Sunday 14th March,200411490العددالأحد 23 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

عَصْر التَّنْبَلة (ذَهَب).. فهل (نبدأ) من الذَّهَب..؟!! عَصْر التَّنْبَلة (ذَهَب).. فهل (نبدأ) من الذَّهَب..؟!!
حمادة بن حامد السالمي

بالأمس القريب، نفذت الدولة إرادتها الصائبة، في (سعودة) قطاع تجارة الذهب، فوفرت بهذا الإجراء الحاسم، عشرات الآلاف من الفرص الوظيفية والمهنية لأبناء الوطن، الذين أضناهم التردد على أرباب الصنعة، وأتعبهم الوقوف على أبواب محلات الصاغة، طيلة سنوات خلت على أن المهم في هذا الأمر، هو ما بعد التطبيق الفعلي الذي رأيناه وتابعناه إعلامياً.. أعني جدارة شبابنا وكفاءتهم، وقدرتهم على انتزاع حقهم في السوق الوظيفية في هذا الميدان، خاصة بعد أن انحازت الدولة بكاملها إلى صفهم، وكذلك الإبقاء على استمرارية قوة الدفع الرسمية لقرار التطبيق والتطبيع، بحيث لا تحدث هناك فجوات أو اختراقات أو تراخيات، أو يستجد من المواقف، ما يعود بنا إلى نقطة الصفر، فتثبط الهمم عند ذاك، وتزعزع الثقة في الجهات القائمة على التطبيق والمتابعة.
كل ما رافق حملة التطبيق في (سعودة) تجارة الذهب قبل أيام خلت، كان متوقعاً، لأن بعض الناس في هذه البلاد - مع شديد الأسف - جبلوا على الأخذ دون المد، وتعودوا استلاب وطنهم، واحتلاب مواطنيهم، والسير في هذا الطريق العجيب، وفق مقولة: (أنا ومن بعدي الطوفان)..!
راقبت وتابعت، تلك التغطيات الصحافية التي واكبت أيام التطبيق الأولى في سوق الذهب، وخمساً وعشرين مهنة أخرى، فوجدت كثيراً من الإبهام أو الإيهام يلف تفسير نتائج التطبيق، من ذلك ما ورد أن ثلث محلات الذهب عندنا، أصبحت مغلقة، وأن بعض هذه التجارة الكبيرة، قد تحول إلى دول خليجية مجاورة.. إلى غير ذلك من اجتهادات أو تفسيرات، لم تفصح عن حقيقة الموقف الذي نعرفه ويعرفه تجار الذهب أنفسهم..!
لماذا يعمد تجار كبار، إلى قفل محلاتهم في وجه قرار وطني مستحق، يستهدف أبناء الوطن، فيعرضوا أنفسهم إلى خسائر مالية كبيرة، وإلى تشويه سمعة أكبر..؟!
هل هذا ناتج عن احتجاج على قرار (السعودة)، وعصيان لقرار سيادي.. أم أن وراء الأكمة ما وراءها..؟!!
لم يقل صحافي متابع هنا، إن التجار (السعوديين) الحقيقيين المعروفين في هذه السوق، ظلوا في مواقعهم، لم يقفلوا أبوابهم، ولم يقفوا في وجه قرار دولتهم، ولم يهاجروا إلى خارج الحدود كما قالوا.. وأن (ما وراء الأكمة)، هو الذي يفسر ظاهرة الغلق والهجرة إن وجدت، فقد انكشف الغطاء هنا، بفضل هذا القرار الحكيم، وبانَ ما كان وما هو كائن، من (غش وخداع وتدليس وتستر)..! ظل ينخر في عظام البلد سنوات طويلة، حتى هزل بسببه عشرات الألوف من أبنائنا، وسمن بسببه عشرات الألوف من الوافدين، الذين ظنوا أنهم هم أصحاب الأرض والحق، بل أصبح كثير منهم، بفضل (المتسترين والمدلسين والغشاشين) من السعوديين، هم (الكفلاء) الحقيقيون لأسماء سعودية كبيرة ، تتصدر واجهات أسواق الذهب.. أسماء لأُِجراء يمررون فرص الكسب للوافدين بالتحايل والخداع..!
ليتنا نستمر في طريق (السعودة)، بهذا الحزم الذي يعري الكل في وضح النهار.. إنها طريقة مثلى، تكشف معادن الناس، سواء كانوا في سوق الذهب أو في سواها من أسواق أخر، فها هنا مثل بقية البلدان في هذا العالم، يوجد ناس من ذهب، ويوجد ناس من نحاس.
قبل بضع سنوات، شرعت الدولة في (سعودة) سوق الفاكهة والخضار في عموم المملكة، وكانت النتيجة، فضيحة مدوية حقيقة، لأن عناوين معظم المحلات، كانت تحمل أسماء سعوديين وهميين لا وجود لهم، أو أنهم يجلسون على المقاهي، ويقعدون أمام التلفزات في بيوتهم، مكتفين بريالات قليلة، (يرشيهم) بها عامل وافد، يكسب آلاف الريالات كل شهر، في بلدهم وأمام أعينهم..! لكن المؤلم أكثر في هذا المشهد، أن قرار (السعودة) إياه، ما لبث أن تراخى حبله في أسواق الفاكهة والخضار، فعاد العامل الوافد، يعمل ويكسب من جديد، وراح صاحب المحل الوهمي، يزور العامل (صاحب المحل الحقيقي)، بين وقت وآخر، بهدف ذر الرماد في عيون الرقابة الرسمية، ولتلبية طلبات (السيد) العامل..! وهذا في الواقع، ما يراهن عليه (بعضهم) في سوق الذهب.
أكتب اليوم، مبتهجاً بقرار (سعودة) أسواق الذهب، وأنا أضع يدي على قلبي، خوفاً من انتكاسة تصيب هذا الإنجاز الكبير، فلا تقوم قائمة بعد ذلك لأي إنجاز مثيل يأتي بعده.. لهذا أقول وأنا ما زلت أملك شيئاً من التفاؤل بالمستقبل، بأن عصر (التنبلة) قد ذَهَبَ، وعلينا أن نبدأ من الذهب. ومن صنوف (التنبلة) عندنا، خلاف الكسل والخنوع والنوم في العسل، التراخي في قراراتنا المهمة، التي نتخذها ونتعامل معها في بداية الأمر، بعاطفة وطنية جياشة، ثم ما نلبث أن ندير لها ظهورنا، وننسى الذي كان من أمرنا..!
شاهدت ذات يوم، حملة تفتيش تنفذ في سوق الهواتف الجوالة، وعندما همَّ رجال التفتيش بدخول السوق، لضبط الباعة غير المرخص لهم، أو الذين لا يحملون إقامات نظامية، كان هناك نذير للقوم يسبق الجميع..! منادياً ومحذراً بسرعة البرق، فما أن وطئت أقدام هيئة التفتيش الموقرة، أول عتبة في السوق، حتى كانت جميع المحلات فيه، خاوية من الباعة..! فعادت الهيئة خاوية الوفاض.. وهذا هو الحال دائماً.
لماذا الخوف من ثلث أو نصف محلات ذهب تقفل أبوابها..؟ ولماذا الوجل من نقص في عدد محلات بيع الفاكهة والخضار والمأكولات والملابس وغيرها..؟ هل تتوقف عجلة الحياة.؟ وهل يموت السعوديون جوعاً ويمشون عراة، وينسون أن يتزوجوا وينجبوا، لمجرد أن عدداً منهم يصر أن يجلب إلى أسواقنا عمالة وافدة، رخيصة بخيسة غير مدربة، يأتي بها من آسيا وافريقيا، ومن شتى أقطار الأرض، لتأخذ أماكن أبنائنا وبناتنا، ولتتحكم في أرزاقنا..؟!
يجب أن يكون الكل، في مستوى ما تخطط له الدولة من سياسات (إحلال وسعودة)، في كافة الميادين.. فليس بالكلام وحده يملك الإنسان السعودي إرادته لابد أن نثق في أنفسنا وفي أبنائنا كافة، وأن نعمل بصورة عاجلة، على إصلاحات تعليمية شاملة، تتمشى مع سوق العمل، ومع حاجتنا إلى الأيدي المهنية المدربة، التي تدحض حجج أرباب العمل، وتدفع ما يكيلونه من تهم للشباب السعودي، تبدأ من نقص في التدريب والتأهيل، ولا تتوقف عند حد، التسيب وعدم المبالاة.
هناك ما يمكن عمله اليوم، من تصنيف للمناهج الدراسية في التعليم العام، بحيث تراعي البيئات الزراعية والصناعية والرعوية والبحرية، وقياس المدخلات على هذا الأساس، هذا إذا أردنا الحصول على مخرجات مدربة في المستقبل، تأخذ طريقها إلى أسواق العمل بسلاسة، وذلك بما تملك من خبرة علمية متقنة، ومن تأهيل مهني جيد.

fax: 027361552


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved