكون الحديث عن التواضع أمراً مستهجناً لدى كثير من الناس، بل ربما أخذت في سياق الاتهام بالغفلة والسذاجة والضعف، وقد صار معظم الناس يتحدث عن الثقة بالنفس بوصفها ضرورة للنجاح في الصراع الوجودي الحالي، ومنهاجنا في التعليم الجامعي على نحو أخص تبذر في نفوس الطلاب بذور الكبر والتعالي.، وقد صار الكثير من الطلاب يدخل الجامعة، وهو جاهل متواضع، ويتخرج منها جاهلا مغرورا متكبرا! والأسوأ التعالي المصحوب بعدم الثقة في النفس لأن طريقة التعليم التي تعلم بها تشعره بالامتلاء الكاذب، ولا تساعده في التعرف على إمكاناته الحقيقية.
والثقافات تختلف من أمة إلى أخرى، وكذلك الظروف كما نجد أن هناك أشكالاً متباينة من العقبات، فهناك عقلية عربية إسلامية تكونت من جراء تفاعل الأمة مع الثقافة العربية الإسلامية، وهناك عقلية أوروبية تكونت من جراء تفاعل الأوروبيين مع الثقافة الاغريقية الرومانية، وهناك العقلية الصينية.. إلخ.. وقد يخالفني الرأي من يعتقد أن العقلية الإسلامية مستثناة من القواعد العامة، فقد يتوهم أن المسلمين أهل الرسالة الخاتمة أصحاب الكتاب السماوي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بأن عقليتهم لابد أن تكون أفضل العقليات البشرية على الإطلاق، وهذا تصور فيه نظر! لأنه يخالط ما بين الوحي السماوي المنزه تنزيهاً تاماً عن العلل، وبين العقلية التي تفاعلت مع هذا الوحي ضمن ظروف أرضية بشرية يمكن أن يعتريها كل ما يعتري هذه الظروف من علل وقد وقع أهل الكتاب في مثل هذا الوهم القاتل حتى قال قائلهم نحن أبناء الله وأحباؤه الآية {نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} (18) سورة المائدة.
إن رسالة المعلم والداعية رسالة خطيرة أوجدت لتوجيه المجتمع المسلم لا لترضي الغوغاء فيه، وتشبع الميول البهيمية إنها وجدت لإيصال رسالة تربوية تعليمية، وتدعو إلى الدين الحنيف، والتمسك بأهدابه وأخلاقه، أوجدت لإرشاد الناس داخل البلاد وخارجها، أوجدت لتسمع صوت الإسلام مدوياً في جميع بقاع العالم {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (108) سورة يوسف. إننا لا نتبع في الدين غير رسول الله- صلى الله عليه وسلم، ولا يحكم غير ما جاء به- صلى الله عليه وسلم- ولا يرد عند التنازع إلا إليه وهذا مضمون شهادة أن لا إله إلا الله محمداً رسول الله.
وفي الختام أذكر بأن التنفير ضد التبشير فقد قال الشاعر:
وإني لألقى المرء أعلم أنه
عدوي وفي أحشائه الضغن كامن
فأمنحه بشرى فيرجع قلبه
سليماً وقد ماتت لديه الضغائن

( * ) وزارة الصحة


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved