Thursday 4th March,200411480العددالخميس 13 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المسلسلات الخليجية.. وعكة الذائقة المسلسلات الخليجية.. وعكة الذائقة
تهاني المبرك

تقدم على مدار السنة أطباق درامية يتداعى عليها المشاهدون فيصابون بوعكة تذوقية نتيجة الخيال المتسرب منها إليهم. وبعض المسلسلات الخليجية باتت من اشهر تلك الأطباق؛ لأنها تزعم أنها تعالج مجتمعاتها فتنتقي أسوأ ما فيها وتحشد عدداً مهولاً من المآخذ الأخلاقية والسلوكية بصورة ملفتة، ثم تدير صراعاً حاداً بين قوى الشر. ومن بين أمواج الصراعات العاتية تظهر الشخصية الخيرة الطيبة ضعيفة ويظهر الخير على استحياء.
وينتهي المسلسل بالدمار الذي يطأ الجميع. وقد لوحظ ذلك في كل من (ودارت الأيام) و(حكم البشر). هذا على سبيل المثال لا الحصر. وإذا ما انتصر الخير وكانت الكلمة الأخيرة له فإنه انتصار باهت فقد قوته وجماله وقيمته؛ نظراً لسيل الشرور الذي ظل يتدفق بعنف من أول حلقة. ذلك ما حدث في مسلسل (دمعة عمر) الذي لم يعد فيه الابن لرشده وصوابه وينكب معتذراً لأمه إلا بعد أن ماتت الزوجة الخبيثة، فلم ينتصر الخير لأنه الأقوى بل لأن الشر غاب عن مسرح الحياة. كما أن تلك المسلسلات - على اختلاف الدول المنتجة لها - تشترك في تصوير الشخصية الخليجية بصورة نمطية تجعل المشاهد - وعلى الأخص غير الخليجي - يعتقد أن الإنسان الخليجي منفصلٌ عن الأخلاق والقيم والذوق في التعامل. لعل من أبرز تلك الصفات، أنها شخصية لا تتحدث دون أن ترفع صوتها ودون أن ترشق الطرف الآخر بالسخرية والتحقير، فالطابع العام لها هو الأسلوب الهجومي. وهي شخصية مرفهة محاطة بمظاهر البذخ والثراء المسرف حيث السفر المتكرر إلى الخارج للنزهة والقصر المنيف والأثاث الفخم والسيارات الثمينة وصنوف من الخدم، وهي دائماً لاهثة خلف الشكليات والمادة، وتسلك الأساليب المشروعة وغير المشروعة في تحصيل المال.
ولأن المادة طغت على اهتمام أكثر شخصيات المسلسل تراهم قساة أجلافاً لا يعرفون الرحمة ولا العطف ولا التسامح في حياتهم، ولذا يشيع في مثل هذه المسلسلات الاعتداء والظلم والكيد والمكر والعقوق وقطيعة الرحم والشح بالمال على الآخرين رغم الثراء. وتفوز الشخصية المتجبرة بالأدوار الرئيسة، وتسند إلى الشخصية الطيبة أدوار ثانوية، وليس لها تأثير واضح بناء في مجريات الأحداث.
إليك مسلسل (حكم البشر) الذي عرض سيلا من الجرائم والسلوكيات الخاطئة بطريقة جعلت المتلقي يشعر بغصة وبضيق وبكآبة حادة وبانكسار نفسي نتيجة هذا الواقع القذر. هناك المشاحنة، والإدمان، والزنا بزوجة الأخ، وقطيعة الرحم، وأكل مال اليتيم، والقذف، والقتل، والتردد على السحرة، وخيانة الزوج، والمعاكسات الهاتفية، وعقوق الوالدين، والنصب، والظلم، وأشياء كثيرة تجعلنا نتعجب من الرؤية السوداوية التي تغلف تصور الكاتبة وداد الكواري عن الحياة، ونشمئز من المعالجة المخفقة الرديئة لهذه المشكلات. بل إنني أعتقد أن مثل هذه المسلسلات تعزز الجريمة وتخدش القيم والأخلاق. وها هي وداد الكواري عادت تطل علينا من مسلسل (يوم آخر) الذي يجري عرضه الآن في قناتنا الأولى، لتكرر صياغة صورة مشينة عن مجتمع خليجي لا يعرف كثير من الناس عنه شيئاً، فأظهرته مجتمعاً مكباً على الرذائل، طائفة من أفراده لا تفيق من السُكر، ويمارس شبابه المعاكسات بأكثر من
طريقة، وينصرف الباقون لنهب الأموال الخاصة والعامة.
إن بعض المسلسلات الخليجية أخذت تنحرف عن المعالجة الواعية للقضايا وعن الانتقاء الموفق للمشكلات، وغابت عنها الفرحة والطرافة والفضيلة، وأصبحت تتنافس بشدة لإظهار صورة كابية معتمة لمجتمعاتها. ولست أدعي أن مجتمعاتنا الخليجية نقية ومنزهة عن الأخطاء، ولكني أصر على أن يكون الإعلام سبيلا من بين السبل المطروقة لإصلاح ما فسد، لا أن يكون وسيلة لعرض السوء والتهتك ولتصوير مجتمعاتنا متورمة بالعلل تركض خلف الشهوات وتنحدر في معيشتها إلى مستوى مزرٍ، حتى لا نكون من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
وعتبي لا يقف عند من ينتج هذه المسلسلات، بل يطال القنوات التي تستضيف مثل هذه المسلسلات، وعلى الأخص تلفزيوننا السعودي الذي يتراخى حيناً في انتقاء الأصلح مثلما تراخى من قبل في حذف اللقطات المشتملة على مخالفات سلوكية أو عقدية أو في المظهر، وقد كانت حتى عهد قريب لا تظهر. إنني أرجو إيقاف عرض مثل هذه المسلسلات كما أطالب بإقصاء المواد الإعلامية التي تسيء لنا وتقدم صورة مشوشة لمجتمعاتنا الخليجية.
وقد يسأل سائل لماذا المسلسلات الخليجية تحديداً، فربما كانت الأفلام والمسلسلات الأخرى أكثر جرأة وسوءاً؛ فلأنها تمثلنا نحن وهي الأقدر على مخاطبتنا واختراقنا والتأثير فينا، ولذلك طُعنت مبادئنا وقيمنا مرات ومرات بنبال من تلك المسلسلات.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved