Sunday 14th March,200411490العددالأحد 23 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

تدمرُ بلدُ الحضارة والتراث تدمرُ بلدُ الحضارة والتراث

يوجد في الكثير من البلدان العربية حضارة قديمة وآثار عجيبة ومن البلدان العربية التي فيها آثار قديمة الجمهورية العربية السورية ومن مناطقها الأثرية مدينة تدمر والتي تعد من أعرق المدن العربية في الحضارة، ولها تاريخ قديم يصل إلى آلاف السنين، وتقع تدمر على بعد ما يقارب 100كم من مدينة حمص و150كم إلى الشمال الشرقي من دمشق، وتعتبر تدمر موقعاً تجارياً مهماً في الزمن الماضي بين دمشق والعراق.
يقول د. محمد بيومي مهران في كتاب دراسات في تاريخ العرب القديم: واسم تدمر اسم ساميٌّ يرجع ظهوره للمرة الأولى إلى أيام الملك الآشوري (تجلات بلاسر 1116-1090 قبل الميلاد) وأما اسم تدمر فهو النطق الآرامي لكلمة (تتمر) العربية وربما كان اسم تدمر له أصل بكلمة (تدمورنا) السريانية ومعناها يعجب مَنْ.
ويقول برهان شليّل في كتاب أغنيات إلى تدمر: تدمر مدينة قديمة مشهورة في بر الشام قيل: سميت باسم تدمر بنت حسّان بن أذينة بن السميدع بن مزيد بن عميلق بن لاود بن نوح.
ويقول ياقوت الحموي في معجمه: تدمر: مدينة قديمة مشهورة في برية الشام، بينها وبين حلب خمسة أيام (مسيرة خمسة أيام).
ويزعم قومٌ أن الذين بنوا تدمر وآثارها الجن الذين يعملون بأمر سليمان -عليه السلام- ويستشهدون لذلك ما قاله النابغة الذبياني في معلقته المشهورة والتي يقول في مطلعها:


يا دار مية بالعلياء فالسند
اقوت وطال عليها سالف الأبد

والبيت الذي يستشهد به من قال أن الذين بنوا آثار تدمر هم الجن العاملون بأمر سليمان -عليه السلام- هو:


إلا سليمان، إذ قال الإلهُ له:
قم في البرية فاحددها عن الفند
وخيّس الجن، إني قد أذنت لهم
يبنون تدمر بالصفاح والعمد

بيد أن أهل تدمر ينفون ذلك المزعوم ويقولون ان بناء تدمر قبل عهد سليمان بن داود بكثير، ويؤيد هذا القول ما ذكره ياقوت الحموي أن الناس إذا رأوا بناء عجيبا جهلوا بانيه أضافوه إلى سليمان وإلى الجن.
ومن الأعلام التي لابد أن تذكر إذا ذكرت تدمر المملكة زنّوبيا الأسطورة التي لعبت دورا على مسارح الحكم والسياسة.
كانت زنّوبيا أعظم ملكة في التاريخ القديم والتي أصبحت تدمر في عصرها قوة عظيمة أرهبت الدول المجاورة لها.
وتوجد في تدمر مناظر أثرية قديمة يتعجب منها الناظر والمطالع لها ومن جملة المناظر والآثار الموجودة في تدمر مبان مرتفعة طويلة الأعمدة وتشمل هذه المباني مسارح كبيرة ، يقول خبير الآثار في تدمر الأستاذ سمير بن حمد الأحمد أنها كانت تستخدم في الحفلات والأعياد وتستخدم كذلك في إعدام المحكوم عليهم بالإعدام، وتشمل هذه الآثار القديمة قبورا لأهل تدمر وساكنيها في ذلك الزمن ويسميها أهل الآثار في تدمر مدافن وهي ثلاثة أنواع ..
النوع الأول: قبور عميقة تحت الأرض والنوع الثاني قبور تحت الأرض ولكنها قريبة من سطح الأرض، والنوع الثالث قبور بُرجية وهي القبور التي توضع داخل أبراج.
وتشمل الآثار كذلك معبد الإله المسمى (بل)، شيد هذا المعبد في القرن الأول الميلادي وهو بطول 250م وعرض 210م يتوسطه هيكل ومذبح وزخرفته ذات طراز شرقي روماني، وكان الساكنون لتدمر في ذلك الزمان يعتقدون أنه إله ينفع ويضر، ويعبدونه من دون الله وقد زين لهم الشيطان ما كانوا يعملون.
وتشمل الآثار الموجودة حالياً في تدمر ما يسمى (قوس النصر) ومعبد (نابو) ومعسكر (ديوكلسيان) والكنيسة البيزنطية وتشمل هذه الآثار على صورة جاريتين جميلتين من حجارة وقد جاء ذكر الصورتين على لسان أوس بن ثعلبة شعراً إذ يقول:


فتاتي أهل تدمر خبراني!
ألمّا تسأما طول القيام
قيامكما على غير الحشايا
على جبلٍ أصمّ من الرخام
فكم مر من عدد الليالي
لعصركما وعام بعد عام

ولما علم أبو دلف بما قال أوس بن ثعلبة التميمي أطرق قليلاً ثم أنشد:


ما صورتان بتدمر قد راعتا
أهل الحِجى وجماعة العشاق
غَبَرَا على طول الزمان ومره
لم يسأما من ألفةٍ وعناق
فليرمينّ الدهرُ من نكباته
شخصيهما منه بسهم فراق

وقال محمد بن الحاجب:


أتدمر صورتاك هما لقلبي
غرامٌ ليس يُشبهُهُ غرامُ
أفكر فيكما فيطيرُ نومي
إذا أخذت مضاجعها النيامُ
أقول من التعجب: أي شيء
أقامهما فقد طال القيامُ

وقال أبو الحسن العجلي فيهما:


أرى بتدمرَ تمثالين زانهما
تأنق الصانع المستغرق الفطن
هما اللتان يروق العين حسنهما
تستعطفان قلوب الخلق بالفتن

وجاء ذكر تدمر في الشعر القديم والحديث ومن الشعر القديم ما قاله أبو الطيب المتنبي في القصيدة التي يمدح سيف الدولة والتي يقول في مطلعها:


تذكرتُ ما بين العذيب وبارق
مجرّ عوالينا ومجرى السوابق
وصُحبة قوم يذبحون قنيصهم
بفضله ما قد كسّروا في المفارق

حتى قال:


فليت أبا الهيجا يرى خلف تدمر
طوال العوالي في طول السّمالق

وكذلك ذكر المتنبي تدمر في قصيدة أخرى يقول في مطلعها:


طوال قنا تطاعنُها قصارُ
وقطرُكَ في ندىً ووغىً بحارُ

إلى أن قال:


وليس بغير تدمر مستغاث
وتدمر كاسمها لهم دمارُ

وذكر الشاعر الأمير أبو فراس تدمر في شعره ومن ذلك ما قال:


ألم ترنا أعزَّ الناس جارا
وأمرعهم وأمنعهم جنابا
فلمّا اشتدت الهيجاء كنّا
اشدّ مخالباً وأحدّ نابا
ومِلنَ عن الغوير وسِرن حتى
وردن عيون تَدمر والجبايا

وورد اسم تدمر كذلك في شعر الشريف المرتضى في القصيدة التي يرثي فيها زوجته ويقول فيها:


وداء الردى أفنى ظِباء سويقة
وطيّر عن أجزاع تدمر ربدها

كما جاء ذكر تدمر في الشعر الحديث ومن الذين قالوا شعرا في تدمر الشاعر عبد اللطيف دالاتي في قصيدته (وحيٌ من تدمر) ويقول فيها:


آثارك الغُبرُ تروي قصة العجب
فأنت تدمر مجدٌ عاش في الشهب
أهدى لكِ الخلدُ تاريخاً بثائرةٍ
في مُقلتيها أماني العُرب لم تغبِ
هذي الملاعب كانت من ملاعبنا
والشامخ الصرح بعض من دنى العرب

ومن الشعراء الذين ذكروا تدمر في قصائدهم شاعر تدمر الكبير (ياسين فرجاني) وذلك في أكثر من قصيدة ومن القصائد قصيدته (حبيبتي تدمر) ويقول فيها:


عدتُ والشوق إليها غامري
وفؤادي في جناحي طائر
يسبق الطرف شراعي نحوها
في خضم من حنين زاخر
أجتليها أتملاها رؤىً
في المدى من كل لون ساحر
صورٌ رقت بأجفان الضحى
ومضة الفكر ووحي الخاطر

ويقول ياسين فرجاني في قصيدة أخرى عنوانها (تدمر):


أين مني غدوة في تدمر
ورواحٌ تحت ليل مُقمر
ليلتي نجنى ندي سامر
وصباحي فيض أفق أنور
تبعث النسمة في أرجائه
ضوعة الند وفوح العنبر

ومن الشعراء الذين ذكروا تدمر في قصائدهم الشاعر سليمان العيسى في قصيدته (رسالة) ويقول فيها:


أأغنتكَ عن ليلنا تدمر؟
وروّى المنى أفقها الأسمر
وهزّتك دنيا من الذكريات
تبيد على شطها الأعصر
ولاحت لعينيك بنت الخلود
بنا وبمن حولنا تسخر
أتمضي الليالي ولا نلتقي؟
ويطويك عنّا المدى المقفر

وتغنى كثير من الشعراء بقصائدهم في تدمر والمجال لا يتسع لذكر تلك القصائد.
وسكن تدمر أمم متعاقبة وقبائل متفرقة، وقد فتحها الصحابي خالد بن الوليد-رضي الله عنه- صُلحاً عام 634م ويوافق 13هـ في خلافة أبي بكر الصديق- رضي الله عنه وعن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويكثر السواح الاجانب الزائرون لتدمر والذين تختلف جنسياتهم، ويذكر الأستاذ سمير الأحمد أن السوّاح الفرنسيين هم الأغلبية ويعلل ذلك بقوله إن الفرنسيين سبق لهم احتلال سوريا ولديهم اطلاع على الحضارة في المناطق الاثرية في سوريا، ويذكر أن الجنسيات الأخرى تأتي تباعاً.
وتكثر أشجارُ الزيتون في تدمر مما جعل شاعر تدمر ياسين فرجاني يتغنى بها في بعض قصائده ومن القصائد (واحة الزيتون) ويقول فيها:


واحة الزيتون والدرب سنا
مر بالسفح وجاز المنحنى
قبّل الوادي وفي أجفانه
حلمه الضاحي رغاب ومنى
هذه الدار عشقناها ربا
ما لنا عن هذه الدار غنى
جنّة الحسن على أفنانها
أينع السحر وطاب المجتبى

كما تكثر أشجار النخيل المثمر في تدمر الأمر الذي ربما يخفى على الكثير من الناس.
المراجع
دراسات في تاريخ العرب القديم تأليف د. محمد بيومي مهران.
2 - دليلك في سوريا تأليف د. علي حسن موسى.
3 - ديوان المتنبي.
4 - كتاب المنجد.
5 - معجم البلدان لياقوت الحموي.
6 - شرح المعلقات العشر للتبريزي.
7 - أغنيات إلى تدمر تأليف برهان شليل.
8 - ديوان واحة الزيتون شعر ياسين فرجاني.
* أبو دلف هو: القاسم بن عيسى بن ادريس بن معقل من بني عجل بن لجيم أمير الكرخ وأحد الأمراء الشجعان الأجواد، قائدٌ أديب توفي عام 226هـ.
إعداد - سعد بن محمد الموينع
مدرسة السفارات الابتدائية - الرياض
فاكس 4364337


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved