Sunday 21st March,200411497العددالأحد 30 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شئ من شئ من
الإصلاح.. حتى لا يصبح قميص عثمان
محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ

الحديث عن الإصلاح أصبح هذه الأيام هم من لا هم له، وشُغل من لا شغل له.
وأصبحت عرائض الإصلاح، والمطالبات بالتغيير (على ظهر من يشيل). وكلنا يعلم ان الاصلاح كمبدأ، وكمنهج، وكآلية، ليس مطلباً فحسب، وإنما هو حتم تفرضه تغيرات الزمان وضرورة مواكبة هذه التغيرات. غير أن التمادي في المطالبة بالاصلاح، بهذا الشكل المندفع، أو بالأصح الانقلابي، دون أن نأخذ في الاعتبار مدى استعدادنا موضوعياً لاستيعاب بعض هذه المطالب الاصلاحية قد يحول هذه الاصلاحات الى ضدها تماماً، بمعنى أن هناك احتمالية كبيرة لان تأخذنا هذه المطالب في حالة تلبيتها، ودون أن نكون مهيئين للتعامل الايجابي معها، الى انفراط (العقد الاجتماعي) واسقاط البلاد والعباد في دوامة من الأزمات والاشكاليات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي قد تكون نتائجها النهائية مدمرة وخطيرة بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى.
والاصلاح - على ما يبدو - أصبح كقميص عثمان وأصبح نائلة. أي أنه غدى شعاراً يرفعه ويزايد عليه أناس لأهداف ذاتية ومطامح شخصية، فضلاً عن أنهم لا يحملون من التأهيل التخصصي، ولا التجربة، ناهيك عن الوعي، ما يؤهلهم للاضطلاع به. وإذا كان لنا في التاريخ عبرة فإن هناك الكثير من المشروعات الاصلاحية التي عرفها تاريخ بعض الدول، كانت عندما بدأت تهدف الى تطوير أنظمة هذه الدول، والأخذ بيدها من حالة الثبات عند الراهنية الى حالة المواكبة والمعاصرة، غير ان اندفاعها، واستعجالها وعدم تدرجها، ناهيك عن بعدها عن العمل حسب مقتضيات الواقع، انتهى بها الى حالة من حالات الفشل الذريع، فقادها الى التفكك، ومن ثم التلاشي. والسبب في تقديري يعود الى ان هذه الدول كانت غير جاهزة ولا مهيأة ثقافياً واجتماعياً ومعرفياً للتعامل مع الحالة الجديدة المفاجئة التي وجدت نفسها فيها، الامر الذي سعى بها الى وضع من اوضاع الفلتان والفوضى والتردي الاقتصادي، لذلك فإن إلغاء البنى الإدارية والاقتصادية والسلطوية القائمة بحجة الاصلاح، وإحلال بنى ادارية واقتصادية وسلطوية جديدة محلها، قد لا تملك الخبرة ولا الدراية ولا المعرفة الإدارية للتعامل مع الوضع الجديد، من شأنه ان يؤدي بهذه الدول حتماً الى حالة من التخبط الإداري والسياسي والاقتصادي، ليصبح الوضع الجديد في المحصلة، وإن حمل الكثير من الألق والجمال والمعاصرة من الخارج، إلا أنه من الداخل هش وهلامي، ومن الضعف الى درجة لا يستطيع فيها ان يُبقي على تمالك العقد الاجتماعي مترابطاً وملتحماً، فتكون الكارثة التي من شأنها أن تعصف بالوطن - لا سمح الله
هذا ما يؤكده التاريخ في (الثورة البيضاء) التي رفع لواءها شاه ايران كثورة اصلاحية فأسقطت إيران الشاهنشاهية الى الأبد، وهذا ما رأيناه أيضاً وبمنتهى الوضوح سبباً لا يرفضه إلا مغالط أدى بالاتحاد السوفيتي الى مقبرة التاريخ.
لذلك فإن شرط (الضرورة) الذي لا يمكن تجاهله ولا التفريط فيه لإنجاح أي مشروع إصلاحي، هو (التدرج) في التنفيذ وفق استراتيجية واضحة المعالم، والتعامل مع (التغيير) الذي يتطلبه الاصلاح على أنه هدف بعيد المدى، وليس آنياً، او حتى قريب المدى، وهذا ما يجعل سياسة (المراحل) هي السياسة التي يجب مراعاتها واعتمادها في مثل هذه الشؤون، وسياسة (المراحل) تعني، بمنتهى الاختصار، تقسيم العمل الإصلاحي الى مراحل، كل مرحلة تعنى بشأن إصلاحي معين، ولا يتم الانتقال من مرحلة الى أخرى إلا بعد التأكد من أن كل مرحلة قد استوعبها المشروع الاصلاحي تماماً، وتم علاج او تفادي ما يكتنفها من أخطاء عند التطبيق، بحيث يصبح المجتمع جاهزاً بالتالي للانتقال الى مرحلة لاحقة، وهكذا...
وفي وضع سياسة المراحل فإن المعمول عليه هو (الموضوع) وليس الزمن، بمعنى ان الالتزام (بخطة زمنية) محددة منذ البداية، والتقيد بها، بغض النظر عن مدى جاهزية المجتمع لاستيعاب المرحلة اللاحقة، قد يؤدي الى المحذور. لذلك فإن من أكبر الأخطاء تقديم الزمن على الموضوعية والواقعية، لا سيما وان القدرة على تقدير عمر كل مرحلة من مراحل الاصلاح منذ البداية هو ضرب من ضروب التخمين، الذي قد يثبت عند التطبيق على الواقع خطؤه بشكل أو بآخر، الأمر الذي يحتم علينا ان نتعامل مع الموضوع وليس الزمن الذي يجب ان يكون مرناً، وقابلاً للتمديد، متى كان ذلك ضرورياً.
بقي أن أقول: إن الإصلاح المندفع، والذي لا يقيم لمقتضيات الواقع وزناً، قافزاً على الحقائق على الأرض، هو بكل المعايير (تخريب)، وتفريط بالمكتسبات الوطنية، وتجديف ضد كل ما من شأنه مصلحة البلاد العليا، وإن حمل عنوانا غير ذلك.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved