Sunday 21st March,200411497العددالأحد 30 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

تهامة (الوسطى) .. متى (تَلْحق) بالرّكْب ..؟!! تهامة (الوسطى) .. متى (تَلْحق) بالرّكْب ..؟!!
حمّاد بن حامد السالمي

* لن أحدثكم هنا، عن خيرات وإمكانات هذا الجزء العزيز، من الوطن العزيز، فهي مشهودة مشهورة في سماء الوطن.. سوف أحدثكم فقط، عن مشاهدات وأمنيات.. مشاهداتي على أرض الواقع، وأمنيات أولئك الذين يعيشون هذا الواقع.
* في العام الفارط، زرت محافظة (القنفذة)، ونقلت على مدى ثماني حلقات من حدود الوطن في هذه الصحيفة، ما وقفت عليه من معلومات وانتقادات، تهم مئات الآلاف من المواطنين في هذه المحافظة الكبيرة.
هذا العام، وتحديداً في النصف الأول من شهر مارس الجاري، زرت محافظة الليث، وزرت معها كذلك مركزي كنانة وحلي في جنوبي القنفذة، اللذين لم أتمكن من رؤيتهما في الزيارة الأولى.
* من طفيل شمالاً بعد الشعيبة، وحتى كنانة جنوباً، ومن مياه بحري الليث والقنفذة غرباً، حتى الصدور الجبلية في غميقة وأضم والعرضيتين، يعيش قرابة مليون إنسان، في مئات من القرى والأودية، التي تفتقر إلى الكثير من الخدمات الأساسية المتعلقة بحياتهم اليومية، فالخدمات البلدية هنا تحبو، والخدمات الصحية متواضعة إلى حد ملفت، والخدمات الاجتماعية والشبابية تكاد تكون معدومة. على أن (أم القضايا) في هاتين المحافظتين على ما بدا لي، هي (الإدارة العامة)..!
* لماذا ظلت مدن الساحل الغربي وهي قديمة التكوين، ومكتظة بالسكان، أشبه بقرى في قلب الصحراء..؟ ولماذا يموت مرضى النزيف بين الليث ومكة..؟ ولماذا ترتفع نسبة التسرب من التعليم العام في الليث تحديداً..؟ ولماذا يتصدر الهنود والبنغال والأفارقة وغيرهم، لصناعة الصيد والزراعة والحرف والمهن المختلفة، دون أهلها الأصليين..؟ ولماذا تظل الرمال الجافة، تسفو سطوح المباني والطرق، وتصفع بحبات الرمل وجوه الناس..؟ ولماذا يسمع الفقراء والمحتاجون، عن الجمعيات الخيرية ولا يرونها..؟ ولماذا تتفاقم البطالة، ويتكاثر عدد المتسللين والمتخلفين..؟ ولماذا تكاد تختفي أي صورة من صور الإبداع الشبابي - رياضية - أدبية - فنية - علمية..؟ ولماذا .. ولماذا.. ولماذا ..؟؟؟!
* إذا أردت أن تعرف السبب، فابحث عن مستوى الأداء الإداري، وهو مرض ضارب بأطنابه في هذه الجهات.. هذه حقيقة عرفتها عن قرب. لقد وصلت إلى طفيل صباحاً، ومن ثم وقفت على مركز (سَعْيَا) وقت الدوام، وحرصت أن أدخل المراكز الإدارية في (الغالة وغميقة وأضم وكنانة وحلي)، قبيل الظهر بقليل، وعلى امتداد الساحل لثلاثة أيام، دخلت هذه المراكز الإدارية الستة، فما ظفرت إلا برئيس مركز واحد كان على مكتبه، ولما أردت طرح قضايا الناس أمامه للبحث والدراسة، اعتذر بلطف، بحجة أوامر تلقاها تمنعه من ذلك.. ومثله فعل رئيس مركز آخر، أتى من داره بعد ان أبلغه من قبل (الخويا) بوجودي، وطلبي إياه..! ورئيس مركز ثالث، جاء بالطريقة نفسها، وثلاثة رؤساء مراكز آخرين، لا يعرف أين هم..!
أما الجواب، فهو دائماً: سعادة الرئيس في الطريق، أو هو مشغول وسوف يأتي إن شاء الله..! لكن.. ينتهي الدوام، دون وصول صاحب الطريق، ولا مجيء ذلك المشغول..!
* الأمر ينطبق على محافظ كذلك، غير موجود طيلة الأسبوع..!وعلى مسؤولين آخرين، ليسوا على مكاتبهم دائماً، في منطقة تعاني من تعقيدات اجتماعية واقتصادية كثيرة، وتزداد وتيرة الشكوى عند المواطنين هنا، حتى من بعض (المسؤولين) فيها..! وهي منطقة واضح أنها متأخرة تنموياً عن مثيلاتها في مناطق المملكة.
* هنا يوجد (بيروقراطية) إدارية، لكن أين هي الرقابة الإدارية المسؤولة عن مثل هذه الحالة..؟
* أعود فأقول، بأن (الإدارة العامة) في محافظتي الليث والقنفذة، هي المسؤولة عن الوضع الصحي، وخاصة في محافظة الليث، وعن التنمية المدنية والاجتماعية، التي يبدو انها تسير بدون استراتيجية تنموية واضحة، تراعي الطبيعة البيئية، والتركيبة السكانية، في جغرافية موزعة، بين سهل ساحلي مائي، وسهل رملي شبه صحراوي، ومنطقة جبلية وعرة. فلا هي أنمت الساحل بما يكفي، ولا هي أعطت أهل الجبال حاجتهم، ولا حتى أمنت الأودية الزراعية، من غوائل السيول وغدرها.
* إنه ما عدا التعليم العام، الذي عمّ كافة المدن و القرى والمراكز، وظل أبناؤه عنواناً بارزاً لوطنهم، بما يمثلون من حضور واع، وبما يحملون من رسالة إنسانية وطنية غالية، فإن أهالي محافظة الليث، وكذلك مركزي كنانة وحلي من جنوبي القنفذة، لا يخفون عن زائريهم، معاناتهم الكبيرة، من تلك الشوارع الترابية (المبطنجة)، والخدمات الهاتفية المذبذبة، وحاجتهم إلى الماء والكهرباء، وضعف مستوى المراكز الصحية. وحتى ما هو أكبر منها مثل مستشفى الليث، ليس بمقدوره علاج المصابين بالنزيف، فينقلون إلى جدة ومكة، ويموت بعضهم قبل بلوغ الهدف.
* بين حلي والصُّلب، قضية عمرها تسع سنوات، هي طريق ترابي طوله (9كلم). البلدية تعمد إلى التعجيز، وضعاف النفوس يستغلون ضعف الإدارة وتعجيز البلدية، والتراب يشكل سحابات فوق آلاف الناس، طيلة الليل والنهار..!
* وفي حلي مخطط سكني عمره (25 عاماً)..! سكنته العقارب والحيات، ومات الذين كانوا يحلمون بحقهم في سكناه..! والسبب، ضعف إدارة، وسوء تخطيط.
* تصوروا أن مليون إنسان، يعيشون في بقعة بعيدة عن المنافذ الجوية والبحرية بمئات الكيلومترات، كيف تنمي دخلها؟، وكيف تطور مستواها المعيشي؟، فلا يوجد مطار واحد، ولا ميناء واحد، مع ان ميناءي القنفذة والليث، هما من الموانئ التاريخية المعروفة على البحر الأحمر من قديم الزمان، وأقرب مطار لليث، هو مطار جدة على بعد 220 كيلاً، وللقنفذة، هو مطار العقيق في الباحة على بعد 280 كيلاً.
* إذا أردت ان تعرف: كم شاباً نبغ في الأدب أو الرياضة أو الفن أو العلوم الأخرى، فاسأل أولاً: هل يوجد منشآت أو مؤسسات لمثل هذه المناشط..؟
* توقفت كثيراً عند حديث الناس، وهم يفخرون بطريق تم فتحه هنا، أو مدرسة بنيت هناك، أو كهرباء أضاءت قرية، ثم يربطون هذه الإنجازات الجميلة جميعها، بزيارتين تاريخيتين مهمتين في حياتهم، الأولى قام بها الأمير أحمد بن عبدالعزيز، والثانية، قام بها أمير منطقة مكة المكرمة، وكأني بهم يتطلعون إلى زيارات مماثلة في كل وقت، حتى يتحرك المسؤولون هنا، ويفعلوا شيئاً من واجبهم المناط بهم..!
* أعتقد أن منطقة كبيرة كهذه، تشمل (تهامة الوسطى)، وهي بين إمارات أربع: (مكة وعسير وجازان والباحة)، وتضم محافظتين كبيرتين وعشرات المدن وآلاف القرى.. هي في حقيقتها، منطقة أكبر من أكثر من منطقة في المملكة، وتخلفها الواضح عن سير قطار التنمية في بقية المناطق، يعود - كما أرى - إلى هذا الوضع الإداري الشائك، البعيد عن أعين المتابعة والرقابة الإدارية، وليس هناك من حل لتحريك البركة الراكدة هنا، إلا بتدخل كبير من الدولة، في حجم الحاجة إلى التغيير المتوجب، وذلك بتشكيل (هيئة تنموية عليا) تساعد في تحقيق تطلعات وآمال المواطن هنا.
* الطريق الساحلي السريع، شاهدته عن قرب، وأشغاله على قدم وساق، وهو إنجاز عظيم دون شك، لكن ما هو أهم منه في الوقت الحاضر، هو النظر بكل جد واهتمام، في عملية إدارية إصلاحية سريعة، تجسد سياسة الدولة في التنمية الوطنية الشاملة، إلى واقع محسوس ملموس، في هذا الجزء الكبير من بلادنا، الذي يكاد يكون منسياً، في زحمة العمل على البناء والتطوير.

فاكس: 027361552


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved