Friday 27th February,200411474العددالجمعة 7 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إلى الأم الوالدة حصة الصالحي (لا تبكي يا أم هشام) إلى الأم الوالدة حصة الصالحي (لا تبكي يا أم هشام)
وليد بن عبدالله الراقي/ مكتب العمل - وزارة العمل والشؤون الاجتماعية



حكم المنية في البرية جاري
ما هذه الدنيا بدار قراري
جاورت أعدائي فجاور ربه
شتان بين جواره وجواري

تفقد الحمامة فرخها الصغير بسبب رصاصة طائشة من يد صياد عابث، وتفقد الشويهة حَمَلها الوديع بعد ألم الحمل والوضع، ومع هذا تبكي كل واحدة منهن بدموع وعبرات نعجز عن إدراكها نحن بني البشر، والغريب العجيب انك تجد الشويهة مع الصباح الباكر وهي تقفز وتمرح في المروج الخضراء تلاحق القطيع وكأنها نسيت أو على الأقل تناست أوجاعها وأحزانها في فقْد صغيرها بالأمس، وكذا هي الحمامة التي ما ان لاح عمود الفجر وانشق ثوب الدجى إلا وطارت مع السرب تغرد وتتغنى بأعذب الأناشيد، من أنسى هذه وتلك فقدان صغيريهما؟ بل من أنساهن أوجاع الفرقة وأشجان الفراق...؟ إنه الرحمن الرحيم، فهذا الكون الدقيق يسير وفق حكمة إلهية حكيمة.. سبحانه وتعالى تنزع القلوب من القلوب، والروح تنزع من الروح، ويبقى الأمل والرجاء برب الأرباب، أولسنا نقرأ قوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)؟ أوليس جوار الله عز وجل أشرف وأعز وأطهر من جوار البشر حتى وإن كان الابن مع أبيه وأمه وأخيه؟ أوليست قلوبنا بين أصبعي الرحمن الرحيم يقلبها حيث يشاء؟ ألم نجد العزاء في قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ )؟ أولسنا نؤمن بقوله عليه الصلاة والسلام: (ما من عبد قبض الله صفيه فاحتسب وصبر إلا عوضه الله الجنة)؟ أو كما قال عليه الصلاة والسلام، أليس في هذا كله عزاء أيما عزاء؟ ألم تفقد الخنساء أخاها الذي كان بمثابة الأب الحنون؟ وقد مات مشركاً فبكته وحق لها البكاء إذ كانت تمني النفس أن يموت أخوها متوجاً بشرف الإسلام.. هي لم تبكِ أبناءها الأربعة الذين استشهدوا في معركة القادسية لأنهم ماتوا على الإسلام وفي حمى الإسلام.. ألم تغْزُ أم عمارة بابنيها لتحارب المرتدين وتعود وقد قطعت احدى يديها واستشهد أحد ابنيها؟ أولم تبكِ أم عميس زوجها جعفر وكانت قبل ذلك تنتظره حتى جاءها خبر انتصار المسلمين فلبست أبناءها وطيّبتهم وزينتهم لاستقبال والدهم؟ ثم يأتيها الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم ليبشرها بشرف استشهاد زوجها وان له جناحين مضرجين بالدماء يطير بهما في الجنة انه جعفر الطيار.. تلك هي البشرى، لا سيما وقد جاءت ممن لا ينطق عن الهوى، ان هو إلا وحي يوحى، وسميه العزاء الجميل، بل ألم يكن لنا في صفوة خلق الله والرحمة المهداة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم القدوة الحسنة وهو الذي توفي جميع أبنائه وهم في أعمار الزهور اليانعة: ألم يقل صلى الله عليه وسلم: (ان العين لتدمع، وان القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما شاء الله، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون)؟
الله أكبر يا أم هشام، أما تعلمين ان دعوة صادقة من أم ثكلى قد تفتح لها أبواب السماء العليا إلى رب غفور رحمن رحيم لا يمن بما أعطى وهو السميع البصير؟ لتجد القبول في شفاعة أم لابنها بالجنة.. ان الدنيا دار عمل وامتحان، وهي جنة الكافر، بيد ان للمؤمنين رب يحميهم ويغفر إن شاء سبحانه لهم، فكفكفي دموعك يا والدتي وتجملي، ولا تنسي دعوة صادقة في الثلث الأخير من الليل لأخي فارس (رحمة الله عليه)، فدعاء الأم لولدها رحمة من رحمن رحيم، أوما ترغبين في ان يبتعد ابنك عن جوار الهون والهوان إلى جوار رب العالمين رب الأنام؟ أوما ترغبين في ذلك يا أماه؟ إذن دعيه فإنه - إن شاء الله - هناك في مقعد صدق عند مليك مقتدر. واعلمي انه كما قال الزيات:


إن كان في اليوم قنوط ففي الغد رجاء
ومن لم تكن له الأرض فله... السماء.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved