Tuesday 9th March,200411485العددالثلاثاء 18 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شيء من (عبدالعزيز) في كتابات (الريحاني) شيء من (عبدالعزيز) في كتابات (الريحاني)
أنور بن عبدالمجيد الجبرتي

إني سيفك في ايِّ بلاد حللتها، يا أكبر العرب قلباً وأشرفهم نفساً، وأعظمهم عملاً، إنني سيفك ،وإني مشيرك.
هكذا يكتب أمين الريحاني، إلى الملك عبدالعزيز -رحمه الله -تعبيراً عن الإعجاب والحب والمكانة السامية، النبيلة، التي يحتلها الملك عبدالعزيز في قلب هذا الرحالة، الأديب الكبير.
يأخذنا الدكتور محمد بن ثنيان الثنيان في رحلة جميلة سريعة مع الملك عبدالعزيز في كتابات (الريحاني) ،وهذه الرحلة اللطيفة، محتواة في بحث عنوانه (شخصية السلطان عبدالعزيز كما رسمها الريحاني في :(ملوك العرب) وفي تقريره السري والبحث جاء ضمن كتاب من جزئين أصدرته دارة الملك عبدالعزيز ويشتمل على: بحوث، ندوة الرحلات إلى شبه الجزيرة العربية المنعقدة في الرياض في المدة من 24 - 27 رجب 1421هـ.
ها قد قابلت أمراء العرب كلَّهم فما وجدت فيهم أكبر من هذا الرجل، لست مجازفاً أو مبالغاً فيما أقول، فهو حقاً كبير في مصافحته، وفي ابتسامته، وفي كلامه، وفي نظراته..
رأى الريحاني الملك عبدالعزيز يحمل معه ويستخدم (ناظوراً) وكان ذلك أثناء، رحلته معه إلى (العقير) لحضور مفاوضات الملك مع المقيم البريطاني في الخليج (برْسِ كوكس) وكأن الملك -رحمه الله -لاحظ في عيني الريحاني استفساراً وتساؤلاً فقال له: أمرُنا مُشكل - يا حضرة الأستاذ - علينا الكبيرة والصغيرة، فإذا كنا لا نداوم المراقبة لا نكون عالمين بشؤوننا.. العبد والأمير عيننا على الاثنين حتى ننصف دائماً الاثنين ونعدِل بينهما.
ول (الناظور) قصة طريفة أخرى، لكنها مفعمة بالمعاني النبيلة للعدل والرحمة والإنسانية ويقظة الضمير، والخوف من الله، في الرعيَّة إنساناً وحيوانا.ً يورد الدكتور الثنيان على لسان (الريحاني) هذه القصة عن الملك عبدالعزيز:
كان (الملك) إذ ذاك يراقب قافلةً أناخت عند خيمة المؤونة، تحمل إلينا الخُضر والماء من الأحساء، فأمر (الملك) أن يحضر قيِّمها، فسأله سؤالاً بخصوص جملٍ، من الجمال فقال القيِّم: هو حَرُونٌ يا طويل العمر. فأجابه السلطان: اتركه يرعى مع الجيش (أي الإبل الأخرى)، لا ترجعه معك. وبعد أن انتهى من حديثه مع قيِّم القافلة، التفت إلى (الريحاني) وقال له: العَدْل عندنا، يبدأ بالإبل، ومن لا ينصف بعيره - يا حضرة الأستاذ - لا ينصف الناس.
السلطان عبدالعزيز طويل القامة, مفتول الساعد، شديد العصَب، متناسق الأعضاء، أسمر اللون، أسود الشعر، ذو لحية خفيفة مستديرة وشارب.. وله من السنين سبع وأربعون، وله في التاريخ، تاريخ نجد الحديث - مجد إذا قيس بالأعوام تجاوز السبعة والأربعين والمئة. يصف الريحاني الملك عبدالعزيز- رحمه الله- وقد ثارت ثائرته لأمر رأى فيه غمطاً لحقه، من (الانكليز) فسمعه يقول، والعصا الشهيرة في يده: لا - لا - هذا ما يصير، لا نتنازل عن شيء من حقوق أجدادنا.. دعهم يغزلون، فإننا لا نتحول عن جادَّة الحق، ولا نعمل عملاً فيه ظلْمة أو غموض.. لا نعمل عملاً ولا نقول كلمة فيها ظلمة أو غموض، ولا نطلب غير حقوقنا، ولا نخاف غير الله.. أنا ابن سعود لا أعرف غير الجادَّة القويمة، ولا أقول غير الحق لستُ من الغزَّالين.
قال: قرأت - مرَّةً - في حضرة السلطان ما كتب فوق بابه:


لسنا وإن كرمت أوائلنا
يوماً على الأنساب نتكل

وقلت: ليس أشرف منه مبدأ يا مولاي، ولا أجمل منه حكمة - وإني أجلكم وأحترم أهل نجد لأنهم يعملون بها. أنتم عصاميُّون ديموقراطيون، ونحن في زمن يرفع العصامي الديموقراطي فيه إلى أعلى المقامات.
وعندما قرأ عليه:


نبني كما كانت أوائلنا
تبنى ونفعل مثلما فعلوا

قاطعه الملك عبدالعزيز قائلاً (نحن نبني يا حضرة الأستاذ كما كانت تبني أوائلنا، ولكننا نفعل فوق ما فعلوا) همّة عالية، لا نكوص فيها.. ولا تردَّد.
كان جلالة (السلطان) يعامل أعداءه بكرم وأريحية لا مثيل لهما. عندما كان يضرب كان يضرب بقوة، ولكن عندما ينهزم عدوُّه، ويقر بهزيمته، كان يغمره بكرمه، ويعيده قائداً لقومه أو رئيساً لقبيلته).
كان ذا قلب كبير، وعقل حصيف وكان حرَّا، وكان صادقاً ومباشراً في الكلمة وفي الفعل، وكان صاحب مخيَّلة يستطيع أن يرى وجهة نظر الرجل الآخر، ويأخذها في الاعتبار، مهما كان (الآخر)، أجنبياً في جنسه، أو لغته أو دينه.
كتب له (الريحاني) يقول: (إن لي في هذا البيت في (الفِريكة) - يا مولاي أم أجمل ما فيها حب ابنها وخوف الله وقد طالما سمعتني، يا خلف أمس أحدِّث عن رجل نجد الكبير، فسرى حبُّه إلى قلبها وسألتني أن أرفع إليكم سلامها، واحترامها، وهي تذكركم في صلواتها، وتدعو لكم بطول العُمْر ،ويكتب له الملك عبدالعزيز (إني معجب للغاية بأدبكم الجم، وعلمكم الغزير، وصدق وطنيتكم الصحيحة، فاسمحوا لي بأن أبارك لكم فيكم.. سلام أمِكم الرؤوم أوْجَب سُروري).
مبلغاً إياه سلامه لها وتمنياته لها ولجميع أفراد العائلة بالرفاهية والسعادة.
(سلام لبنان على نجد، وحنين وادي (الفريكة) إلى العارض.. قرَّب الله الأقطار بعضها من بعض، كما يقرب القلوب، وأزال المسافات بين الشمال والجنوب، وجمع في الظلال السعودية شمل هذه الأمة العربية).
تحية للدكتور محمد الثنيان على هذه الرحلة الجميلة وشكراً للأخ الدكتور عبدالله السِّماري، هداياه الثمينة، وجهوده المباركة في دارة الملك عبدالعزيز.
نستحضر الملك عبدالعزيز - رحمه الله - في أزمنة التحديات، قائداً للرجال ناهضاً بالعزائم والإرادات قدوة في الحزم والعزم والقرار، كريماً في الخلق عاقلاً وحصيفاً واسع الأفق مستشيراً متوكلاً على الله.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved