Thursday 25th March,200411501العددالخميس 4 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لما هو آت لما هو آت
سافر...!!
خيرية إبراهيم السقاف

لا أحسب أنَّ لحظة في عمر الإنسان تأتي يكون فيها قد غيَّر قناعة بفوائد السَّفر!!؟
فالمردود من السَّفر يسدِّد عند كلِّ امرئ حاجةً, وربَّما أكثر هي حاجاته, سواء من المعرفة, أو التَّرويح, أو التَّطبُّب, أو المتاجرة,... أو.... وأو.... وأو....
وفي السَّفر كما في (الحَضَر) كلٌّ كما يُقال: (يُغَنِّي على ليلاه)... فكم (ليلى), لكلِّ مسافر؟ كي يُغَنِّي لها, وعليها؟!
هذا في شأن السَّفر الذي له يُعدُّ الإنسانُ حقائبه, ويُحمِّلها بما يخصُّه من أشياء تُناسب تفاصيل استهلاكه!, بما فيها (النَّقد) الذي به يبتاع تذكرة سفره, ويُسدِّد قوائم صرفه, ويدفع لإرضاء رغبته, في شراء هذا, أو ذلك, وفي تذوَّق هذا, أو ذاك!!
ولكن؟
كيف يكون هو السَّفر من النَّفْس للنُّفْس؟
ومن الفكر للفكر؟
وكيف تكون رحلة الرُّوح إلى روحها, والذَّات إلى ذاتها؟!
هل فكَّر الواحد منَّا كي يتعرَّف نفسه, أن يسافر إليها؟...
فإنْ هو يجني من سفره فوائد, أقلُّها خمس, وأكثرها لا عدَّ لها, ولا حصر!
فما الذي يُجنيه المرءُ وهو يسافُر إلى نفسه؟...
ولئن كان الإنسان يحرصُ على معرفة العناصر البشرية المتفاعلين معه في الحياة, والمشاركين له لقمة الزَّاد, وقطرة الرَّواء, أفلا يكون أشدَّ حرصاً على معرفة ذاته المتحرِّكة فيه, الموجِّهة له, الممارسة بعد التَّفرُّد بسماته؟...
ولئن عرف المرءُ درب السَّفر, وركوب الطَّائرة, وأحبَّ أو تآلف مع رائحة المحطات, وزخم الرَّحيل, وتذوَّق طعم الغربة, وتعوَّد على ضنك التَّجربة ومتعة كل ذلك...
أفلا يرغب في التَّعرف على دروب نفسه, وركوب قطاراتها, وسفنها, وعرباتها, وأجنحتها, ويحبُّ أنْ يتآلف مع لمحاتها, وسكناتها, ومشاعرها, وانفعالاتها, و.. يتذوَّق ما في عالمها من الجمال, والعمق, والغموض, والكمون, والظُّهور, و... يستمتع برحلة إليها تكشف له عن خبايا فيه يجهلها, ولا يعرفها؟! وتفاصيل لم يدر عنها؟!
وهو إن كان في سفره بالطَّائرة, أو القطار, أو السَّفينة, أو العربة, ونزوله في شارع, أو سوق, أو حجرة في فندق, أو جلوسه في ردهة منه يقابل من النَّاس, ويلتقي في مواقف بآخرين من خلال كلِّ ذلك يعرف النَّاس ويتعرَّف على ما خفي منهم عنه, فإنَّه في سفره إلى ذاته, بأيَّة الطُّرق أو السُّبل أو الوسائل, يتعرَّف عليها أيضاً عنهم, وعنها, وعنه,... فالسَّفر إلى النَّفس هو أحد السُّبل التي بها يكتشف الإنسان أشياء كثيرة, وتفاصيل بالغة الأهمية, عن ذاته, وهي المفاتيح الأساس كي يستخدمها في تآلفه, وتعارفه, في نجاحه وفشله, عند حدود ما له, وما عليه.
ولئن كانت الحياة بوتقة تجارب
فإنَّ الذَّات هي تجربة البوتقة المكنونة في الإنسان دخيلةً تحتوي من هذا الإنسان ذاته, فهل تعرَّفت ذاتك؟ كي تكون قادراًَ على معرفة الآخر؟
إنَّ السَّفر داخل الذََّات, وخارجها, كلاهما دربان إلى أن يضع الإنسان يده على رأسه, ويحرِّكه يمنةً ويسرةً, كي تساقط عنه أسئلة موحشة, تؤكِّد له غُربته وهو في منأى عن دروب ذاته, في تشبُّع عن دروب سواه.
ألا يحتاج الإنسان في الرَّاهن, أن يسافر بعيداً في منأى عمَّا هو فيه؟!.. فإن تعذَّر سفر القدم.
فلن يتعذَّر سفر الفكر!! وإن طالت الغربة الكليَّة به, فلا يدع الغربة الرُّوحية تغمره!!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved