Thursday 4th March,200411480العددالخميس 13 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

فيض الضمير فيض الضمير
هل نحن من المحسنين؟!
محمد أبو بكر حميد

الإحسان ليس عطاءً مادياً فقط كما يتبادر إلى أذهان الكثيرين، والمحسن ليس ذلك الذي يبذل ماله صدقةً أو زكاةً أو كرماً. قد يكون هذا السلوك جزءاً من الإحسان وقد لا يكون إحساناً على الإطلاق إذا رافقه غرور أو كبر أو تبعه أذى.
غاب عن كثير من المسلمين أن أجمل وجوه الإحسان في الإسلام كلمة طيِّبة تترجم إلى سلوك ومعاملات هي عند الله أفضل من بذل المال. ألم يقل سبحانه وتعالى في كتابه المحكم {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى}؟ ألم يأمر بالإحسان كلمة بقوله: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}؟!
والمتصدق بماله وحده لا يعد متصدقاً بالمعنى السلوكي الذي يرتفع به لمرتبة الإحسان إذا لم يتبع ذلك بترجمة حقيقية للصدقة في سلوك حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو ذر (التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتُسمع الأصم وتهدي الأعمى وتدل المستدل عن حاجته، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف.. وتبسُّمك في وجه أخيك.. وإماطتك الحجر والشوكة والعظم من طريق الناس...، وهديك الرجل في الأرض الضالة...).
هذا هو دستور سلوك المسلم في حركته اليومية يجعل كل فعل من ذلك يؤديه خالصاً لوجه الله صدقة تدفعه إلى درجة المحسنين الذين يترجمون عقيدتهم إلى سلوك ومعاملات دون أن يطلب أحد منهم ذلك أو يمد لهم يداً.
وهنا يرتفع المسلم إلى المعنى الحقيقي للإحسان وهو (الإتقان) في كل فعل أو عمل يؤديه. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا عمل ابن آدم عملاً فليتقنه).
والإتقان هو العمل بإخلاص ولا يمكن أن يتقن عمله إلا المؤمن بجدوى هذا العمل. وكل مسلم يترجم إيمانه إلى سلوك هو إنسان يؤدي عملاً له جدوى لأن ذلك كله يصب في خدمة المجتمع الذي هو جزء منه.
ولا يكون الإنسان محسناً إلا إذا اكتملت فيه معاني الإحسان كلها لا معنى واحد منها. فالإحسان هو الإتقان في العمل والإحسان هو الرحمة والإحسان هو الكلمة الطيِّبة، والإحسان هو حسن الخلق والإحسان أيضاً بذل المال للمستحق دون منٍّ أو أذى.
ويرتفع معنى الإحسان في الإسلام إلى منتهى الرقة والرحمة والرفق، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته).
الرفق والرقة حتى بالبهيمة لا يريدها هذا الدين أن تتألم وهي تذبح وذبحها مباح، فكيف بالإنسان وترويعه وتعذيبه وقتله حرام؟! فأين الذين يمارسون هذا الدين بقسوة وغلظة وقلوب لا تعرف الرحمة أو اللين، أين هم من هذا الحديث العظيم؟!
(إن الله كتب الإحسان على كل شيء)...
بمعنى أن يكون الإحسان في حياة المسلم كلها بكل تلك المعاني العظيمة التي تجعل الإحسان سلوكاً وحياة، لهذا جعل الله الإحسان ذروة سنام الإيمان، فالمحسن أفضل من المؤمن، كما أن المؤمن أفضل من المسلم. وقد ميَّز الله بين المسلم والمؤمن بقوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} (الحجرات 14).
أما الإحسان فهو أن تصل بإيمانك إلى درجة أن (تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك).
وإذا استشعر المؤمن هذه الحقيقة.. حقيقة أن الله يراه فسيترجم إيمانه إلى عمل وإلى سلوك فيه إتقان وإخلاص ورحمة ومحبة وتواضع وعطاء وإخاء تنهض به هذه الأمة المسلمة من كبوتها، فننتصر على شرور أنفسنا ثم على أعدائنا، {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}، وهذا وعد من الله والله لا يخلف وعده.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved