Wednesday 24th March,200411500العددالاربعاء 3 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رأي إقتصادي رأي إقتصادي
حقوق المستهلك: من يطالب بها؟ (1-2)
محمد اليماني

تصرفات كثيرة صغيرة تشغل تفكير الإنسان لا لأنها تسبب له معضلة أو إشكالية يصعب التعامل معها، لكن لأنها تتعارض مع ما يظنه أبسط حقوقه ومع ما يفترض أن يكون سائداً في المجتمع من مبادىء وقيم وأخلاق، وربما كانت ممارسة هذه التصرفات على نطاق واسع مقدمة لنشوء سلوكيات أشد سوءاً أو لظهور نتائج غير مناسبة. والملاحظ في المجتمعات التي تعطي حقوق الإنسان الوزن الذي تستحقه الاهتمام بأبسط مبادئها وما يمكن أن ينشأ عنها من تطبيقات مهما صغر شأنها وذلك أن الأمر ليس مجرد تصرف عابر قد لا يتكرر بشكل مستمر بل هو مبدأ يفترض أن يتربى على احترامه الجميع، ويتوقع أن يطبق في جميع الأحوال.
وحقوق الإنسان لا تقتصر على الحقوق السياسية وحرية التعبير عن الرأي والفكر المنضبطين بقيم ومعتقدات المجتمع بل إنها تشمل حقوقاً اقتصادية ومالية لها تطبيقات حياتية متنوعة. وفي هذا الإطار يعاني المستهلكون من انتهاكات متعددة لحقوقهم ربما كانت فرعاً عن انتهاكات أكبر شيئاً حتى غدت وكأنها تصرفات عادية لا تستدعي كثيراً من الاهتمام والتوقف.
كثير منا مرت به مواقف مثل أن يشتري سلعة ويدفع مبلغاً من النقود ويتوقع أن يعاد له الباقي كاملاً لكنه يعاد منقوصاً الأجزاء من الريال بحجة عدم وجود عملة معدنية أو أنه مبلغ تافه لا تتبعه همة أواساط الناس، وعند المطالبة الجادة يجد البائع يقذف في وجهه علبة حلوى أو كومة مناديل بعد إبدائه لقدر لا يستهان به من التأفف والتذمر. لو رجعنا إلى المبادىء لوجدنا في هذه التصرفات تعدياً صارخاً على حقوق المستهلك يصل إلى حد الاستهتار أو عدم الاعتراف بها.
وفيها مصادرة لحق الإنسان في التعبير عن رأيه تجاه قضية تخصه.
إذ كيف لا تتم إعادة المبلغ المتبقي كاملاً أو يعاد جزء منه بعد المطالبة بشيء لم يتعارف الناس على أنه نقد فهو في الواقع إجبار المستهلك على شراء سلعة لا يحتاجها. يحصل ذلك كله بدون أخذ رأي صاحب الشأن أو مشاورته، بل إنه عندما يحاول إبداء رأيه والتعبير عنه يفاجىء بعدم احترام هذا الحق أيضاً. لعل الخلل في التربية والأسلوب الذي تربى وتعود عليه الكثيرون.
وعلى الرغم مما يحمله هذا التصرف من سوء إلا أنه يحمل في طياته أمراً طريفاً يفصح عن أفكار إبداعية في التعامل مع بعض الجوانب ذات العلاقة بالنقود والتي أشغلت الاقتصاديين، إذ أصبحت الحلوى والمناديل نقوداً تستخدم في المبالغ الزهيدة. وقد سعوا منذ مئات السنين لايجاد الحلول المناسبة لإتمام المعاملات والتي تنطوي على مبالغ زهيدة بواسطة النقود - فهي ليست وليدة العصر - وكانت تلك الحلول متعددة تناسب واقع الحال لكن ليس من بينها العودة إلى النقود السلعية مرة أخرى والتي تخلت عنها المجتمعات المتحضرة منذ آلاف السنين، وليس من بينها إجبار أحد أطراف التعامل للآخر بقبول نقد لا يحظى بقبول عام.
لكن لو نظرنا إلى الجانب الإيجابي من الموضوع فهذا التصرف يسهل ويسرع عملية إجراء المبادلات إذ لا حاجة لأن يبذل البائع وقتاً للتعرف على أجزاء الريال التي يفترض أن يعيدها ولا في عدها إن هو أراد ذلك وبهذا يكون ذا كفاءة وإنتاجية عاليتين وهما الامران اللذان يؤكد عليهما الاقتصاديون دائماً ولا بأس إن هو أصاب الهدف لكن أخطأ الوسيلة!!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved