Sunday 14th March,200411490العددالأحد 23 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لما هو آت لما هو آت
كيف إن جاء الموت؟
د. خيرية السقاف

في صفحة شواطئ الثانية, وفي جنوبها الغربي على وجه التحديد في عدد يوم الجمعة 21-1-1425هـ - 12-3-2004م أحصى عبدالكريم الرويشد كعادته في فكرة ذكية وبعيدة الهدف عدد المتوفين في مدينة الرياض من خلال ثلاثة جوامع هي الأكبر في استقبال الموتى رحمة الله عليهم فجاءت النتيجة بعدد يقارب الثمانية آلاف جثة تمَّ الصلاة عليها ومن ثمَّ شُيعت برحمة الله ورضوانه إلى مثواها..., فكيف إن أحصى أولئك الذين تمَّ الصلاة عليهم في المساجد جميعها المتناثرة على امتداد (مدن الرياض) على اعتبار أنَّ الرياض المدينة مدنٌ كما قالت ذلك طفلة الأمس التي غدت اليوم شابة حين كانت تعبر مع والديها شوارع الرياض وأحياءها فقالت: كبيرة الرياض, (مدينة داخل مدينة)...؟!
إحصائية الرويشد للموتى على اختلاف أعمارهم وبجنسيهم خلال 365 يوماً لها بعدٌ آخر في قراءتي الخاصة... إضافةً إلى ما قال: (ودعنا عاماً هجرياً بين طياته أفراح وأتراح, آمال حياة تنتهي وحياة تبدأ, العمر يبلى والأعوام تمضي والحياة في عجلتها تدور... هنا سعادة, وسرور وهناك ألم وأسى, أناس يولدون وآخرون يموتون) ونقل صورة مشاعر الإنسان حين تزور المصحَّات فتجد من يبكي لفقد, أو من يضحك لإضافة.
تُرى...
لو فكَّر كلّّ إنسان في أنَّه لن يبقى أكثر ممَّا بقي, وأنّ الموت آتيه اللَّحظة وأنَّ قلم الرويشد سوف يضمُّه إلى قائمة المفقودين في العام الهجري الذي نمر فيه بيومه الثاني والعشرين, ما الذي سيفعله كلّ منّا؟ هل سيهرع كي يحصد ثمار ما جناه؟ هل سيفكر في قيمة أو معنى أو شكل ما جنى؟ ما هي أولويات حصاده؟ رصيدُه على أيّ لونٍ هو أو شكل؟ هل هو رصيد مال في البنوك أو العقار أو في تجارة؟ وأيَّ نوعٍ من أنواع التجارة؟ هل فيما يزيد عدده ويراكم قوائمه؟ أم فيما يؤود به بطون أقربائه وأهله والمحتاجين؟ هل تجارته في قرض الله قرضاً حسناً أم في تلميع موقعه وإثقال وزنه الخارجي بين الناس؟ هل يزامل تجارته الرِّبحية مالاً بتجارته الرِّبحية عملاً نافعاً؟!
أم رصيده علمٌ نافعٌ, وقولٌ صالحٌ, وتجارةٌ لن تبور؟
أم رصيده عملٌ دؤوبٌ كي يسدَّ حاجة معوز, ويلمُّ شمل مشتّت ويتجاوز عن سيئات الآخرين, ويعفو عن ظلمهم؟
هل رصيده صبرٌ على المكاره, وصمتٌ عن الأسى, وتجاهلٌ للأذيَّة؟ أم رصيده تتبُّع عورات الناس, وإساءة الظن بهم, واغتيابهم, والعمل على ما يمليه هواه في شأنهم؟
هل يخشى الله ويتّقيه في كلِّ ما يقول ويفعل؟
هل يحب الناس ويُقبل عليهم ويتودّد لهم ويبرّهم ويعينهم؟
أم... وأم...
ما الذي حصده كي يواجه الموت؟
أم (سيتفل) عن يمينه ويستعيذ بالله عن (شماله), ويقول لي: أعوذ بالله من هذا الفأل, دعينا نحلم بالحياة الطويلة, وبالرَّغد في الأحلام والآمال؟ مازلنا في مقتبل العمر, ولا يزال لدينا طموح للحياة وأمانيّ عريضة بعرضها؟
وفي النهاية, أجدها وقفة ذكية ومؤثِّرة ومحرِّكة ليقظة الإنسان تلك التي قدّمها في إحصائية (عبدالكريم الرويشد) عن عدد المتوفين في عام واحد من خلال عدد من صُلّي عليهم في مساجد ثلاثة, لكنَّها وقفة تذكرنا بما كان يحدث حين كانت تعبر الجنائز في الشوارع, يحملها أهلها وهم يوحِّدون الله فيذكِّرون بهادم اللّذات, وقد حجب هذا الإحساس نقلُ الموتى بالعربات إلى المقابر, فتمادى الشيطان في أماني البشر.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved