Thursday 18th March,200411494العددالخميس 27 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نوافذ نوافذ
ماء الملام
أميمة الخميس

قال الشاعر أبو تمام في القرن الثالث الهجري:


لا تسقني ماء الملام فإنني
صبٌّ قد استعذبت ماء بكائي

فلما سمع قصيدته بعض من أصحاب (الذائقة المحدودة العاجزة عن الفوز بالجديد والمدهش الذي يقدمه الشعر)، أراد أحدهم أن يسخر منه.. فأتى بإناء وقال له: أعطني رشفة من ماء الملام، وكان ذوقه قاصراً على استيعاب الكناية المختبئة في تلافيف البيت.
ولكن أبا تمام كان متوقد الذهن حاضر البديهة، فأجابه قائلاً: ليس قبل أن تعطيني ريشة من جناح الذل، يشير بذلك الى الآية القرآنية الكريمة {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (24) سورة الإسراء.
وفي هذه الحادثة الشعرية القديمة جداً، تأريخ قديم لأصحاب الذائقة المتحجرة والقاصرة عن مواكبة مغامرات الدهشة والجدة في العمل الأدبي.
فهم يأتون بأدوات القياس القديمة المستهلكة المرتبطة بمحدودية الزمان، ثم يصنعون منها قوالب مثالية مطلقة، فتغدو بالتالي صناديق مصمتة عاجزة عن مواكبة نفور التجربة الأدبية وانطلاقها، واتخاذها دوما سبق الريادة باتجاه الجديد والمجهول والغامض.
كان الشعر المثالي في زمن أبي تمام هو الشعر الذي يعتمد على عمود كمدخل للقصيدة، وكل ما تجاوز هذا فهو هرطقة وسفسطة، ولكن تظل الصيرورة المتبدلة والمتغيرة الخاضعة للقوانين الكونية الدائمة التبدل هي الحكم النهائي والمطلق في هذا المجال.
وكل محاولة لصناعة السدود والعراقيل والحواجز ما هي إلا محاولات بائسة محكومة بالفشل، فالزمن تيار هادر لن يخضع لآراء البشر حول الحقيقة أو ما يرونه (بمفهومهم القاصر) أنه حقيقة نهائية ومنجزة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved