Monday 8th March,200411484العددالأثنين 17 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المقاولون ينثرون همومهم مع العقد الموحَّد المقاولون ينثرون همومهم مع العقد الموحَّد
إذعان إجباري للعقد لأنه السبيل الوحيد للدخول في المشاريع الحكومية
المحامي القاسم: مطلوب إنشاء هيئة خبراء يستعين بها القاضي لإثبات الأمور الفنية

يُعَدُّ قطاع المقاولات ثاني أكبر القطاعات بعد النفط إسهاماً في إجمالي الناتج المحلي؛ حيث ساهم بما قيمته 48 مليار ريال عام 1999م بنسبة أكثر من 16% من الناتج المحلي غير النفطي، ويبلغ معدل نمو القطاع السنوي 6.17% في المتوسط، ويتوقع أن يصل حجم إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي إلى 64 مليار ريال هذا العام 2004م. ويتضح من ذلك أهمية هذا القطاع الذي يواجه الكثير من المعوِّقات والضغوط التي نُسلِّط الضوء على واحد منها في هذه عدم الندوة، وهو توازن العقود التي تُمثِّل خطراً على هذا القطاع.
*****
* الجزيرة: بما أن عقود الإنشاءات تُعتبر بداية العلاقة في أي مشروع، كيف هو وضع هذا العقد برأيكم، وأبرز العيوب التي تُؤخذ عليه من حيث توازن العقد وحفظ حقوق جميع الأطراف؟
م. أحمد الراشد: بالنسبة لتوازن العقود، نرى أن العقود يجب أن تكون تعبيراً جيِّداً لحقوق وواجبات كلِّ طرف من أطراف العقد، بحيث يتساوى الطرفان في واجباتهم وحقوقهم، إلاَّ أن عقود الإنشاء في المملكة بين المالك والمقاول يغلب عيها انحياز تام باتجاه المالك، بحيث قلَّصت حقوق المقاول إلى أدنى مستوًى، فهذه العقود اقْتُبِسَتْ أساساً من عقود خارجية إلى حدٍّ ما متوازية، إلا أن المالك والاستشاري في السعودية قاما بتفريغها من كثير من حقوق المقاول، بل إن جزءاً من مسؤولية المالك والاستشاري في هذه العقود نُقلت إلى المقاول، ومثال ذلك مسؤولية المقاول عن صحة التعاميم، وهكذا. وحيث إن المالك هنا هو الدولة في أغلب الأحيان، وهي جهة قوية، وتملك المشاريع، وهي المُشرِّع، فإن المقاول لا يجد بُدًّا من التقيُّد والرضوخ والالتزام بكل ما يُمليه هذا الطرف. وقد عرف الفقهاء صورة عقد يفقد أحد الطرفين فيه إرادته أو توازنه بعقد الإذعان؛ لأن المقاول هنا يضطر لتوقيعه والإذعان له ولا يحق له التفاوض على شروطه؛ ولذا تبدأ العلاقة منذ بداية المشروع بطريقة غير سليمة؛ لأن المقاول يُصبح تحت السيطرة التامة للمالك، وهذه السلطة كثيراً ما تُستغلُّ للضغط على المقاول لكي يتنازل عن حقوقه في العقد، وترى المقاول دائماً قلقاً يخشى ضياع حقوقه فيما لو وقع أي خلاف مهما كان بسيطاً، ويضطر في كثير من الأحيان تنفيذ أشياء خارج العقد يطلبها المالك؛ حرصاً على تجنُّب ما يمكن للمالك استغلاله في هذه العقود. وتتفاقم هذه القضية إذا كان المالك من القطاع الخاص؛ حيث لا يوجد قيود حكومية على بعض الإجراءات، وتنفيذ شروط العقد يتبع رغبات المالك الشخصية، سواء كانت حقيقة أم مختلفة؛ كرغبته في الاحتفاظ بالسيولة للمتاجرة بها، وهكذا. لذا فنحن نطالب المُشرِّع الاستشاري بإعادة النظر في صياغة العقود؛ لتساوي المسؤوليات والحقوق لدى الطرفين، وبذلك تكون العلاقة بنَّاءة جيِّدة، وخالية من التوتر الذي يضرُّ بسير المشروع، ويضرُّ بشكلٍ كبيرٍ قطاع المقاولات، وهو جزء أساسي في منظومة الاقتصاد الوطني.
* بشير العظم: لا شك أن أساس العلاقة بين الأطراف هي بنود العقد، وكلما كانت بنود العقد التي هي بين المالك والمقاول واضحة ومتوازنة وعادلة للطرفين كانت العلاقة أفضل، وتؤدي لإخراج مشروع ناجح. فيجب إذاً تعديل بنود العقود لكي يتم التوازن، ففي العقود الحالية هناك بنود تفصيلية تُحدِّد التعامل مع المقاول في حال إخلاله بأي بند، سواء كان فنِّياً أم تعاقدياً، وتفرض عليه عقوبات وغرامات؛ لذا يجب تحديد ما يُقابل هذا في حال إخلال المالك أو الاستشاري بالتزاماتهم، وتحديد العطل والضرر وآلية التنفيذ لصالح المقاول، إضافةً إلى أن التزام كافة الأطراف بالتزاماتها ومسؤولياتها والقيام بواجباتها يؤدي للمحافظة على حقوقها تجاه بقية الأطراف.
ومما لا شك فيه أن عدم توازن العقود يكون له تأثيرات سلبية على مسيرة العمل بالمشروع، وكذلك تأثيرات على واقع العلاقة بين أطراف العقد؛ لأن العقود هي المفتاح الأساسي لهذه العلاقة، وسبب توتر العلاقة بين هذه الأطراف هو عدم توازن العقود، وعدم وجود البنود التي تُنظِّمها، فهناك تحديد كامل ومُبالغ به لمسؤوليات والتزامات المقاول في العقود، فجميع البنود تنص على أن المقاول..........، ونادراً ما يُوجد نص: للمقاول الحق في................
* أ. إبراهيم العكاس: إن التوازن المطلوب للالتزامات والحقوق في عقد التشييد أن يتحمل كلٌّ من المقاول والمالك والمهندس المَخاطر الخاصة بالالتزامات التعاقدية، بحيث يتم تقسيم هذه المخاطر على جميع أطراف العقد الإنشائي، وتحديد الضوابط اللازمة لتقسيم المسؤوليات، وتحمُّل تبعاتها على كل الأطراف؛ فالمقاولون المتمرِّسون يعرفون جيداً كيف يتعاملون مع تلك الالتزامات والحقوق دون إغفالهم استحالة العمل في بيئة خالية من المخاطر؛ إذ إن المخاطر جزء لا يتجزأ من العمل في مجال صناعة التشييد.
* الجزيرة: من خلال هذا الاستعراض السريع لعيوب العقد يبدو أن العلاقة بين أطراف العقد ليست على ما يُرام.. كيف تحددون ملامح هذه العلاقة بعد توقيع هذا العقد لأي مشروع؟
* أ. إبراهيم العكاس: مما لا شك فيه أن العلاقة بين المقاول والاستشاري مرتبطة بكثير من الأمور، ومما لا خلاف عليه أن تلك الأمور تتعلق بالعقد، ويمكن تلخيص ملامح تلك العلاقة بعدة نقاط. فكما ذكر المهندس أحمد الراشد، إذا كان الاستشاري ممثلاً للمالك معنَى ذلك انتفاء الحياد تماماً. الأمر الثاني: أن الوثائق التي يعدُّها الاستشاري للمنافسة تكون في الغالب ناقصة؛ لأن المُفترض أن يقوم بإعداد تلك الوثائق إداري عقود أو محامٍ. وهنا تكمن المشاكل؛ لأن وثائق العقد التي يُعدُّها المُصمِّم سيضع النصوص والشروط التي تحمي جانبه. وإذا ما نظرنا إلى جميع دول العالم نجد أن عيوب التصميم يتحمَّلها المُصمِّم، لكن بما أن المصمم لدينا هو الذي أعدَّ العقود فإنه حوَّل تلك المسؤولية على المقاول.
الأمر الثالث: أن تداخل الاختصاصات بين المقاول والاستشاري والمالك سبَّبَ كثيراً من المُطالبات؛ لذلك يجب أن تكون العلاقة بينهم متوازنةً لإنجاز المشروع؛ لأنهم في قارب واحد، ومعروف أنه إذا كان الاستشاري جيِّداً فإن ذلك يعني مشروعاً جيداً والعكس، حتى لو كان المقاول سيئًّا والاستشاري جيداً سيكون المشروع جيداً.
* بسام القاسم: هذه العلاقة ثلاثية متلازمة ومترابطة، ووجود هذا الثلاثي ضروري لتنفيذ المشاريع الإنشائية. ولكن، للأسف وعلى أرض الواقع وفي كثير من الحالات، فقدت هذه العلاقة ترابطها المنشود، وبالتالي أصبح المفهوم العام حولها يحتاج إلى تصحيح. وفي نظرنا يجب أن تقوم هذه العلاقة على أساس التعاون؛ لكونها علاقةً متلازمةً تُحقِّق تكامليَّةً في دور كلِّ طرف فيها. ومصدر الخطر في عدم قيام التعاون المنشود هو أن هذه العلاقة تُحتِّم التعايش لفترات زمنية قد تطول، فإذا قامت العلاقة على سوء النية وعلى الشك والريبة أصبح من المُتعذَّر تحقيق الهدف المنشود، وهو إنجاز المشروع كما هو مخطط له وفي الوقت المحدد. وإذا كانت العقود الإنشائية للقطاع العام ذات الطابع الإداري هي عقود لها موجباتها من حيث التشدُّد المبرر لتحقيق المصلحة العامة، إلا أننا نجد أحياناً شَطَطاً يزداد ضراوةً؛ إذ لبس الاستشاري ثوب المالك. ومع ذلك لا يخلو القطاع الخاص من حالات أسوأ؛ فالاستشاري نفسه قد يتعرَّض للطَّرْد من المالك إذا لم يُلَبِّ له ما يُحقِّق رغباته ومصالحه. ومع أن الاستشاري يُعتبر وكيلاً عن المالك إلا أن هذه الوكالة هي وكالة خاصة يحكمها تخصُّص الوكيل الذي عليه أن يُشرف على تنفيذ العقد وفقاً للمخططات والمواصفات والشروط الفنية، وأن يتوخَّى الحيدة في تفسيره لها.
* م. أحمد الراشد: لعلَّنا نطرح سؤالا مهماً في هذا الجانب، وهو كيف يتم اختيار الاستشاري؟
الإجابة أن الجهات الحكومية - وهذا الكلام من واقع معاناة الاستشاريين أنفسهم- تختار الاستشاري صاحب العطاء الأقل، دون النظر للكفاءة العملية. إذاً مَن يعرض سعراً أقل هو الذي يأخذ العمل، فيقوم هذا الاستشاري بتكليف جهاز فني غير كفء لإنجاز العمل والإشراف على التنفيذ. وهذا يخلق المشاكل، ويوتِّر العلاقة، لا سيما إذا كان المقاول يرى أن مستوى الاستشاري ضعيف وغير كفء.
وهنا تبرز أهمية وجود جهة محايدة في موقع العمل تراقب وتشرف على الاستشاري، وتحاسبه على تقصيره في الإشراف، وعلى آرائه الخاطئة. وهذا سيرفع من مستوى الاستشاريين؛ لأنهم سيشعرون أن هناك مَن يُقَيِّم عملهم، ويراقب آراءهم. وهنا سيبرز الاستشاري الأكثر كفاءة. أما إذا تُرِكَ الأمر للاستشاري يفعل ما يحلو له في المشروع فلن يرتقي في العمل ولا في الإشراف.
ومن هذا المنطلق؛ فقد شُكِّلَتْ لجنة من الهيئة السعودية للمهندسين ولجنة المقاولين لدراسة هذه المواضيع، وتقديم تصوير للحلول المناسبة لها. ونحن لا نريد أن نستبق الأحداث ونطرح التوصيات، ولكن نأمل أن تجد هذه اللجنة المشتركة حلاًّ لهذه المشكلات، وعلى الطرف الآخر الذي يمثله المالك الالتزام بتطبيق توصيات هذه اللجنة. ومن الأفكار التي نرى بحثها:
- اختيار الاستشاري لا يكون من قِبَل المالك، بل من طرف آخر.
- محاسبة الاسستشاري من طرف آخر.
- تحديد الجهاز الفني لأي مشروع من حيث عدده وكفاءته بواسطة طرف آخر.
* أحمد الشلالي: العلاقة بين المقاول والاستشاري والمالك يجب أن تكون متوازنة بشكل متبادل، بحيث تصبح مقبولةً من الأطراف الثلاثة، بمعنى من الأجدى أن يعطى المقاول عقد الاستشاري، ويعطى الاستشاري عقد المقاول لمراجعته، بحيث يتم قبول جميع البنود التي سيلتزم بها كل طرف ويقبل تطبيقها دون أن يترتَّب على بنود العقد أي التزامات غير منظورة، وإذا كان هناك أي توضيحات أو تحفُّظات على أي بند أن يتم تداركها، ومن المهم أن تكون هذه العقود ضمن مستندات العطاء.
فالبنود في كلا العقدين يجب أن تنسجم مع مصلحة المستفيد، بحيث لا تتعارض أو تزيد من التزامات أي طرف دون أن يكون لها مقابل معلوم مُقدَّماً، إضافةً إلى وجوب شمولية هذه العقود على جميع البنود التي تمسُّ مصلحة كلا الطرفين؛ فالاستشاري يمكنه أن يدرس عقد المقاول ويبدي أي ملاحظات أو تحفُّظات على ضوء خبرته عن مصادر الخلاف التي تحدث مستقبلاً، فلا يكفي هنا النية الحسنة في صياغة العقود، بمعنى يجب أن تُتَّخذ الاحتياطات اللازمة لإيضاح جميع البنود بشكل مُفصَّل، وهنا يجب عدم التخوُّف من الدخول في التفاصيل التي تُغَطِّي تلك العلاقة، وليست التفاصيل الجوهرية فقط، بحيث يكون المالك والاستشاري والمقاول مُدركين تماماً ما هم مُقْدِمِينَ عليه من التزامات لا تقبل التأويل. ومن الأجدى أن يكون هناك مصدر قانوني يُرجع إليه في دراسة ومراجعة هذه العقود إذا زادت قيمة العقد عن مبلغ محدَّد (أكثر من 5 ملايين)، بحيث يلزم إعطاء العقود للجهة ذات الخبرة في النواحي القانونية في مجال الconshaction؛ لتعطي الرأي والموافقة على بنود العقد وأي نقاط جديرة بإلقاء الضوء عليها.
* تساوي بين طرفي العقد: يجب أن يكون العقد الموقَّع بين الطرفين يعطي المقاول الحق بأن يكون الطرفَ المتساوي مع صاحب العمل، وكذلك الاستشاري. ولتحقيق ذلك يجب أن تكون بنود العقد من التوازن بحيث لا تُعطي الهيمنة لصاحب العمل بحكم أنه المُعَيِّن للاستشاري، بل يجب أن يكون الاستشاري الفيصل بين الطرفين (المقاول وصاحب العمل)، والحكم حسب الاختصاص.
* يغفل المالك دور الاستشاري المُصمِّم، وفي بعض العقود يكون الاستشاري المُشرف غيرَ المُصمِّم، وهذا هو الغالب، ويعزو الاستشاري المشرف المشاكل التي تحدث إلى أخطاء في التصميم، ويتملَّص من المسؤولية، ويقع فيها المقاول، ويدفع تبعات هذه الأخطاء. والمفروض أن يكون المسؤول هو صاحب العمل، بحيث يُسند المسؤولية على المُصمِّم، إضافةً إلى ضرورة تأهيل التصميم بحيث يتم تقييم ومراجعة للتصميم من قِبَل استشاري آخر مُتخصِّص يُظهر النواقص والعيوب والاختلافات في التصميم ومُقترَحاً لتصحيحها، بحيث يقوم بها المُصمِّم الأصلي خلال فترة تقديم العروض، فالمُصمِّم والمالك مُتضامنان في تحمُّل مسؤولية أخطاء التصميم، وليس للمقاول أي تبعات على هذه الأخطاء.
* اختيار الاستشاري ضمن العطاء الأقل دون مراعاة لحجم المشروع وتعقيدات المشروع يترتَّب عليه في الغالب تدنِّي في جودة العمل المُنفَّذ، وتأخير في التنفيذ؛ لعدم مقدرة الاستشاري على تقديم طاقم إشراف على المستوى المأمول للعمل. فالافتراض أن يقوم المالك باختيار مكاتب خبرة مُؤهَّلة، وأن أقلَّ الأسعار هي أفضل العروض هو افتراض خاطئ إذا قدَّم المكتب أسعاراً مُتهاوِدَةً دون المستوى المعروف لهذه الخدمة، ويكون ذلك على حساب جودة العمل، وتأخير المشروع. وفي النهاية يكون المُتضرِّر هو المقاول وصاحب العمل؛ لذا لا بدَّ أن يكون هناك تقدير لتكلفة الإشراف، والمكتب المُؤَهَّل الذي يُقدِّم عرضاً مماثلاً أو قريباً من التكلفة المُقدَّرة يُرْسَى عليه العطاء مع عدم إغفال المساندة الفنيَّة من المكتب الرئيسي للاستشاري؛ حيث إن بيوت الخبرة الهندسية لا تُقدِّم جهاز إشراف فقط، وإنما دعماً فنياً متكاملاً يضمن نجاح المقاول في تنفيذ المشروع في الوقت المحدد، مع تذليل جميع العقبات لمصلحة الجميع.
* هناك ملاحظة أخيرة بخصوص إعطاء الحق لمصادرة الضمان البنكي، ومدى التعسُّف في استخدام هذا الحق. ونظراً لما يمثله هذا التصرُّف من ضرر كبير على المقاول فيكون مصادرة الضمان بناءً على أمر قضائي يُحقِّق العدالة لصاحب العمل والمقاول.
* الجزيرة: هل يُمكن القول أن هناك خَلْطاً بين الأدوار مثلاً؟
* م. بشير العظم: يمكن لنا القول: إن دور الاستشاري ذو شِقَّيْن؛ الأول: التصميم، وهو أن يلتزم بتقديم وثائق العقد بشكل جيَّد من مُخطَّطات، ومواصفات، وجداول كمِّيَّات، وشروط عقد عامة وخاصة واضحة، وأن تكون هذه الوثائق مُراجَعة ومُدقَّقة ومُنَسَّقة فيما بينها قبل طرحها للإنشاء، بحيث يكون هناك أقلُّ ما يمكن من تناقضات وغموض فيما بينها، كذلك تحديد الأولويات بين هذه الوثائق في حال حصول التناقض، وأن يكون مسؤولاً عن تصاميمه. كما أنني أرى عدم إلزام المقاول بتقديم ثلاثة عروض لأي مادة أو بند، كما يجب حين تسمية ماركة معينة لأي مادة يجب أن يذكر أن هذا فقط لإعطاء فكرة عن نوعية المطلوب، وليست إلزامية، فللمقاول الحق في تقديمها أو ما يماثلها من ناحية الجودة.
الشق الثاني: تعيين جهاز ذي خبرة مدعوماً بمكتبه الرئيسي. ووجود المهندس المقيم مع جهاز الإشراف التابع له هو لخدمة المشروع، وليس لخدمة المالك، وهو للتأكُّد من تطبيق المقاول لوثائق العقد، وليس هناك ما يَعِيبُ أن يتم التعاون (وليس التصادُم) مع المقاول، والعمل أولاً بأول لحلِّ ما قد يطرأ من مشاكل في الموقع لما فيه من مصلحة الجميع.
ولعلي أختم بذكر بعض النقاط التي تُساهم في حُسْن سير العمل؛ ومنها: الاحترام المِهَنِي المُتبادَل، سواء الاحترام الشخصي كلٌّ لنفسه أو للآخر، يرسم بداية طريق واضحة وسليمة خالية من أي ضغينة شخصية. وبسبب كَوْن كل من الطرفين مهندساً فاحترامه لمهنته يجب أن يسبق أي تعامل آخر، فتُحَلُّ الأمور بطريقة علمية وعادلة. الأمر الثاني: الثقة، وهي سعي كل طرف لكسب ثقة الآخر فنياً أو تعاملاً، وذلك بابتعاد كل منهما عن أي مناورة أو التفاف، وعدم المجادلة في الحق. ومن الأهمية تطوير العلاقة بين المكتبين الرئيسيين للمقاول والاستشاري، وحضور مديري التنفيذ من الطرفين الاجتماعات الدورية في المشروع. ومن الأهمية أيضاً تقديم كل من المكاتب الرئيسية للطرفين الدعم الفني واللُّوجستي الكامل لمهندسي الموقع.
* الجزيرة: يتَّضح من خلال النقاش أن هناك عطلاً وضرراً يلحق بالمقاولين بسبب المشكلة الرئيسية، وهي عدم توازن العقود، نريد أن نُسلِّط الضوء حول العُطْل والضَّرَر.
* المهندس أحمد الراشد: العطل هو وقف أو إبطاء في وتيرة العمل، يؤدي إلى إطالة أَمَد العقد، وهذا العطل قد يُصيب جزءاً من العمل أو كُلَّه. والضرر هو جميع التكاليف الزائدة، سواء المباشرة أو غير المباشرة، التي تحدث بسبب العطل أو بسبب آخر. والخلافات في عقد المقاولات تتسبَّب في تعطيل العمل إلى مدة تُحدِّدها رغبة المختلفين في الوصول إلى الحلول، فتتضاءل مُدَّة العطل متى وُجِدَ حُسْن النية والرغبة الصادقة لدى المتعاقدين في إنهاء العمل، ومتى وُجِدَ نوعٌ من سوء النية أو حتَّى مُجرَّد الإصرار على رأي خاطئ لأحد ما، طال أمد النزاع، وعليه طال أمد العطل. ومراحل العطل اثنتان: أُولاهما تبدأ من نشوء الخلاف وتنتهي في ثبوت الحق، إما بطريق القضاء، أو بالاتفاق الصلحي. أما الأخرى، فتبدأ من ثبوت الحق وتنتهي لحظة إعطاء كل ذي حق حقَّه.ولكل هاتين المرحلتين عطلها وضررها. ومعلوم أن طبيعة عمل المقاولات لا تتحمَّل التأخير، وذلك لأنَّ العمل مُقَسَّمٌ إلى أنشطة متعددة ومتداخلة، بحيث تجعل من الضرر جرَّاء العطل أمراً بالغ الجَسامة، وكثيراً ما يؤدي إلى انهيار نشاط المقاول، فأيُّ خلاف، سواء مع الاستشاري أو المالك، أو أي ظرف طارئ قد يُعَطِّل نشاطاً معيناً أو أكثر، وهذا العطل في الأنشطة قد يُعَطِّل أنشطةً أخرى؛ لِتَدَاخُلِها، ويتوقف العمل أو يتباطأ ويضطر المقاول إلى تحمُّل تكاليف هذا التوقُّف مهما كانت الأسباب، ولا توجد آلية عملية لتعويض المقاول عن هذه الأضرار. لذا فإن المقاول دائماً في موقف ضعيف، ويرضخ لإدارة المالك بُغية الوصول إلى حل ينهي العطل ويُوقف نَزْفَهُ.
* إن وضع آلية قانونية شرعية من أهم النقاط التي تكمل توازن العقود في موضوع العطل والضرر؛ لأن القوة القانونية الرادعة تمنع المُلاَّك والاستشاريين من التعسُّف في استعمال الحق، عندما يجد المالك نفسه أمام تعويضات مُضاعَفة إذا ما أضرَّ بالمقاول أثناء التنفيذ فإنَّه يحجمه عن هذه الخطوة، ويتردَّد كثيراً في التعسُّف في موضوع مُصادرة الضمان من المقاول بدون وجه حق. وفي الوضع الحالي يُصادر الضمان اعتباطياً؛ مما يُؤدِّي إلى تدمير المقاول نهائياً، ويُلحق الضرر بسمعته المالية، خاصة لدى المَصَارف. والابتزاز الشديد يتمُّ على الضمانات؛ مما يجعل المقاول تحت رحمة المالك، وهذا يُفقده مُستخل صَاته وضمانا ته إذا فكَّر في أي لحظة في إيقاف العمل في المشروع. ولكن إذا أدرك المالك أن أيَّ تعسُّف ضد المقاول قد يُكلِّفه الكثير يُحجم عن الإقدام على تلك الخطوة. فلماذا هناك رَدْعٌ للمقاول، ولا يوجد رَدْعٌ للمالك أيضاً؟!
وجود لجنة تبُتُّ في العطل والضرر بسرعة تَرْدَعُ المُلاَّك والاستشاريين من الإِجْحَاف في حقِّ المقاول.
* إبراهيم العكاس: 90% من المتضرِّرين قبل ثبوت الحق في العطل والضرر هم المقاولون، ولكن بعد ثبوت الحق تكون كل القطاعات قد لحقها الضرر. ومن المهمِّ أن أُرَكِّزَ على عدة نقاط؛ هي:
- اقتناع الجهات القضائية بأهمية القيمة المالية للوقت، فإذا اقتنعت الجهات القضائية بذلك يكون جزءٌ كبيرٌ من المشكلة قد وجد حلاًّ.
- القيمة المالية للحقوق تنخفض مع مرور الوقت، فلا بدَّ من وضع ذلك في حساب الجهات القضائية عند النظر في التعويض عن المماطلة في استيفاء الحقوق.
- لو عَرَف المماطل أن الأضرار المالية تزيد عليه بمرور الوقت لأسرع في إيجاد حل للمشكلة.
- أهمية وجود سلطة تنفيذية مُتخصِّصة لاستيفاء الحقوق.
- أهمية الاستعانة بالخبير قبل اللجوء إلى القضاء.
* الجزيرة: يبدو أن هناك إشكاليةً حتَّى في مسألة إثبات الضرر، كيف يُمكن إيضاح معالم العطل والضرر للجانب القضائي؟
- أ. بسام القاسم: القاضي لا يحكم بالتعويض إلاَّ بما يثبت أمامه بالبيِّنة عن الأضرار، ويقع عبء الإثبات في الغالب على المقاول في قيام هذه الأضرار، والتي لا بد أن تكون أضراراً مباشرة. أما الأضرار غير المباشرة؛ كفُقْدَان الفُرَص، وتعرُّض المقاول لمصاعب في الحصول على التمويل والتسهيلات البنكية، وغيرها من الأضرار غير المباشرة، فهذه لا يُحْكَمُ بها. لذا نرى أن يكون هناك معيارٌ أو معادلةٌ لإلحاق هذه الأضرار غير المباشرة بالأضرار المباشرة متى ثَبَتَتْ، وذلك لتعويض المقاول التعويض العادل الذي يستحقُّه.
كما أن الاستعانة بالخبرة الفنية لها وجوه عدة، وضَرُورَتُها تتَّصل بالحاجة إلى المُتخصِّص في علمٍ لبيان أَمْرٍ يحتاجه الطرف غير المُتخصِّص في هذا العلم. ولكنني أقصر البحث على الخبرة الفنية التي يحتاجها القاضي، والتي تسمى الخبرة القضائية، وأَسْتَعِيرُ التعريف التالي لها لأحد الأساتذة الكُتَّاب، وهو: معلوماتٌ فَنِّيَّةٌ تخرج عن اختصاص القاضي ولا تدخل في صلاحيَّاته، يقوم بها خبيرٌ بِنَاءً على تفويض من المحكمة؛ استجلاءً لأمور فنِّية داخلة في النزاع.
واستعانة القاضي بالخبير أمرٌ مُغْرِق في القِدَم، وحديثنا عن الخبرة الفنية في معرض الحديث عن هموم المقاولين أن العمل الإنشائي يتَّصف بشمولية لعلوم متعددة ومجالات كثيرة ويتعدَّد بتعدُّد أنواع المنشآت والأغراض المُتوخَّاة منها؛ لذا فالخبرة الفنية تُمثِّل ضرورةً في الأعمال الإنشائية، وهي إحدى الآليات لحلِّ المشاكل بين المالك والمقاول.ويعترف النظام القضائي في المملكة بالخبرة الفنية كأحد وسائل الإثبات، بل وتنصُّ عليها الأنظمة السائدة؛ كنظام التحكيم، واللائحة التنفيذية لنظام التحكيم، وقواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم، واللوائح التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية.وتتمُّ استعانة القاضي بالخبير عند الحاجة إليه، ويتمُّ ذلك في العادة إما عن طريق إحالة الموضوع إلى هيئات النظر التابعة للمحاكم، أو بالاستعانة بإحدى الجهات المُتخصِّصة لترشيح وتزكية خبيرٍ في المسألة المعروضة.وقد قامت الغرفة التجارية بتقديم دراسة لموضوع الخبرة الفنية تُظهر الحاجة إلى إنشاء هيئة خبراء، وإيجاد جداول للخبراء المُعتمَدِين، يستعين بها القضاة دون الحاجة إلى الرجوع إلى أيِّ جهةٍ أخرى، ولا يرد الخبير المعتمد في الجداول إلا للأسباب المقررة شرعاً.وفي نظري أن اعتماد جداول للخبراء له المزايا التالية:
- مساعدة القاضي في اختيار الخبير المُعْتَمَد في المجال الذي يحتاج إليه.
- مساعدة أطراف أي نزاع حول مسألة فنية باللجوء إلى الخبير في المجال الذي يُريدانه، والاستعانة بالخبير لحل المشاكل بينهما.
- في مجال المقاولات يستطيع المتعاقدان تسمية خبيرٍ للبتِّ في الخلافات أثناء مرحلة التنفيذ.
- تنشيط الفكر الحرِّ المهنيِّ، وتوسيع دائرة الاتِّصال بأصحاب الخبرة، ورفع مستواهم، والتعرُّف إليهم والتعريف بهم.
م. خالد القصيمي: لقد تمَّ التعاقد من قِبَل لجنة المباني مع إحدى الجهات المتخصصة لإعداد دراسة فقهية نظامية عن الحكم في مسائل العطل والضرر تتناول موضوع المُماطلة والتسويف في الوفاء بالحقوق، والآثار المترتبة عليها. وتهدف الدراسة إلى رَدْع المُماطلين والمُسوِّفين في الوفاء بالحقوق الخاصة، ورفع الظلم والضرر عن الناس، وبيان المُبرِّرات الشرعية والنظامية المُتعلِّقة برَدْع المماطلين والمُسوِّفين، وإظهار مدى تأثير المُماطلة في الوفاء بالحقوق على الائتمان العام والخاص، وإيضاح الحُكْم الشرعي في هذه المسألة على المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال الدَّائنين؛ المواطنين والأجانب. كما تمَّ نَشْرُ العقد الأهلي للمشاريع الإنشائية التي سبق أن أعدَّتها وأصدرَتْها الإدارة العامة لقطاع المقاولين بالغرفة، وحثُّ المقاولين على استخدامها، وهي عبارة عن نموذجين من العقود الخاصة بالقطاع الخاص للمشروعات الصغيرة والكبيرة، وقد تمَّت مراجعَتُها من قِبَل جهات وهيئات مِهَنِيَّة في مجال الهندسة وقطاع البناء والتشييد، وتتَّسم هذه العقود بالوضوح في الحقوق والالتزامات لطرفي العقد.
******
ضيوف الندوة
أَدَارَ الندوة
حميد بن عوض العنزي
***
المهندس أحمد بن عبدالعزيز الراشد الحميد
نائب رئيس لجنة المقاولين ورئيس لجنة المباني
بالغرفة التجارية.
الأستاذ إبراهيم العكاس
مدير عام قطاع المقاولين بغرفة الرياض التجارية.
المهندس بشير العظم
نائب رئيس لجنة المباني.
المحامي بسام أديب القاسم
الأستاذ أحمد الشلالي
عضو لجنة المقاولين.
المهندس خالد عبدالله القصيمي
رئيس قسم الاستشارات الهندسية بالغرفة التجارية.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved