Tuesday 23rd March,200411499العددالثلاثاء 2 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إضاءة إضاءة
استراحة في كتاب
شاكر سليمان شكوري

ليسمح لي القارئ العزيز أن نخرج معاً من دوامة عالم متخبط، تتوه فيه الحقيقة حيناً وأحياناً يُلوى عنقها.. نخرج من عنق الزجاجة الخانق إلى الفضاء الرحب في عالم الشعر و(مدرسة خالد الفيصل في الشعر العامي أو المحلي).
هذا هو عنوان الكتاب الرائع الذي صدر مؤخراً عن الأديب الشاعر والناقد معيض البخيتان في أكثر من مئة صفحة من القطع المتوسط، وفيه يصحح - منذ العنوان - ذلك المصطلح الذي ساد طويلاً عن الإنتاج الشعري المحلي في السعودية خاصة وبعض أرجاء الخليج. وهو لا يكتفي بذلك بل يدعو رجال الفكر وحملة الأقلام من الأدباء (والنقاد) إلى تأسيس منهج لدراسة الشعر العامي، لأن غياب المنهج هو ما أعاق وصوله وما سيؤخره ويبقيه حبيس المشافهة وأحاديث السمر، مشيراً إلى أفاق القدامى والمحدثين على أن المنهج هو (الأداة التي تدل صحيح النظر إلى المطلوب) كما يقول الجرجاني، أو هو (وسيلة محددة توصل إلى غاية معينة) كما يقول مجدي وهبة.
ويرى الكاتب أن خصوصية شعر الأمير تبدو في وسطيته بين الفصحى الصحيحة والعامية المنغلقة أو الدارجة بين فئة بعينها، مزاوجاً بين ما هو موروث في صحته عربياً، وبين ما هو عامي في اللهجة الدارجة، وبهذا ينحو المنحى الارتقائي بالكلمة الشعبية.
ولعل هذا الرأي يذكرني بما قاله أمين عام رابطة الأدب الحديث في مقابلة مع تليفزيون الشرق الأوسط أثناء زيارة الأمير للقاهرة قبل نحو عشر سنوات، حيث قال إنه صاحب لغة ثالثة! وللأمير الشاعر رأي في الموضوع لا يزال يردده مفاده أنه على الشعر الشعبي أن يرتقي بآلياته نحو الفصحى، وعلى الشعر الفصيح أن ينزل من أبراجه ويخفف من غلواء عمومته وتغريبه ليصبح شعبياً! وهذان هما القياسان الحقيقيان للشعر: الشعبية والفصاحة.
وهنا لا بد من أن نذكر أيضاً أن الديوان الأول للأمير الشاعر قد فاز - ضمن ثمانية كتب عالمية - الأكثر توزيعاً (أكثر من خمسين ألف نسخة)، وفي ندوة أقيمت في الرياض بهذه المناسبة أحالنا الأمير إلى المعاجم العربية لنكتشف أن جل ما ورد في أشعاره من مفردات يُظن أنها عامية، هي من فحوى المعجم العربي الفصيح ومحتواه.
ويرى الباحث أن مدرسة خالد الفيصل الشعرية تقوم على أضلاع ثلاثة:
أولاً: أنه أبرز شعره كأنموذج متميز للبيئة الخاصة لهذه الأمة تراباً، ونباتاً، وتاريخاً، وتجذراً مع ما فيها من القيم والمبادئ الفاضلة.
ثانياً: أنه - شخصياً - عفيف متواضع وفيٌّ مع من يقابله.
ثالثاً وأخيراً :صدقه وثباته وبحثه المستمر عن الحقيقة.
من هذه المنطلقات يدعو الكاتب إلى دراسة شعر الأمير كظاهرة متميزة في الشعر العامي، وكشاعر أخلص لهذا التراب، ولاستقلال الموجودات عليه ولقيمته الثابتة في الرحيق والجوهر من قناعات وأنفس أبناء هذا المكان الولود، الأمر الذي جعل أشعاره نبتة مزهرة التكوين في روضة الشعر العامي، ملأته بنشرها حينما زحف إليه الذبول أو كاد. وإذا كان الشعر في رأي الكاتب هو ما أشعرك بالألم، وشدك من منكبيك وأضلاعك نحو قضيته، التي يعالجها، ومكنك من الاستشراف نحو غايته، يربطك بهويته، ويبعث فيك الأمل بالحياة، وما فيها من صنوف الجمال وعبرة القرون، فإنه يستهل استشهاداته من شعر الأمير بالقصيدة التي مطلعها:
يا نعمة النسيان يا رحمة الله
لولاك أنا عزاه وايشْ كان أنا سوّيت
ويقول إنه اعتصار التذكر بإحساس فقد لم يفصح عنه الشاعر، فجاءت المقطوعة على ما فيها من الإجهاش المزمن والمكاشفة الساخنة عبارة عن عروق تمزقت في أوردة الحبر، ووجع سيطول سفره في جرح المكان الذي لامس ذلك الوجع، فتمزق على هذه الحال، وهي بهذا ستظل دمعة معلقة في أجفان قارئيها.
ما أروع هذا الحس النقدي المرهف المحلل في براعة الوعي والإدراك.. وما أجدر بنا أن نستريح ولو قليلاً في أفياء هذا الكتاب الممتع بحق.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved