Saturday 20th March,200411496العددالسبت 29 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الجلسة السادسة عن مسيرة الشعر السعودي الجلسة السادسة عن مسيرة الشعر السعودي

* جدة - صالح عبدالله الخزمري:
الجلسة السادسة من جلسات ملتقى قراءة النص برئاسة د. حسن النعمي تكاد تكون امتداداً للجلسة التي سبقتها حول شعر وريادة محمد حسن عواد.
الورقة الأولى:
د. سعيد السريحي
الحديث عن التجديد والهوية يوشك أن يكون عنواناً لكل بحث ولم يكن كتاب (خواطر مصرحة) للعواد نقداً للشعر أو درسا في البلاغة ونحن نزج به في علم الاجتماع.
إن ما انتهى إليه العواد قد انعكس على مشروعه الذي طرحه في خواطر مصرحة ويحق لي أن أزعم ان الهزيمة التي لحقت بخواطر مصرحة لم تكن ممن وقفوا ضده بل لمن ناصروه حين حاصروه في الأدب وما من سبب لنكبة الشعر إلا نهضة المجتمع.
وأضاف أنه لكي نعي خواطر العواد وننزله منزلته فإن علينا أن نعي المخاض الذي كان يمر به الحجاز قبل دخول الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إليه، فلقد كانت المرحلة التي صدرت فيها خواطر مصرحة مرحلة تفصل بين عهدين متباينين، وهذا الكتاب قال عنه الصبان : انه إنجيل الثورة الفكرية.
وأضاف :إن المشكلة لدينا أننا فصلنا الشعر عن الثقافة ونثرثر بالدراسات التي تدور حوله ، وقال: ان خير الامم هي التي تحول قصائدها إلى مشاريع وأسوأ الامم هي التي تحول مشاريعها الى قصائد.
الورقة الثانية
د. عبدالله المعيقل
ملخص بحث
مؤثرات الإقناع عند محمد حسن عواد
تقوم الورقة على افتراض ان محمد حسن عواد على قناعة تامة بأنه كان يقوم بدور تنويري وتحديثي للأدب والفكر والمجتمع من حوله، وانه يحمل رسالة مهمة ومصيرية كواحد من أبرز رواد النهضة في المملكة وقد قاده وعيه بهذا الدور التاريخي، وإيمانه به إلى توظيف وسائل اقناع متعددة ليحقق الأهداف التي كان يرمي إليها.
وتستعرض الورقة هذه الوسائل واحدة واحدة من خلال استحضار اقتباسات من أقوال العواد من نفسه وعن أدبه وفكره وما قاله عن الآخرون، او قاله الآخرون عنه، وكذلك آراؤه في موضوعات مختلفة كانت تشغل تفكيره، وتحمد أحياناً على استخدام عبارات قاسية وجريئة وصارمة لذوقه ومفاهيم مجتمعه آنذاك.
د. عبدالله المعقيل
ورقة د. أحمد جاسم الحسين
ملخص بحث د. أحمد جاسم الحسين
الذي يعد لملتقى النص الرابع - نادي جدة الأدبي الثقافي
مطرقة التأسيس وسندان التجديد في الشعر السعودي
قراءة في شعر منطقة تبوك
يسعى هذا البحث للحديث عن إشكالية تأسيس تقاليد شعرية في منطقة يعد الاستقرار وانتشار ألوان الثقافة جديداً عليها، وهي بذلك ليست مختلفة عن سواها بل تشكل جزءاً من المشهد الشعري السعودي الذي تجاذبته تيارات متنوعة ابتداء من نشأته، ولعل ما يجعل لهذه المنطقة خصوصية في ذلك شعور بلمسة المتابع في أشعار شعرائها بضرورة التجديد والتجاوز دون أن يواكب ذلك نضوج في الأدوات الفنية.
وليس ما سبق وحده سيكون موضوعاً وهدفاً للبحث الذي يسعى الى مناقشة فكرة تعدد الأنماط الشعرية التي يكتبها الشاعر نفسه، إضافة إلى محاولة التميز والتفرد وليناقش من خلال ذلك أدواتهم الفنية يجعل البحث مدار استشهاداته ومقارباته نصوص شعراء لم يأخذوا حقهم الإعلامي والنقدي نتيجة بعدهم عن المركز (الثقافي - الإعلامي).
ولكون تجاربهم لا تزال في خطواتها الأولى ويستشهد بأشعار لكل من محمد فرج العطوي، منصور الجهني، نايف الجهني، غرامة العمري، فاطمة القرني، عمر باراجي ويدلف البحث من خلال ذلك لمناقشة مفهوم الانتماء والاستقرار والعلاقة بالمكان ليحقق هدفاً آخر هو لفت الأنظار إلى التجارب التي تنمو في الأطراف.
د. أحمد جاسم الحسين
ورقة سحمي الهاجري
ملتقى قراءة النص - 4
مسيرة الشعر في المملكة العربية السعودية - نادي جدة الأدبي الثقافي 1425هـ
ملخص
مقولة الأجيال في الشعر السعودي
(الخطاب في المتن)
هذه الورقة جزء من دراسة تأسيسية أشمل تتناول مقولة الأجيال باعتبارها مفهوماً تاريخياً وفنيا عاماً لتطور الشعر المكتوب باللغة العربية في المملكة العربية السعودية.
والدراسة الأساسية ترتكز على ثلاثة محاور:
- رصد فترات الاتصال الانفصال وتحليل علاقة الخطاب الشعري بالخطاب الاجتماعي.
- إعادة ترتيب العبارات والمواقف بهدف معرفة مدى تأثر الشعر بالخطاب الاجتماعي.
- تتبع التطور الفني للقصيدة، وهل كان هذا التطور من داخل القصيدة نفسها أم خضع لمؤثرات من خارج الدائرة الإبداعية ؟
***
فالشعر - كما هو معروف - اسم فضفاض لانماط من الابداع المختلفة أكثر مما يبدو في الظاهر، وتأثر الشعر بالفضاء الذي يتحرك فيه، والشروط التي ينتج في اطارها يزيد تعاليه العريق على التعريفات المحددة تعقيداً.
وعادة ما يتم تمييز الشعر من خلال مقارنته مع الفنون الأخرى. ووصفه بأنه أسمى الفنون الأدبية، وأقدرها على التعبير عن الذات الإنسانية وأكثرها تحرراً من التجسيد والمحسوسات المادية.
وكما يقول هيجل : « فإن الشعر داخلية تخاطب داخلية. وهذا التخاطب لابد أن يتحاشى كل غاية خارجية غريبة عن الفن، وعن المتعة الجمالية الخالصة وإلا لهبط الأثر الشعري من علوه وبارح المنطقة الشاهقة التي لا وجود له فيها إلا لذاته، وسقط في مضمار النسبي والنثري».
***
ومقولة الأجيال في الشعر السعودي في هذا تطرح من الأسئلة أكثر مما تقدم من الإجابات، واحد من هذه الأسئلة هو:
- هل هذا الشعر بدأ بذرة سليمة زرعت في بيئة مناسبة، وترعرعت ونمت لتصبح نبتة يافعة، ثم صارت شجرة يانعة مثمرة، وارفة الظلال وهو أحد الافتراضات النظرية لمقولات الأجيال أم أن الأمر أخذ مسارا آخر؟
عندما ننقل مقولة الأجيال من الدراسات الوصفية إلى الدراسات التحليلية، تأتي الاجابة عن السؤال السابق غالباً على هيئة مجموعة من السمات منها:
أولاً: صيت الأدباء والشعراء في السعودية يفوق إنتاجهم الإبداعي بصورة ملحوظة.
ثانياً: الحوار والمعارك حول الشعر تفوق منجزه على مستوى الإبداع أيضاً.
ثالثاً: لا يقابل هذا الصيت الذائع والجدل الكثير حضور ذو بال على الساحة القومية فضلاً عن الساحة العالمية، رغم بعض الاجتهادات الفردية المعزولة.
رابعاً: الانتقال من تقليد قديم إلى تقليد جديد في كل مراحل أجيال الشعر، بدءا من مرحلة الإحياء ومرورا بالمرحلة الرومانسية، ثم شعر التفعيلة وصولاً إلى قصيدة النثر.
***
كل ما سبق يفضي بالدارس إلى نتيجة مؤادها أن الخطاب الاجتماعي كان دائماً في المتن، وان كل المظاهر الفنية المحدودة التي تفتقد إلى الاستمرارية والتراكم، غالباً ما تكتب على هامش هذا الخطاب، وكأنها دوامات على سطح تياره المتدفق.
وما مقولة الأجيال في مجملها إلا تسجيل لمراحل كان الخطاب الاجتماعي هو المتحكم في بلورتها وليس التطور الفني للقصيدة من داخلها.
***
منذ البداية لم تكن المشكلة تكمن في مسألة الشكل او المضمون فقط، بل في درجة التصور والوعي المحكوم بفئة ترى ان مصالحها مرتبطة بالماضي وفئة أخرى ترى ان تحسين اوضاعها مرتبط بالمستقبل.
كانت النظرة التقليدية تحاول ترسيخ التأثر بالتاريخ والخضوع له، وتدعو إلى مركزية التراث ، في حين كانت النظرة المعاكسة ترى أن الإنسان هو الذي يصنع التاريخ وأن الإنسان لا التراث هو مركز الدائرة.
وكان الخطاب الاجتماعي السائد يؤكد جوهرية الماضي وعرضية الحاضر، وضرورة المستقبل بمعنى ان الماضي خير من المستقبل في مسار ارتدادي يؤشر رأس السهم فيه إلى الخلف.
في حين تقوم النظرة الاخرى على ان السنن الكونية مبنية على ان المستقبل خير من الحاضر وان الحاضر خير من الماضي، في مسار تقدمي يؤشر رأس السهم فيه إلى المستقبل. ومازال كثيرون ممن يؤيدون هذه النظرة يرون ان الخطاب الاجتماعي السائد يمثل مركزية دائماً ما تؤكد حضورها وتضمن بقاءها، تمجد العنف وتكرس الوضوح، وتحارب المجاز وتعتقل القارئ وتعتمد على الاستهلاك لا الانتاج، فهي لا تنتج شيئاً وتستهلك كل شئ . وإمعان هذا الفريق في تحدي الخطاب السائد يقوم على اعتقادهم بأنه خطاب متناقض ومهلهل وضعيف، وإن كان على مستوى السطح يمتلك صوتاً غوغائياً قوياً وخطراً.
وقد تأثر المنتج الشعري بالوقوع تحت سطوة هذا الاستقطاب الخطابي، فافتقدت الإشارة اللغوية حرية الحضور، وتأثرت الصورة الصوتية والتركيبة الدلالية للشعر، إضافة إلى الاستعجال في تقليد الآخرين واستهلاك إنتاجهم إبداعاً وتنظيراً لمواجهة استحقاقات هذا الاستقطاب الذي تسبب من جهة أخرى في تقطيع أوصال التراكم الإبداعي.
كان الشاعر يعاني مشكلة الهوية، فلا هو يستطيع البقاء في جلباب الأجداد، ولم يجد لنفسه هوية أخرى واضحة المعالم، فاضطر أحياناً إلى ما يشبه النحت على الهواء، أو ما يشبه حركات (البانتومايم) فيتخيل أنه يمسك لوحاً من الزجاج، ولا زجاج، أو يجلس على كرسي ولا كرسي، أو يقلم شجرة ولا شجرة.
يتبنى قضايا عامة هلامية قومية أو أممية أو عالمية، لعدم وجود مشروع وطني واضح ومحفز.
وفي هذا السياق كان التقليد والمرجعيات الغربية عن واقع الحياة ونبض الناس أشبه بمحاولة إضافة عقلة مطعمة من شجرة، ولصقها في جذع شجرة عقيم.
***
الشعر أساساً مضماره الإبداع والخيال والجماليات، ويضعف حين يغلب عليه الطابع الفكري الموضوعي و مقولة الأجيال في الشعر السعودي اعتمدها بعض الباحثين بشكل مباشر، ووافقهم الآخرون بصورة أو بأخرى مع اختلافات في التفاصيل لا في الجوهر.
وهذه المقولة في ظاهرها تركز على التطور التاريخي الفني والجمالي ولكنها في العمق تقدم مساراً فكرياً خطابياً في الدرجة الأولى.
وهذه الدراسة تحاول سبر أغوار مقولة الأجيال، وإعادة ترتيب العبارات المتناثرة في ثنايا القضايا التي كانت المقولة تحرص على تقديمها في خطاطة طولية، وذلك بهدف فحص موقع الخطاب الاجتماعي من خطاب الشعر المحلي، والعلاقة الجدلية بين الخطابين.
***
يبتدئ عبدالله عبدالجبار كتاب (التيارات الأدبية) في قلب الجزيرة العربية بالتأكيد على وجود (أدبين مختلفين: أحدهما أدب شعبي يتخذ لغة الشعب أداة للتعبير، وهو أدب حي قوي له قيمته الممتازة حيث إنه مرآة صافية لحياة الأعراب في باديتهم، وثانيها: أدب تقليدي لا يصدر فيه أصحابه عن أنفسهم، وإنما يقلدون فيه غالباً أهل الحواضر من المصريين والسوريين والعراقيين).
وهذه العبارة خليقة بأن تكون لها الصدارة في مقولة الأجيال في الشعر السعودي، فكل جملة فيها تفتح أفقاً، وتحيل إلى مجموعة من القضايا وتبذر عدداً من الأسئلة.
بداية ما دمنا قد حصرنا في الشعر السعودي فلابد أن نشير إلى أن توحيد الدولة في كيان سياسي مستقر وإن كان قد استوعب مساراً شعرياً موجوداً من قبل إلا أنه أدخله في زمن جديد له متطلباته وآفاقه وشروطه الخاصة. فإذا كانت هذه النقلة لا تشكل فترة انقطاع تام عن الفترة السابقة فإنها على كل حال ظاهرة انفصال كبرى.
كانت الدولة الناشئة تحتاج إلى أدباء وشعراء لدعم مفهوم السيادة والاستقلال واستكمال شكل الدولة، فهي تحتاج إلى علم وسفارات وبنى سياسية وإدارية واقتصادية وثقافية. وقد شرعت الدولة فعلا في استكمال هذه البنى. معتمدة على القوى الحية في المجتمع وفي طليعتهم الأدباء، الذين استجابوا للنداء، وبدأوا ينافحون عن دولتهم ومجتمعهم.
لم تعد القدرة على إبداع شعر جيد هي المدار الأساسي، فكثيراً ما يتم تجاوز محدودية القدرة أو تجاهلها تماماً في سبيل تلبية الحاجة إلى تكوين شعر وأدب للدولة المستقلة فالأدب في هذه الفترة شكَّل حاجة فكرية سياسية واجتماعية على وجه التحديد أكثر من كونه أساساً حاجة جمالية وانسانية عامة. وهذا يفسر دعوتهم في نفس الفترة إلى إيجاد قصصي كما أن الآخرين عندهم قصة.
وهذا ما سماه بعض النقاد بإيقاع المفارقة في حركية الفكر الأدبي، أي أنه كانت هناك استجابة لحاجة محلية في إثبات طموح لوجود أدبي لها أمام البيئة الثقافية العامة.
حدث ما يشبه انتفاضة للشعراء فقد كان الوضع سيالاً بعد فترة طويلة من الجمود المرير، وكانت بيئة مناسبة لطرح اسئلة مثل: ماذا استطيع؟ ماذا أعرف؟ ماذا أكون؟ التي تطرح في أوضاع مشابهة.
قبل الاسترسال في فحص العوامل التي شكلت الخطاب الشعري، يجدر أن نعود إلى طبيعة موقع الشعر العربي الفصيح، الذي تغير بدءا من إنشاء الدولة الإسلامية الأولى.
ويمكن هنا إيراد قضية معروفة ومتكررة، وهي أن الشريعة قد أخذت من الشعر وظيفة تشريع القيم واجتراح الرؤى الجديدة والمعرفة، وبقيت له الوظائف الاجتماعية والسياسية والترفيهية، وتحول الشاعر من مبدع للقيم إلى مبدع للأشكال، وتحددت شخصيته بالصياغة والأسلوب، أكثر مما ارتبطت بالكشف عن آفاق فكرية جديدة، وقيم إنسانية خالدة.
فقد تراجع الشعر إلى المرتبة الثانية بعد النثر لعوامل كثيرة ليس هذا مجال تفصيلها.
ويسوق النقاد عدة عوامل معاكسة جعلت الشعر يتفلت من هذا الموقع في مراحل تالية من التاريخ الإسلامي في محاولات لا تنقطع لاستعادة مكانته القديمة، في بعض فترات التبدل التي غيرت فيها مؤسسة المصلحة الاجتماعية من قيم المؤسسة الدينية الفوقية.
ومهما قيل عن أن الخطاب السائد في جانبه السلبي نحو الشعر لا يشكل عائقا أمام الإبداع إلا أن الشاعر الفصيح بصفته فرداً من الطليعة الثقافية لا يستطيع أن يغفل ما يعرفه دائماً وهو أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن هناك خطاباً تقليدياً يتربص بأي تجاوز ابداعي في كافة مناحي الحياة.
منذ البداية كان كل من (الاتباعيين والابتداعيين) - وهي التسمية التي تواضعوا عليها - على وعي تام بغربة مرجعيته ويتبناها على هذا الأساس ويدافع عنها مما يمكن اعتباره اعترافاً ضمنياً بأن البعد الجمالي تابع للبعد الفكري.
وفي هذا الجو بدأت احدى السمات التي ستلازم الشعر السعودي في فترات تالية، وهي سمة تستمد جذورها من أدبيات السلطة أو المؤسسة الرسمية، فقد كانت فترة نادرة من التاريخ تواشجت فيها بنية الحل والعقد إلى درجة التماهي بين الخطاب السياسي والاجتماعي والشعر. فكان الشعر والحوار حول الشعر يدور في فلك الخطاب مما أثر على تطوره الطبيعي على مستوى الجماليات.
بانتهاء مرحلة التأسيس ابتعد الشعراء ارادياً بشكل أكبر عن الدائرة المحيلة ونبض الشعب أو مشاكله، وأخذ هذا الابتعاد صورتين:
الأولى: الابتعاد إلى الدائرة القومية وكان أهم مظاهر هذا الابتعاد الانغماس في الناصرية، والاهتمام بمشاكل الشعوب العربية وقضاياها القومية والمزيد من تقليد الادباء العرب في الأقطار الأخرى.
والثانية: الانغلاق في الذاتية والشعر الوجداني.
والانتقال للدائرة القومية أو الانغماس في الذاتية أعفاهم - مؤقتاً - من الاشتباك مع الخطاب المهيمن.
ومن أبرز السمات التي تتسم بها هذه المرحلة كما يقول الدكتور إبراهيم الفوزان: (خفوت حركات الصراع بين أنصار الاتباع والابتداع).
ولكنه لم يلتفت إلى أن هذا أمر طبيعي لأن الشعر ابتعد عن ثنائية الحل والعقد على المستوى المحلي التي كانت سبب هذا الصراع أساساًَ. ومن المهم الإشارة إلى أن هذا الانزواء سمح بظهور مئات الشعراء على المستوى الكمي بدون كثير طائل على المستوى الفني.
وهذه الفترة تعتبر فترة انقطاع من جهة مجادلة الخطاب المحلي التي توقفت عند العواد.
يقول الغذامي: (ظل العواد وحيداً منذ ظهوره في عشرينيات القرن العشرين، إلى حين ظهر... جيل محمد العلي وسعد الحميدين وأحمد الصالح وعلي الدميني).
وفيها تحقق بعض المظاهر من جهة التناول الفني وخصوصاً على مستوى الشكل ولكن اعتمادها على المرجعيات الخارجية أبقى أغلب هذه المظاهر بعيدة عن سياق التطور الطبيعي لإنتاج الجيل السابق.
وهي وإن أنجزت تنوعا على مستوى المضامين إلا أنها ظلت تفتقد عمقها المحلي، لأن مصدرها يأتي خلسة وبعيدا عن نبض حياة المجتمع وحاجاته وآماله وتطلعاته ، مما جعل أحمد محمد جمال يقول أمام مؤتمر الأدباء السعوديين عام 1394هـ إنه لا يوجد عندنا أدب. وتنبئ عباراته هذه بنوع من الاحتقان، فقد قيلت إبان تباشير الطفرة الاقتصادية، واتساع قاعدة التعليم والوعي في المجتمع السعودي، وتفاعله مع مقتضيات تلك الطفرة. حيث عاد الوضع سيالاً مرة أخرى وقابلاً لتشكيل جديد، على غرار ما حدث إبان الطفرة السياسية في بداية تأسيس الدولة. وأصبح الوضع مهيأ لنوع من التحولات التي تعتبر نوعاً من تجديد التأسيس.
***
بعد مؤتمر الأدباء السعوديين بعام واحد صدر ديوان (رسوم على الحائط) لسعد الحميدين الذي اعتبره الكثيرون رائداً ثانياً بعد العواد.
كان هذا الديوان وما تلاه من دواوين الحميدين نقلة نوعية لخلخلة الخطاب السائد على مستويات عدة، بصورة أكثر كفاءة وصلاة من تجربة جيل العواد. وبمفاهيم جديدة. يقول على الدميني عن هذه الفترة (غدت كتابة قصيدة التفعيلة بالنسبة لي معادلاً لممارسة حرية التعبير، وأداة للتغيير).
في البداية لم يفطن الخطاب الاجتماعي السائد للنقلة الجديدة. وبدا كأن المسألة لا تتعدى مجرد مجرد التنفيس (بالشخبطة) على جدران الخطاب كما يفعل المراهقون.
ولكن حدث جدل بين مجموعة من الأدباء الشباب في ذلك الوقت حول البنية والبنية المتحولة نبه إلى خطورة الأمر على بنية الخطاب الاجتماعي نفسه، ولفت الأنظار إلى أن هناك أفقاً جديداً بدأ يظهر، والخطاب الاجتماعي أساساً من عاداته العريقة أنه ينظر دائماً بريبة لى أي جديد، فانطلقت الهمهمات التي سرعان ما تحولت إلى صيحات بالتفسيق والتكفير.
وكما اعتمد اشتباك الخطاب الشعري مع الخطاب الاجتماعي في مرحلة التأسيس على رائد هو العواد، كان بمثابة النواة التي تشرنقت حولها آليات الاشتباك وقضاياه، أعادت مقولة الأجيال تكريس ريادة الحميدين للمرحلة الثانية من هذا الاشتباك من خلال إعادة نموذج المثقف الشامل.
ومما يلفت النظر أن تركيز المهاجمين في الدرجة الأولى كان على الغموض لأنه أهم ما يؤرق الخطاب السائد الذي يحرص على الاستمرار في فرض سلوك بعينه على كثرة من الناس بعينهم، هم مجموع الناس الذين يعتبرهم الخطاب السائد من رعاياه، وممتلكاته الخاصة. والاحتفاظ بهم فيما يشبه السجن الكبير، الذي من سماته كما يقول فوكو (انكشاف الداخل انكشافاً يمكن الإحاطة به بنظرة واحدة).
ومما يؤيد ذلك أن الشعر الحر وجد منذ مرحلة مبكرة، ولم يهاجمه أحد.
وفي النهاية الخطابية لتلك الفترة عاد الحميدين إلى نوع من التسليم بقوة الخطاب المضاد، يتساءل د. نذير العظمة عن حوافز الكثافة في شعر الحميدين هل لأن الشاعر يخشى أن يفصح عما يختلج في صدره مرة واحدة؟
ويضيف في موضع آخر بأن بعض شعر الحميدين يتقنع بغلالة من الغموض خوفاً من الرقابة الاجتماعية التي لها حضور لا في فكر الشاعر وإبداعه فحسب بل في تعبيره وسلوكه اليومي حتى إنها غالباً ما تتحول إلى رقابة ذاتية.
ويستهل الحميدين ديوانه (وللرماد نهاراته) بعبارة كافكا:
(لدي مطرقة قوية لكنني لا أستطيع أن أستعملها لأن مقبضها يشتعل).
للمرة الثانية يجد الخطاب الشعري التقدمي نفسه مهزوماً.
في المرة الأولى كانت هزيمته أمام مجرد خطاب اجتماعي تقوم بنيته على التقاليد القديمة، ولكنه في المرة الثانية هزم أمام خطاب أممي معقد تنتجه جماعات لها امتدادات خارج الوطن وبعضها مرتبط بشكل أو بآخر بآليات الحرب الباردة، والصراع بين استخبارات القوى العالمية المتصارعة.
في هذا السياق الذي كان الشعراء يعونه تماماً، دخل الشعر في أزمة جديدة لأن العلاقة بينه وبين الخطاب علاقة جدلية، وهي علاقة تتحول في مثل هذه الظروف إلى علاقة مأزومة.
وتصل بنا مقولة الأجيال إلى المرحلة الرابعة، وهي مرحلة قصيدة النثر. ومرة أخرى يدفع الخطاب المهيمن بالخطاب الشعري إلى الرغبة الذاتية والمرجعية الخارجية يقول محمد العباس:
(وقصيدة النثر توحي في ظاهرها بنوع من الصوفية الفكرية، ولكنها في العمق تؤسس خطاباً شعرياً مقابل الخطاب الاجتماعي السائد).
كان الشعر قد دخل في عزلة وأزمة بسبب الخطاب، وجاء شعراء قصيدة النثر ففكوا عزلة الشعر بتجريب تقنيات جديدة.
وتميز شعراء قصيدة النثر بالوعي بكل تجارب الأجيال السابقة في جدليتها مع الخطاب الاجتماعي ويضيف محمد العباس :
' إذا كانت قصيدة النثر قد رسخت حضورها الخطابي - وهو الأهم - بالدرجة الأولى وحققت بعض النجاحات في مسارها الفني إلا أنها مازالت تحاول ترسيخ نفسها من الناحية الفنية - وهو المهم).
ويلاحظ أنه حدد الأمر بأنه لا يخرج عن نطاق التجريب أو على وجه الدقة تقليد التجريب.. وليس البحث عن مناطق اشتغال جديدة كما يعتقد بعض النقاد حسب روايتهم عن الشعراء أنفسهم.. إلا بقدر ما يفرض عليهم الخطاب الاجتماعي.
سحمي الهاجري
المداخلات:
* د. محمد ربيع الغامدي: رأيت أن كلام د. السريحي فيما قرأته لك في بعض تعليقاتك أن الحداثة حداثة حياة وليست حداثة نص. ثم ما علاقة ما قيل اليوم في استعمال العواد لحداثة النص وما قيل في رأي آخر أن الحداثة تعدت ذلك؟
* د. حسين المناصرة: العواد يجب أن يقرأ ضمن ما بعد الحرب العالمية الأولى وهو جيل عربي يحاول التخلص من الحكم التركي.
* د. صالح الغامدي: قال إن عنوان ورقة د. المعيقل لا يعكس ما في الورقة فالعنوان الذي اقترحه للورقة.. حكاية الحداثة عند العواد.
* د. عبدالله الثقفي: قال إن ورقة السريحي تعد بأشياء جديدة وكنا كمن يستمع إلى قصيدة وليس إلى بحث.
* مداخلات أخرى من سهام القحطاني، حليمة مظفر، د. حافظ المغربي، د. جريدي المنصوري، د. احمد الطامي، د. شوقي أبو زهرة.
* وقد علق المتحدثون على هذه المداخلات.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved